مع اقتراب الذكرى الثالثة لاستعادة تلعفر..
"علو عنتر".. دماء التركمان والايزيديين تنتظر من يكشف عنها

نينوى، 2017، فتاة نازحة في احد المخيمات للنازحين، تصوير اكسفام

جعفر التلعفري - نينوى

"منذ ثلاث سنوات نطالب المنظمات الدولية المختصة والحكومة العراقية بانتشال الجثث من حفرة علو عنتر التي اتخمها تنظيم الدولة "داعش" بجثث الضحايا"، بحسرةٍ والدموع تغرق وجنتيه يعبر حسين رضا عن استياءه من عدم رفع جثث أقربائه الثلاثة مع اقتراب الذكرى الثالثة لـ"تحرير تلعفر".

وعلى الرغم من استعادة قضاء تلعفر من سيطرة داعش منذ ما يقارب الثلاث سنوات، يطالب ذوي الضحايا من الجهات المختصة بالكشف على الحفرة واستخراج الجثث ومعرفة اصحابها.

رضا وعلى لسانه يطالب بفتح البئر وتسليم جثث الضحايا لعوائلهم، بعد "إجراء تحليل (DNA)"، ليتسنى لهم دفنها وزيارة قبورهم واستحصال حقوقهم، فهم حتى اليوم "لا يمتلكون شهادات وفاة".

وتحليل DNA يستخدم في الفحص الجنائي للجثث مجهولة الهوية بأخذ عينة منها وتحليل الحامض النووي لها مع اخذ عينة من ذوى المفقودين ومضاهاتها والتعرف على هويتها.

وعند سيطرة تنظيم داعش على مناطق شاسعة من محافظة نينوى في منتصف 2014، من ضمنها قضاء تلعفر (70 كيلو متر غرب مدينة الموصل) استعمل حفرة "علو عنتر" للتخلص من جثث ضحاياه ومعارضيه.

 عنتر
نينوى، اذار 2020، قاع الحفرة ويظهر بقايا جثث الضحايا، تصوير جعفر التلعفري

شهادات حية لذوي الضحايا

ويكمل رضا، "بعد سيطرة داعش، على المنطقة بات يجلب ضحاياه إلى علو عنتر، وفي كلّ مرةٍ يرمي فيها قتلاه يدفنهم بردم أطراف الحفرة على الجثث". ويتابع "كلّ من كان يعارض فكر التنظيم كان يرمي به إلى الحفرة، مثل الايزيدية والتركمان الشيعة الذين قتلهم التنظيم ورمى بجثثهم هنا منذ اليوم الأول".

"داعش قيّد أيادي الضحايا واعصب أعينهم ورمى بهم وهم أحياء في الحفرة ثم دفنهم بالتراب"، يصف رضا طريقة القتل التي نفذها داعش.

داعش قيّد أيادي الضحايا واعصب أعينهم ورمى بهم وهم أحياء في الحفرة ثم دفنهم بالتراب

"خلال مغادرة والدي وعمي تلعفر باتجاه سنجار، عقب اجتياح (داعش)، وقعا تحت أيدي مسلحي التنظيم، وبعد أيام معدودات وصلنا خبرٌ مفاده أن التنظيم قام بقتلهما ورمي جثثهما في هذه الحفرة، حيث كنا على تواصل مع أصدقاء ومعارف لنا بقوا في تلعفر بعد مغادرتنا لها كانوا يقصون لنا عن جرائم التنظيم ومنها ما يفعله في هذه الحفرة".

هكذا بدأ علي أحمد، حديثه مع (كركوك ناو)، وهو يشير إلى (علو عنتر)، ويضيف "نتوقع أن نجد جثتي والدي و عمي هنا في هذه الحفرة، كما واضحة من الجثث تمّ قتله بالرصاص وآخرين ذبحاً وفُصلت رؤؤسهم عن أجسادهم".

أما فاطمة سعد، وهي أرملة أحد ضحايا التنظيم، فتسرد قصة غياب زوجها، قائلةً "بينما نحن على مائدة العشاء اقتحم المنزل، خمسة مسلحين ملتحين، مدججين بالأسلحة ومتشحين بالسواد، وطلبوا من زوجي الرضوخ لأمر الاعتقال، بذريعة التواصل مع السلطات الحكومية.. وهكذا انقطعت أخباره، حتى سمعنا فيما بعد أن التنظيم أعدمه ورمى بجثثه في تلك الحفرة".

وتمكنت القوات العراقية من استعادة قضاء تلعفر في أب 2017. يقدر عدد سكان تلعفر بنحو 220 ألف نسمة ويسكنها أغلبية من التركمان المسلمين (السنة والشيعة).

 

ألف جثة لمواطنين تركمان وايزيديين.. الأدلة مكتملة

بعد مرور ما يقارب ثلاث سنوات من استعادة قضاء تلعفر من قبضة داعش، يرى عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، الدكتور علي البياتي، أن "مقبرة (علو عنتر) فيها الكثير من الدلالات، فهي دليل حاضر على حجم الجرائم التي قامت بها المجاميع الإرهابية سواءً القاعدة أو داعش، كما أنها دليل على استهداف التركمان أسوةً بالمكونات الأخرى التي استهدفها التنظيم في مجمل استهدافه للإنسان، متدرجاً من مجتمع إلى أخر".

وأشار البياتي في حديث لـ(كركوك ناو)، أن "الأدلة مهيأة لتقوم الجهات المعنية، حكوميةً كانت أو دوليةً، بواجباتها، في توثيق هذه الجرائم والتحقيق فيها، ثم محاكمة ومحاسبة المجرمين والمقصرين، لتكون وسيلة لإنصاف الضحايا، بانتشال جثثهم والتعرّف عليها وجبر ضرر ذويهم وإعلامهم بهوية تلك الجثث لدفنها بطريقة تليق بهم وتحفظ كرامتهم".

الأدلة مهيأة لتقوم الجهات المعنية في توثيق هذه الجرائم والتحقيق فيها، ثم محاكمة ومحاسبة المجرمين والمقصرين، لتكون وسيلة لإنصاف الضحايا

وتابع "كمفوضية حقوق الإنسان عملنا في أكثر من جانب بشأن هذا الملف، وطالبنا باعطاء المقابر الجماعية أولوية في التحقيق، وكانت لدينا مفاتحات مع اللجنة المشكلة من قِبل مجلس الأمن الدولي المعنية بالتحقيق في جرائم داعش، كما فاتحنا اللجنة الدولية للمفقودين، التي قام وفد منها بزيارة إلى تلعفر بصحبتنا يوم 16 شباط 2020، إلى جانب مخاطبتنا للجهات الحكومية المعنية، باعتبار المفوضية عضوٌ في اللجنة العليا لفتح وحماية المقابر".

وأكد البياتي قائلاً "نسعى في التحقيق في هذه الجرائم ومحاكمة مرتكبيها وتعويض ذوي الضحايا".

وكشف عن "جهود لفتح المقبرة، التي يتوقع أنها تضم نحو ألف جثة، لمواطنين تركمان وايزيديين، رغم أن البثّ بالعدد الدقيق يكون بعد فتحها، إلا أن أسباباً غير معلومة تحول دون ذلك".

وفقد 1300 مواطناً تركمانياً، من كلا الجنسين، خلال سيطرة تنظيم داعش على محافظة نينوى، وفُقد أغلبهم في النصف الثاني من عام 2014، في تلعفر وسنجار، إلى جانب آخرين فقدوا خلال السنوات من 2014-2017.

السلطات المحلية: الأمر خارج صلاحياتنا

مصدر أمني في تلعفر، أكد لـ(كركوك ناو) أن "مسؤولية الأجهزة الأمنية تقتصر على تطهير المكان من العبوات والألغام والمخلفات الحربية، وهو ما أدتّه فعلاً، وليس من صلاحياتها رفع الجثث حيث أن هذا الأمر يحتاج إلى لجان مختصة وبإشراف دولي". وأشار إلى "تواجد نقطة عسكرية مشتركة قريبة من موقع المقبرة للحفاظ عليها من العبث ريثما تبادر الجهات المعنية بإجراءاتها".

فتح المقبرة يحتاج إلى لجان مركزية خاصة خارج صلاحيات الإدارة المحلية

فيما لفت قائممقام تلعفر، قاسم محمد شريف، أن "المقبرة تقع على أطراف تلعفر، وهي تضم أعداداً كبيرة من المدنيين الذين أعدمهم تنظيم داعش". وأشار إلى أن "فتح المقبرة يحتاج إلى لجان مركزية خاصة، خارج صلاحيات الإدارة المحلية". مؤكداً أن "إحدى المنظمات أبدت، قبل نحو سنة، رغبتها في العمل في الموقع إلا أن لم تباشر فعلياً فيه"، موضحاً أنه "لا تتوفر إحصائية دقيقة عن عدد الضحايا في هذا المكان".

talaafar-1
نينوى، 2017، منزل مهدم بسبب الحرب ضد داعش قي قضاء تلعفر تصوير: جعفر التلعفري

جثثٌ لنساء وأطفال.. وآثار دماء وعبوات رصاص

من جانبها توضح الناشطة التركمانية ابتسام الحيو، أن "الحفرة تقع على أطراف مدينة تلعفر إلى الطريق الذاهب إلى ناحية العياضية، وتبعد عن مركز تلعفر نحو ستة كيلو مترات شمالاً، فيما تبعد عن الشارع العام بنحو 600 متر، حيث تقع في مساحة فارغة من السكان والزرع، في عمق الصحراء، قرب قرية تسمى (بكَي قوط) التي يسكنها التركمان الشيعة".

وتكمل في حديث لـ(كركوك ناو) "في الأصل تسمى هذه الحفرة ببئر الحمائم حيث أن سرب الحمام يعلوه عادةً، ويسميها تركمان تلعفر بـ(علو عنتر)، وهي حفرة بفعل الطبيعة، لم يتدخل الإنسان في حفرها، بل يروي سكان تلعفر أن نيزكاً ضخماً في القديم سقط فيها وأحدث هذه الحفرة، قبل مئات السنين".

قطر الحفرة تُقدر بنحو 50 متراً وعمقها بنحو 100 متر تحت الأرض

وتوضح أن "قطر الحفرة تُقدر بنحو 50 متراً وعمقها بنحو 100 متر تحت الأرض، إلا أن عمقها قد تقلص كثيراً إثر رمي الجثث وردمها بالتراب من أطرافها.. يبدو أن داعش استخدمه كموقعٍ للإعدامات ولطم جثث ضحاياه".

وتبين الحيو، وهي رئيسة منظمة حوار الثقافات للإغاثة والتنمية، أنه "بين عشرات الجثث المتفسخة الظاهرة في الحفرة هناك جثث لنساء وأطفال، وجثث تؤكد ملابسهم أنهم من أبناء الديانة الايزيدية إلى جانب التركمان، كما أن آثار الدماء وعبوات الرصاص الفارغة ما تزال شاهدة على الجريمة". كاشفةً أنه "حسب معلوماتنا أن الجثث في غالبيتها تعود للتركمان والايزيدية، وبينها جثة البرلمانية السابقة والناشطة المدنية إيمان محمد يونس السلمان، التي قتلها التنظيم ورمى بجثثها في البئر".

وقتل تنظيم داعش، الآلاف من المواطنين العراقيين، ودفنهم في مقابر جماعية، لاسيما عمليات الإبادة بحق أبناء المكونين التركماني والإيزيدي، بعد اقتياد الفتيات، والنساء، سبايا إثر سيطرته على محافظة نينوى، في حزيران 2014.

بعد مضي ما يقارب ثلاث سنوات على استعادة تلعفر من داعش، ما يزال حسين رضا ينتظر ان يستطيع انتشال جثث اقرباءه ويدفنهم بطريقة تليق بهم.

 

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT