عائلة كاكائية تلجأ للفن للتغلب على عزلة الحجر المنزلي

بهمن ولي (63 سنة) واثنان من أبنائه، يستخدمون الفن كوسيلة لتخفيف وطأة الحجر المنزلي تصوير: محمد ألماس

كركوك ناو

في بيت بهمن اختلط المقام الأصيل والشعر بألحان العود والدف، بينما تقوم زوجته بإضفاء الحلاوة على الحجر من خلال صنع أصناف الحلوى والمعجنات.

هذه العائلة الكاكائية أصبحت مثالاً مغايراً لكل تلك العوائل التي تعتقد بأن المكوث في البيت ضمن اجراءات الوقاية من فيروس كورونا يخلق لهم حالة من التوتر النفسي.

عائلة بهمن تصر على أن جائحة كورونا لن تجبرهم على التخلي عن الفن مهما كان الثمن، لذا فان هذه العائلة، ومنذ ظهور كورونا في العراق، مستمرة في صقل وتطوير فنها.

بهمن ولي (63 سنة)، من الأقلية الكاكائية ويعيش في داقوق، يقول بأنهم بهذه الطريقة يقون أنفسهم من كورونا وفي نفس الوقت يطورون فنهم. اضافة الى ذلك، يلجؤون للفن كوسيلة لنسيان المصاعب المعيشية التي يواجهونها بسبب تداعيات كورونا، وإعادة السكينة الى جو العائلة.

بهمن يتمتع بصوت جميل وهو ضليع بالمقامات، أحد أبنائه يدرس في معهد الفنون الجميلة ويعزف العود، والثاني يعزف على الدف أما الثالث فهو مثل ابيه يغني المقامات.

خلال الشهور الأربعة التي قضوها في الحجر المنزلي وحظر التجوال المفروض بسبب كورونا، استغلوا معظم أوقاتهم لتطوير فنهم، وكما قال بهمن "لا يجب اهمال الفن والوقاية".

kakay

كركوك/ أيار 2020/ هذه العائلة الكاكائية تقضي معظم وقتها أثناء الحجر بالغناء والعزف وقراءة الشعر

منذ أواسط شهر آذار الماضي أصدرت ادارة محافظة كركوك عدداً من التعليمات والاجراءات في سبيل درء مخاطر تفشي فيروس كورونا، من ضمنها قرار حظر التجوال والحجر المنزلي، وذلك بعد تسجيل أربع حالات اصابة بالفيروس في شهر شباط الماضي.

رغم أنهم وجدوا صعوبة في التعامل مع الوضع الجديد، الاّ أنه كان بالنسبة لـ(بهمن)، الذي هو مدرس ومزارع في نفس الوقت، فرصة ثمينة للاطلاع عن قرب على القدرات الفنية لأفراد عائلته والعمل معاً على تطويرها.

"في البداية كانت وطأة الحجر علينا ثقيلة، كنت أشعر بالقلق بسبب تعرض جزء من حقلي الزراعي للجفاف حيث لم يكن بمقدوري الوصول الى الحقل وري المحاصيل، خاصة وأن حظر التجوال تزامن مع بدء موسم الزراعة"، وأضاف بهمن بأن بعد تمديد فترة الحظر "يأسنا من محصول هذا العام وشعرنا بحزن كبير."

خلال المدة التي قضوها في الحجر واتتهم فكرة تطوير قدراتهم الفنية، "لا يجب أن نتخلى عن الفن فهو غذاء الروح". بهمن وأبناؤه كانوا يقضون أغلب ساعات النهار والليل بالتمرين.

"في بعض الأحيان كنت أكتب الشعر وأقرأه لأبنائي ثم نبدأ بمناقشته، أحياناً أخرى كنت أغني المقامات، كان لذلك تأثير كبير على حالتنا النفسية، لأن تفشي فيروس كورونا تسبب بحالة من التوتر النفسي لدى معظم الناس"، ويضيف بهمن "بالنسبة لنا أُضيفت هموم ضياع محاصيلنا الزراعية الى هموم الحجر المنزلي."

أحد أبناء بهمن والذي يهوى العزف على الدف يناشد الناس بالبقاء في البيت  ووقاية أنفسهم من فيروس كورونا

حقل بهمن الزراعي الذي يبعد 10 كيلومترات عن مركز قضاء داقوق، يضم العديد من أشجار الفواكه، مثل الخوخ، العنب، التين والرمان، وفي أغلب المواسم كان يزرع فيه الخيار، الطماطم، الكوسا، الباميا والبطيخ، الا أن محصولهم قلَّ الى النصف لعدم قدرته على الاعتناء به.

لذا فان اللجوء الى الفن، كما يقول بهمن، كان له دور كبير لتخفيف التوتر النفسي عند أفراد عائلته.

الحجر المنزلي كانت له تبعات مخيفة، حيث شهدت الأشهر الثلاثة الأولي من الحجر تسجيل 20 حالة "انتحار" في كركوك، وذلك بحسب متابعات المفوضية العليا لحقوق الانسان التي عَزَت أغلب تلك الحالات الى آثار البطالة والعنف الأسري.

ناوز، الابن الأكبر لبهمن والذي يدرس في معهد الفنون الجميلة قال لـ(كركوك ناو) "قبل انتشار فيروس كورونا، كنت أتوجه مع والدي واشقائي الى حقلنا وأعمل هناك بعد عودتي من المعهد، اغلاق المعاهد والجامعات وحظر التجوال أحبطني، لكن الفن والموسيقى أنسانا كل همومنا."

"كل يوم كان والدي يغني المقامات بصوته العذب، أما أنا وشقيقي كنا نعزف العود والدف، كنا في حالة نفسية جيدة، غير أنني كنت أشعر بأن والدي ينتابه الحزن بسبب جفاف حقلنا الذي صرف فيه سنين عمره، ورغم ذلك كان يخفي آلامه."

بحسب متابعات (كركوك ناو)، كاكائيو داقوق الذين يقطنون في 15 قرية، كان لهم النصيب الأكبر من تداعيات كورونا، بالأخص الذين يمتهنون الزراعة.

xezan

كركوك/ حزيران 2020/ عائلة بهمن أثناء العمل في حقلهم الزراعي   تصوير: كركوك ناو

بهمن أب لثلاثة أبناء وابنة واحدة، لكن الدور الذي لعبته زوجته رمزية أثناء فترة الحجر المنزلي لا يمكن تجاهله، حيث كانت تزين جلساتهم الفنية بالحلوى وأنواع المعجنات التي كانت تبدع في اعدادها.

يقول بهمن "لم تدعنا نشعر بالملل ثناء الحجر المنزلي، نحن الآن في حالة نفسية وصحية جيدة ومستعدون لتجاوز هذا الوضع."

وتابع بهمن قائلاً "كورونا والحجر المنزلي سلبنا جزءاً من معيشتنا اليومية، أبعدتنا عن أقاربنا، لكننا لم نستسلم وملأنا البيت بالحب والفن."

يعتقد بهمن بأن العوائل بإمكانها الاستفادة من الحجر المنزلي، بالنسبة له كانت فرصة للتعرف على قدرات أبنائه الفنية والعمل على صقل مواهبهم في العزف والغناء."

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT