سنكر رسول
توقع أنت الآن في شهر آذار من عام 2040 وتسكن بأحد أحياء مدينة كركوك، ومن خلال التكنولوجيا الذكية ومتقدمة أكثر من الهاتف الذكي الذي تملكه اليوم، تتطلع إلى تقدم الشعوب الأخرى على الكرة الأرضية والثراء الذي يعيشون فيه، وتتطور التكنلوجيا باستمرار ويصلك التقدم التكنولوجي أيضا، إلا أن المختلف بالنسبة لك هي حالة الفقر التي يمر بها بلدك ومدينتك، حيث لا يسد النفط احتياجات إدارة البلد والمدن.
الشعوب الأخرى وخصوصا الذين يقعون في شرق قارة آسيا يتطورون يوما بعد الآخر بسبب وجود عقلية الاستثمار والإبداع والذان يعتبران من أساسيات ازدهار الاقتصاد، إلا أنك تعتمد على بيع النفط لمئات السنين وبدلا من استثمار عائدات النفط في المشاريع الاقتصادية تذهب لتصرف ميزانيتك على استيراد المنتجات وحتى التكنولوجيا من البلدان الاخرى!.
ما أن تستيقظ من الحلم الذي كنت رأيته سوف تتوجه مسرعا إلى هاتفك الخاص لتجد نفسك في عام 2019، وتنشغل مرة أخرى بالأخبار المتعلقة بارتفاع سعر النفط والصراعات السياسية في العراق، واختلاف وجهات نظر مكونات كركوك والدخان المنتشر بكثافة على سماء مدينتك، وبذلك تعرف بأن ما رأيته كان مجرد حلم!.
الحلم الذي رأيته أعلاه هو حقيقة لا تتمكن من الهرب منها، لأن العقدين القادمين سيشهدان ثورات تكنولوجية غير متوقعة لدى الشعوب المتقدمة وسعيهم لاستعمال الطاقة البديلة للحفاظ على البيئة. للمثال العديد من بلدان العالم هم بصدد انتاج الكهرباء من خلال الطاقة النظيفة، وأكثر من 139 دولة في العالم لديهم خطط للاعتماد على الطاقة النظيفة بنسبة 100% بحلول عام 2050، وعدد من عواصم العالم لديها خطط لمنع السيارات التي تعمل بالبنزين والكازاويل، ولديهم خطط لصرف مليارات الدولارات على تطوير التكنولوجيا والتقدم في حجم الاستثمار ومواجهة التلوث البيئي الحاصل بسبب استخدام واستخراج النفط، وأن كل ذلك ليس حلما بقدر ماهو قريب للواقع.
هذه الحقائق لديها علاقة مباشرة بمستقبل العراق عمومًا وكركوك خصوصا، كون تلك المدينة التي كانت تبلغ احتياطتها من النفط الخام (8.7 مليار برميل) ويستخرج منها النفط منذ عام 1934، إلا أنها حصلت على اقل نسبة استثمار، وكانت لها حصة الأسد مع محافظة البصرة من النكبات التي تمر بها البلاد من الناحية الاقتصادية، على الرغم من أن تلك المحافظتين تعتبران مصدرا مهما للموارد المالية لجميع المحافظات، وفي نفس الوقت أصبحا ضحية الامراض والتلوث البيئي.
إذا أخذنا موازنة عام 2019 على وجه التحديد، والتي تقدر بـ 112 مليار دولار مع (23 مليار دولار عجز)، سوف نرى أرقاما مخيفة لأن 75 بالمائة من الموازنة تعتبر ميزانية تشغيلة و23 بالمائة فقط هي مخصصة للاستثمار وإعادة الإعمار، حيث كان الموازنة التشغيلية في 2018 تقدر بـ 39 مليار دولار، إلا أن الموازنة التشغيلية ارتفعت في العام الحالي إلى 52 مليار دولار، وهذه الأرقام بمثابة ناقوس خطر، حيث تحتاج المحافظات المتضررة بعد انتهاء الحرب ضد داعش، إلى 88 مليار دولار، في حين تبلغ الموازنة المخصصة للاستثمار 27 مليار دولار فقط من أصل 112 مليار دولار.
كركوك تلك المدينة التي كانت تبلغ احتياطتها من النفط الخام (8.7 مليار برميل) ويستخرج منها النفط منذ عام 1934، إلا أنها حصلت على أقل نسبة استثمار
وعلى الرغم من الفساد وإهدار المال العام وتعيين جيش من الموظفين الذين لا عمل لهم وصرف ملايين الدورات لحساب المليشيات، سوف لا ترى أفقا تُبشر بوجود مشاريع ضخمة واستراتيجية لمحافظة كركوك، وخصوصا أنها تعتبر من أهم المشاكل العالقة بين أربيل وبغداد.
لو أعدنا النظر بموازنة وعائدات العراق بعد عام 2003 وعمليات تحرير العراق، سيظهر لنا أن مجموع العائدات من النفط بلغت أكثر من 800 مليار دولار، ولكنك لا ترى كيف صرفت تلك الميزانية الضخمة في وقت لا ترى مشاريع كبيرة منفذة في قطاع التربية والصحة، مقارنة بالأردن والتي قامت برفع عائداتها ثلاثة أضعاف دون بيع النفط (وهذه تعتبر من نتائج الابتعاد عن الحرب).
في بلد يبلغ عدد سكانه 38 مليون نسمة وبسبب عدم وجود التخطيط والفساد، يتوقع أن يزداد عدد الشباب العاطلين عن العمل إلى مليون شخص، والذي يعتمدون على التعينات الحكومية والقطاع العام. لذا إن كان ذلك ما سيحدث في أنحاء العراق، فإنه سينعكس على كركوك أيضًا ومن هنا يجب ان نتساءل: ماهي الخطط الاستراتيجية لكل من حكومة اقليم كوردستان والحكومة الاتحادية في توفير فرص العمل وتأمين مصادر مختلفة للعائدات للاعتماد عليه غير النفط؟ وماذا ستقدمان لكركوك باعتبارها من المناطق المتنازع عليها وفقًا للمادة 140 من الدستور؟.
كما الحال في قصة سقوط كركوك في عام 2040، فإنها لن تبقى قصة خيالية فقط، وخصوصًا إذا كانت الموزانة العامة في الأعوام القادمة على غرار موازنة العام الحالي، وحرمان كركوك من المشاريع الاستثمارية الكبيرة من دون توفير فرص العمل، سوف يكون كل شيء واردًا. افضل الحلول بشأن كركوك المدينة التي لها خصوصيتها، هي تقليل الخلافات وتطوير القطاع الاقتصادي.