تجلس تابلو بجوار لوحة كتب عليها اسم مجموعتها والمبادرة البيئية التي تم إطلاقها، تمعن النظر في الكتابة وتفخر لأنهم طرقوا موضوعاً تتوقع أن يكون لنتائجه تأثير واسع على البيئة في كرميان.
تابلو درباز (17 سنة)، تشرف على مشروع "لنجعل كرميان خضراء" وتقيم في قضاء كفري. تتمحور المبادرة حول بناء مسؤولية الفرد تجاه البيئة عن طريق المشاركة في التشجير.
توضع الى جانب كل نبتة أو شجرة تُزرع لوحة تحمل اسم الشخص الذي زرعها وسيتولى مسؤولية الاعتناء بها.
تتردد تابلو كثيراً على متنزه الإمام محمد في قضاء كفري، حيث أطلقت مبادرة التشجير لمتابعة النبتات والأشجار المزروعة والتي تم ترقيمها.
من ثقافة القراءة الى ثقافة الحفاظ على البيئة
مشروع نحو تشجير كرميان جزء من أعمال ونشاطات مجموعة التثقيف على قراءة الكتب التي تنشط في قضاء كفري التابع لإدارة كرميان منذ عامين.
تضم المجموعة 15 متطوعاً. فعاليات المجموعة تشمل حالياً النشاطات البيئية والثقافية وذلك بعد إطلاقها قبل شهرين مشروع تشجير كرميان، كجزء من حملة (البيئة عين الحياة).
تعاني إدارة كرميان التابعة لمحافظة السليمانية من قلة المساحات الخضراء حيث تشير الإحصائيات الخاصة بعام 2023 الى أن نسبة الخضرة ضمن حدود 16 بلدية تابعة لإدارة كرميان كانت 5.7 بالمائة فقط وهي أقل بكثير من المعيار العالمي الذي يشترط أن لا تقل النسبة عن 30 بالمائة.
حملة "البيئة عين الحياة" بدأت بتنظيف الأماكن العامة في قضاء كفري بمشاركة فئات وشرائح المجتمع، كما استهل المشروع بزراعة 30 شجرة في كفري وناحية سرقلا تم ترقيمها وإيكال مسؤولية الاعتناء بها لـ30 شخصاً كتبت اسماؤهم على لوحات الترقيم.
تقول تابلو، "بصورة عامة يشمل مشروعنا البيئي عدة فعاليات، فإلى جانب التشجير وحملات التنظيف لدينا أيضاً ندوات للتوعية البيئية، الهدف هو إعادة الحياة للحدائق والمتنزهات ورفع وعي الفرد والشعور بالمسؤولية تجاه البيئة".
مجيد قادر (74 سنة)، أحد الأشخاص الذين تولوا مسؤولية الاعتناء بإحد النبتات واسمه مكتوب على اللوحة المغروسة بجانب النبتة، يقول مجيد "يغمرني شعور خاص وجميل حين أرى هذه النبتة تحمل اسمي، هذه مبادرة بيئية مهمة جداً، آمل أن تستمر".
القائمون على المشروع يطلبون من المواطنين الموافقة على تولي مسؤولية الاعتناء بالنبتات ولديهم خطط أخرى.
مجيد الذي زرع نبتته في متنزه الإمام محمد، قال "زراعة هذه النبتة ستساهم في زيادة الخضرة وإضفاء مزيد من الجمال على المتنزه".
المبادرة تخطو خطواتها الأولى، وحول سبب قلة عدد النبتات والأشجار التي زرعت خلال الشهرين الماضيين قالت تابلو درباز، "نريد توفير كافة احتياجات النبتات لضمان نموها بشكل جيد، لا نريد أن نزرعها ومن ثم تتعرض للإهمال من قبل الأشخاص المكلفين بالاعتناء بها".
في المرحلة الأولى تم تحديد المناطق التي كانت في الأساس حدائق ومتنزهات وتملك أنظمة تقطير أو داخل المدارس التي تتوفر فيها المياه.
الهدف توسيع المشروع
المشروع لم يتجاوز قضاء كفري لكن الهدف هو توسيعه ليشمل كافة مناطق كرميان، من ضمنها أقضية كلار ودربنديخان.
"هذا مشروع طويل المدى وسيستمر ، نريد توسيع المشروع على نطاق كرميان واقليم كوردستان، لا نريد أن يكون تأثير المشروع محدوداً"، بحسب تابلو.
محمد عادل (34 سنة)، أحد المشاركين الذين تكفلوا بالاعتناء بشجرة يقول "أعجبتي الفكرة، إنه لشعور جميل أن تتولى مسؤولية الاتناء بشجرة، يجعلك ذلك تتعلق بالبيئة".
"حين أعود من العمل في المساء أتفقد شجرتي لكي أتحرى عما إن كانت بحاجة للسقي أم لا"، يقول محمد.
ما يشعر به محمد تجاه مهمته هو الهدف الذي تريد المبادرة تحقيقه، وهو إنشاء علاقة بين الأفراد والبيئة.
ويضيف محمد، "إذا ماتت الشجرة، فأنا مستعد لزراعة ليس فقط نبتة بل 10 نبتات مكانها، كما أقدم يد العون للمشاركين في المشروع من أجل توسيعه".
مدير قسم الحدائق في المديرية العامة لبلديات كرميان، نهاد ولي، يرحب بالمشروع ويتعاون لإنجاحه، لكنه قل "من الأفضل أن يكون هناك تنسيق بين مثل هذه المجموعات ومديرية البلديات لتبادل الآراء حول اختيار أنواع الأشجار المفضلة للزراعة والمواقع المناسبة لزراعتها"، وأضاف "لا نريد أن تتعرض الأشجار لاحقاً للقطع في حال وقوعها ضمن مشاريع وخطط البلدية".
الأولوية لأشجار الإلبيزيا والأكاسيا
أشجار الإلبيزيا والأكاسيا من الأصناف التي يعتمد عليها المشروع لأنها بحسب تابلو قد جُربت في كرميان وأثبتت قدرتها على تحمل مناخ كرميان.
تقول تابلو، "في الحقيقة اختيار هذن الصنفين من الأشجار جاء بعد التشاور مع البلدية، هم من اقترحوها علينا"، والبلدية هي التي توزع عليهم هذه الأشجار مجاناً عن طريق مشاتل تابعة لها.
خلال السنوات الماضية، دأب المسؤولون في إدارة كرميان على ويادة المساحات الخضراء في ركميان عن طريق زراعة هذه النوعية من الأشجار.
مع ذلك، النسبة الحالية لا تحظى برضا دائرة بيئة كرميان، لذا ترى بأن المبادرة مهمة جداً.
مدير دائرة بيئة كرميان، دريد سليم، قال "لدينا ناشطون شبان يعملون في مجال البيئة على شكل مجموعات أو أفراد، هذا ألأمر مدعاة للسرور".
وأوضح بأن نسبة الخضرة مشكلتنا الكبرى، لذا فإن زراعة أي صنف من الأشجار مهمة حتى لو كانت بأعداد قليلة من أجل خدمة البيئة والتوعية ونشر الثقافة البيئية... أعتقد بأننا سنتمكن مستقبلاً من العمل مع هذه المجموعة ومبادرتها".
يقدر عدد سكان إدارة كرميان بنحو 343 ألف و594 شخص، وفقاً لإحصائية لمديرية إحصاء كرميان. القائمون على المشروع يتطلعون لإقناع أكبر عدد من السكان خلال السنوات المقبلة لتولي مسؤولية الاعتناء بالأشجار والنبتات.
وتشير إحصائية للمديرية العامة لبلديات كرميان الى وجود 243 حديقة ومتنزه كبير في كرميان، يقع 83 منها في قضاء كفري.
الناشط البيئي آزاد أحمد يقول "أطلقت حملات تشجير عديدة في كرميان، لكن بعد زراعة الأشجار لم يتم الاعناء بها، أما هذه المبادرة مختلفة".
فتح دورات للفن التشكيلي الخاص بالطبيعة والبية من المهام الأخرى لمشروع "لنجعل كرميان خضراء" بغرض نشر الوعي البيئي. تقول تابلو، "المشاركون في هذه الدورات تتراوح أعمارهم بين 5 سنوات و 18 سنة، يتعلم المشاركون كيفية رسم الطبيعة والحيوانات البرية والمواضيع البيئية الأخرى".
العوائق والتحديات التي تواجه المشروع تتمثل بعدم وجود خطط واضحة المعالم للتعامل مع المواقع التي ليست في الأصل متنزهات أو مدارس أو دوائر، وكذلك كيفية تأمين المياه مستقبلاً لسقي الأشجارالتي تزرع في هذه الأماكن.
تقول تابلو إن "الوضع المالي للمجموعة يعطل مهامنا لا نستطيع تطوير المبادرة بالشكل اللازم"، وأضافت، "الجانب المادي مهم لأي مروع لكي يخطو للأمام وينجح، نعاني كغيرنا من المجموعات والمنظمات من مشكلة الميزانية، نطلب من الجهات المعنية تقديم الدعم لنا لكي نوسع أعمالنا".
لكن مدير قسم الحدائق في المديرية العامة لبلديات كرميان، نهاد ولي، يرى بأن المشاورات مهمة لمعرفة ما يمكن عمله لدعم المشروع سواء عن طريق توفير الأشجار أو أي طرق أخرى للدعم".