على التلة الأثرية في مدينة الموصل قرب جامع النبي يونس، يتجمع عدد من الشباب الموصلي أمام جدار مائل وكأنه كتاب مفتوح، هؤلاء الشباب عادوا من رحلة النزوح الشاقة، بسبب سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، على مدنهم لثلاثة اعوام، ليبدؤوا برحلة جديدة، لكنها هذه المرة داخل اسوار مدينتهم، وتهدف الى اعادة الوانها الثقافية الى سابق بهجتها.
"ونحن في اعلى التل، ابواق السيارات وكلمة (عاشت ايدكم) لا تنقطع عن تحيتنا طوال مدة انجاز الجدارية، فضلا عن العديد من الناس الذين صعدوا التل ايضا وزارونا وشجعونا على مواصلة هذه الاعمال التي تعيد الصورة الجميلة لمدينتنا الموصل". هكذا يصف الشاب الموصلي، تاج الدين ميلي، الأجواء التي تحيطهم اثناء تنفيذ حملتهم.
ميلي وهو فنان تشكيلي يرأس فريق تطوعي اطلق عليه (7Arts)، يجلس على الأرض وخلفه أحدى المتطوعات وهي تحمل الكيس الخاص بمواد الطلاء، يقول لـ كركوك ناو، إن "الفنان يكون في العادة قدوة المجتمع، والفنان بكل ما يملك من طاقة يكون قادراً على تغيير مجتمعات كاملة من خلال اعماله الفنية اذا كانت مسرحية او تشكيلية او موسيقية"، ومن هنا يضيف ملي ان فريقه يسعى لتغيير نحو الافضل في مدينة الموصل.
فريق (7Arts) التطوعي، أحد الفرق الشبابية التي باشرت ببث الحياة الى مدينة الموصل بعد عمليات الاستعادة من "داعش".
واعلن رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي، في 10 تموز 2017، النصر على تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وإستعادة مدينة الموصل من قبضته، بعد ان سيطر عليها التنظيم، في 10 حزيران 2014.
الفريق المكون من 3 شابات و4 شباب، قدم عدة اعمال فنية في مدينة الموصل، لعل ابرزها جدارية ( القراءة غذاء العقل ) وهي جدارية ضخمة رسمت على التلة الاثرية قرب جامع النبي يونس، على جدار مائل وكأنه كتاب مفتوح، تتوسط الكتب المرسومة فيه، عبارة "القراءة غذاء العقل"، ليمثل دعوة عامة للقراءة.
ويوضح ميلي ان "هناك اهمال واضح بقراءة الكتب، على الرغم من ان الكتاب هو المسافر بالانسان الى المستقبل. ولأن الموصل تعتبر في السابق من المدن المثقفة جدا، بحسب دراسات، ولأن الاهمال المذكور تسبب بتراجع كبير في الثقافة بمدينة الموصل، لهذا جاءت فكرة الدعوة الى القراءة عبر رسم هذه الجدارية، لاننا إذا اردنا ان نكون أمة خير، وأمة متحضرة فعلينا بالقراءة".
وحول اختيار الموقع الاثري لاحتضان الجدارية، يتحدث ملي لـ كركوك ناو : ان " الموقع مهم جدا، اولا لجمالية هذا الجدار والذي يشبه الكتاب المفتوح، وثانيا موقعه القريب جدا على مديرية تربية نينوى وكذلك موقع جامع النبي يونس عليه السلام، ما يجعله مكانا مكتظا جدا بالناس"، وتابع : "وهذا الذي دفعنا للرسم في هذا المكان المهم لانه يستهدف شراح المجتمع كافة والكل سيرى موقع هذه الجدارية، وتصله رسالتها".
ورغم ان الجدارية رسمت بشكل تطوعي ومن دون دعم مالي من قبل اي جهة، سوى تبرع فريق مشروع نينوى اولاً بالاصباغ، الا ان تاج الدين ملي يقول ان " الفرح غمر فريقه، لما وجدوه من تفاعل كبير من قبل الاهالي".
"الاهالي جميعهم يشكرون فريقي لازالة الاعلانات القديمة التي شوهت المكان ويشيدون باختيارنا موضوعا مهما ويعد فاصلا خلال هذه الفترة للمدينة، الا وهو القراءة، والحث عليها". هكذا يختم تاج الدين ملي رئيس فريق (7Arts)التطوعي حديثه مع (كركوك ناو)، وينهض لإكمال المهمة مع زملائه من الشباب والبنات الذي ابدوا استعدادهم لتنفيذ أعمال اخرى في قادم الايام.