مشروع بيئي يحول النفايات الى جوائز
"سولي-سايكل"... مبادرة نسوية تتصدى لغزو البلاستيك

السليمانية/ بروشه آوات، صاحبة مشروع "سولي-سايكل"  تصوير: خاص بـ(كركوك ناو)

سلام عمر

تخرجّت حديثاً من الجامعة، البطالة وقلة الخبرة اعترضتا طريقها كجبال جليدية، لكن بروشه آوات بقليل من البحث والمتابعة تهيأت لها فرصة بدء مشروع بيئي، غير حياتها المهنية بصورة جذرية وأنقذها من البطالة.

بروشه أصبحت مؤسسة مشروع (سولي-سايكل)، وهو عبارة عن جهاز لاستبدال البلاستيك بالنقود، حيث يجمع البلاستيك ويكافئ المستخدم. المكافآت تأتي على شكل خصومات في عدة أماكن داخل وخارج مدينة السليمانية.

تقول بروشه، "خطرت لي هذه الفكرة التي كانت حلماً بالنسبة لي. بعض من اقاربي الذين كانوا يعودون من الخارج كانوا يقولون لماذا ترمون العبوات البلاستيكية، عندنا أجهزة توضع فيها العبوات البلاستيكية، دائماً ما كنت اسمع هذه القصص".

عمر المشروع أكثر من عامين بقليل ويعمل فيه أربعة موظفين. اسم المشروع (سولي-سايكل Suly-Cycle) مشتق من اختصار كلمة السليمانية (سولي) وكلمة (cycle) الانجليزية.

أقول دون تردد بأن الخطر البيئي أكبر بمراحل من خطر الارهاب

المدينة معروفة بكونها عاصمة الثقافة في اقليم كوردستان، لكن ثقافة التعامل مع النفايات وكيفية معالجتها لا زالت في بداياتها. في السليمانية تتكدس في الأيام الاعتيادية 1000 طن من النفايات وفي المناسبات ترتفع الى 1200 طن تشكل المواد الغذائية أكثر من 60 بالمائة منها.

زردشت رفيق، مسؤول قسم الاعلام في رئاسة بلدية السليمانية قال إن ثلاث شركات تتولى جمع النفايات، يعاد تدوير قسم منها والبقية تنقل الى منطقة تانجرو جنوبي السليمانية.

موضوع البيئة أصبح منذ اشهر محل نقاش وسجال بين المجتمع المدني والمسؤولين. في تصريح أدلى به لصحيفة الصباح العراقية شبه الرسمية في 5 حزيران 2024، يقول نائب رئيس حكومة اقليم كوردستان، قوباد طالباني، "أقول دون تردد بأن الخطر البيئي أكبر بمراحل من خطر الارهاب".

تصريح قوباد الطالباني جاء بعد تصاعد احتجاجات المواطنين، ناشطي المجتمع المدني وفئات أخرى من المجتمع ضد تشويه طبيعة جبل كويزة شمالي السليمانية عن طريق إنشاء مشروع سكني.

رغم إشارة قوباد طالباني الى أن المناقشات الساخنة التي نشأت في السليمانية حول قضية البيئة أثارت شعوراً بالفخر والتفاؤل، لكن بعد أسبوع واحد، اعتدت القوات الأمنية التابعة لحزبه تجمعاً لفريق حملة "إحم كويزة" الهادفة لوقف العمل في المشروع السكني الذي تحدث عنه قوباد طالباني في تصريحه لجريدة الصباح، بحسب بيان لفريق الحملة.

map

وفقاً لمؤسسة آكيو ئير السويسرية، هواء العراق من بين "الأكثر تلوثاً" في العالم 

التحدي البيئي يواجه كافة أرجاء البلد، بحسب احصائية نشرها الجهاز المركزي للإحصاء في العراق، خلال عام 2022 كان معدل النفايات المتولدة عن كل مواطن 2.5 كغم يومياً، إجمالاً بلغت كمية النفايات المتولدة يومياً 11.9 مليون طن، تسببت بتلوث البيئة.

جزء كبير من النفايات البلاستيكية في العراق يتم حرقها، وهناك علاقة مباشرة بين تلوث الهواء والتلوث بالبلاستيك. وفقاً لـ(آكيو ئير)، شركة سويسرية تعمل في مجال تكنلوجيا جودة الهواء، يعد هواء العراق من "الأكثر تلوثاً" بين دول العالم.   

في سولي-سايكل، البلاستيك لا يختلط بالنفايات الأخرى، بحسب بروشه، المشروع صديق للبيئة، حتى أن بطاقة الخصم التي يستلمها المستخدم يعاد تدويرها.

 

ذكاء محلي

بعد تخرجها من كلية العلوم السياسية بجامعة السليمانية عام 2022، بدأت بروشه رحلة البحث عن عمل، بعض الفرص التي سنحت لها لم تعجبها، وبعضها تطلبت خبرة لم تكن تمتلكها.

مستقبل بروشه كان يترنح بين غياب فرصة العمل وانعدام الخبرة اللازمة. قصة (سولي-سايكل) بدأت حين رأت على مواقع التواصل الاجتماعي نداءً للمشاركة في دورة تدريبية حول (أفكار للاختراعات) في دار سولي للاختراعات بمدينة السليمانية.

تقول بروشه (24 سنة) إن "صنع النموذج الأولي استغرق شهرين، كان بدائياً جداً. تم عرض الاختراعات في أيلول 2022 وأحرزنا المرتبة الأولى، صنعنا نموذجنا الأول بالمكافأة التي حصلنا عليها، كلفة الجهاز كانت اقل من مليون دينار عراقي".

إذا وردتنا طلبات سننتجع عدداً كبيراً من هذه الأجهزة لكننا سنحتاج الى وقت أكثر ومزيد من الأيدي العاملة

يوسف أمير، عامل فني في مجال الهاردوير، شارك في صنع جميع اجزاء الجهاز التي صنعت محلياً. يقول يوسف، "أهم عمل للجهاز هو التدوير ومنع تلوث البيئة".

هيمن عثمان (23 سنة)، صاحب مشروع هيمن ريسايكلين، يجمع النفايات البلاستيكية من عدة أماكن بفريق مؤلف من ثلاثة اشخاص، إجمالاً يجمع هيمن حوالي 320 كغم من البلاستيك.

حول فوائد (سولي-سايكل) قال هيمن، وهو مهندس كهربائي مولع بمجال الاستثمار، "أنظر فائدة هذه الأجهزة هي أنها حين يعلم الناس الغرض منها، يدخلون فيها البلاستيك النظيف"، مخلفات الأماكن الأخرى تختلط بنفايات أخرى.

(سولي سايكل) حقق نجاحاً آخر، حيث شارك النموذج الأول من الجهاز في برنامج آخر باسم "تيك فيرست) في السليمانية وأحرز مجدداً المرتبة الأولى. من هنا تعرف الناس أكثر على (سولي سايكل). تقول بروشه "بعد هذه الخطوة ستردنا طلبات لصنع الجهاز".

بحسب أمير، الجهاز لا يحتاج الى صيانة "إذا وردتنا طلبات سننتجع عدداً كبيراً من هذه الأجهزة لكننا سنحتاج الى وقت أكثر ومزيد من الأيدي العاملة".

أركان خالد عبدالله، مدير معمل أركان لإنتاج البولستر الذي ينقل هيمن اليه المخلفات البلاستيكية يقول بأنه يستلم كل الكميات التي ترسل اليه.

يقع معمل أركان في منطقة تانجرو ويعمل فيه ثمانية موظفين، يعاد فيه تدوير البلاستيك لإنتاج مادة البولستر التي تستخدم لصنع الأغطية والوسائد والأفرشة.

المعمل يستلم فقط العبوات البلاستيكية المكتوب عليها (PET) وهي اختصار لمصطلح البولي أثيلين (Polyethylene Terephthalate) وهو الاسم الكيميائي لمادة البولستر.

prozha

السليمانية/ عدد من الأطفال يضعون عبوات بلاستيكية في الجهاز   تصوير: خاص بـ(كركوك ناو) 

(PET) مادة بلاستيكية شفافة قوية وخفيفة الوزن تستخدم لتعليب الأطعمة والمشروبات، بالأخص الغازية، العصائر والماء.

مشروع بروشه يضم ستة أجهزة، نصب أحدها داخل معمل كلتور، فيما اشترى مكتب نائب رئيس وزراء حكومة اقليم كوردستان خمسةً من هذه الأجهزة.

"يفرحني جداً حين يقول الناس بأنهم استلموا بطاقات الخصم واستخدموها، بالأخص حين يقولون لي بأن الأطفال في البيت يتنافسون فيما بينهم حول من يجمع أكثر من البلاستيك ليحصل على الخصم"، هذا ما قالته بروشه والفخر يعتليها.

 

طراز جديد من الجهاز في الطريق

بعد اكثر من عامين على انطلاق المشروع، قطعت بروشه العديد من الخطوات، الناس بدأوا باستخدام الاجهزة، تردها طلبات جديدة لصنع الجهاز والعمل مستمر لإنتاج الطراز الجديد من الجهاز.

أثناء حوارنا مع بروشه في دار سولي للاختراعات، مدت بروشه يدها الى احد الأجهزة وقالت "هكذا يستخدم الناس هذا الجهاز". على مدار الأشهر الستة الماضية، تم إعادة تدوير طنين من البلاستيك عن طريق الأجهزة الستة.

سازان قادر حمه صالح، صحفية في مديرية الإعلام والطباعة والنشر بالسليمانية تقول، إن "الجهاز شيء رائع، لأنه ينظف البيئة من هذه المواد البلاستيكية المضرة للإنسان".

حول كيفية علمها بشأن المشروع قالت سازان إن ابنها كان يشارك في دورة بمعمل كلتور ورأى الجهاز هناك، "أزور هذا المكان منذ حوالي شهرين، أتيت ثلاث مرات حتى الآن، وحصلت على خصومات في عدة أماكن، الجهاز مفيد اقتصادياً ويحافظ على نظافة البيئة".

أعداد المشتركين في ازدياد، وحسبما يظهر على شاشات الأجهزة، العديد من المحال والشركات تشارك في المشروع والخصومات تبدأ من 10 بالمائة، "حتى الآن، يقدم 20 مشتركاً الخصومات للأشخاص الذين يجمعون العبوات البلاستيكية".

بيركر كينك، سلسلة مطاعم أمريكية للأطعمة السريعة نشرت في مقالة على صفحتها بموقع (لينكد ان) بتاريخ 5 حزيران 2024، "لدعم المبادرات المحلية بشكل أكبر، فتحنا اشتراكاً مع شركة (سولي-سايكل)...، سعداء بتقديم كوبونات الخصم للأشخاص الذين يستخدمون الجهاز لتدوير المواد البلاستيكية".

ويقول رنج علي، "الجهاز يحمل اسم شركتي، كلما حصل المزيد على الخصومات زادت مبيعاتي".

الجانب الآخر الذي تفخر به بروشه في مشروع (سولي-سايكل) هو العمل على انتاج الجيل الثاني من الجهاز، " الجهاز الجديد يضاهي الأجهزة العالمية. الجهاز بإمكانه التعرف على نوع البلاستيك باستخدام الذكاء الاصطناعي، وبإمكان المستخدم إدخال عبوتين بلاستيكيتين في ثانية واحدة. الأجهزة العالمية تستلم 32 عبوة خلال دقيقة واحدة، أما جهازنا فيستلم أكثر من 60 عبوة في نفس المدة".

وتقول سازان قادر، "يجب تسريع عمل الجهاز، الآن نضطر لإدخال عبوة واحدة فقط كل مرة، يجب تطويره بحيث نستطيع إدخال 10 عبوات أو 20 عبوة مرة واحدة".

بالرغم من فوائد المشروع البيئية، تقول بروشه إن "10 بالمائة من إيراداتنا تذهب لمستشفى هيوا لأمراض السرطان، لأننا نعتبر أنفسنا مذنبين لاستخدامنا البلاستيك".

 

العراقيل كثيرة لكن الإرادة اكبر

إدارة المشاريع والتسهيلات من الصعب أن يتوافقا معاً، إنشاء مشروع مماثل لمشروع بروشه ليس أمراً هيناً، "المشكلة الرئيسية تمثلت بالجانب المادي. لم يكن بمقدورنا أن نتطور وننمو بسرعة، لكن إقبال اناس ساعدنا على تجاوز العوائق".

يقول رنج علي إن المشاكل (لأصحاب الأعمال) كثيرة جداً، البرامج التي تقدم لك الدعم المالي تقتل الكثير من وقتك، أحياناً يستغرق الأمر سنة كاملة، تتعب كثيراً لكي تحصل على دعم مالي، يجب أن تضيف للمشروع من جيبك الخاص، الكثيرون يتخلون عن مشاريعهم لهذا السبب".

بحسب بروش، هناك مشاكل أخرى تتعلق بالحصول على الترخيص والضرائب، "نحن بصدد معالجة هذه المشاكل، نتعامل مع غرفة التجارة. الموضوع جديد ويحتاج الى قرار جديد لأن الجهاز هو الأول من نوعه في العراق".

يوافق رنج علي رأي بروشه، "المعاملات صعبة، إطلاق مشروع يجب أن يكون مختلفاً عن فتح مطعم، يجب توفير مزيداً من التسهيلات لتسجيل المشاريع الناشئة".

قريباً جداً سيكون بمقدور الجميع (في اقليم كوردستان) أن يكونوا جزءاً من تحدي حماية البيئة

غرفة تجارة وصناعة السليمانية على اطلاع بالمشروع. الدكتور سلام عبدالله، مدير عام الغرفة قال بأنه على علم بتفاصيل المشروع، مشيراً الى أن المشكلة هي عدم وجود أي جهة تتعامل مع مثل هذه المواضيع، "لذا تحدثت مع رئيس الغرفة وقال سنعمل كل ما بوسعنا. اقترح شخصياً على محافظ السليمانية تشكيل لجنة من غرفة التجارة، إدارة المحافظة، البلدية وجهات أخرى لتسهيل أمور الجهات التي تقدم ابتكارات حديثة".

وقال سلام عبدالله، إن "هؤلاء الشباب بحاجة لتقليل الروتين لكي يطوروا أنفسهم، اقترحنا تنظيم اجتماع مع الشباب الذين يعانون من مشاكل مماثلة للتعامل معها وإيجاد حل لها".

رغم ذلك، يقول رنج، "إحدى المشاكل الأخرى تتمثل بعدم وجود حقوق الملكية الفكرية، شخصياً أخذوا أفكار مشاريع مني واستخدموها لأنفسهم، لا يوجد قانون يحفظ حقوق أفكار المشاريع الناشئة".

المواد 16، 17 و18 من قانون براءة الاختراع والنماذج الصناعية العراقي رقم 65 لسنة 1970 المعدل أوضح خطوات تسجيل حقوق الاختراع. بالاستناد الى القانون، ترسل وزارة الصناعة لجنة للمصادقة على الاختراع قبل تسجيله.

فيما يخص استمرار المشروع قالت بروشه، "إذا تحدثنا عن الموارد البشرية فهناك أناس أكفاء جداً بإمكانهم مساعدتنا، سولي سايكل ليس مشروعاً صغيراً ويحتاج لدعم الحكومة لكي ينتشر".

"نخطط أيضاً لعقد مؤتمر لمناقشة مشاكل الشباب"، بحسب الدكتور سلام عبدالله.

بروشه تخطّ عصراً جديداً للشباب في مجال الأعمال، هي الآن تعاود الدراسة الجامعية في قسم علوم الكومبيوتر بجامعة السليمانية لكي تتطور أكثر وتقول بأنها واثقة من أن مشروع (سولي-سايكل) لن يتوقف "قريباً جداً سيكون بمقدور الجميع (في اقليم كوردستان) أن يكونوا جزءاً من تحدي حماية البيئة".

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT