"أصبحي مسلمة تحصلين على بطاقة وطنية"!.. ايفلين المسيحية حائرة بين ديانتها والمستمسك

ايفلين جوزيف ننو (33 سنة)   تصوير: عمار عزيز

عمار عزيز

ايفلين جوزيف ننو (33 سنة) واجهت مشكلة  قانونية، فكان عليها الاختيار بين ديانتها المسيحية أو الحصول على البطاقة الوطنية العراقية، وذلك استناداً الى مادة قانونية يعتبرها المسيحيون وبعض الأصوات الأخرى "مجحفة".

"أريد أن أحصل على بطاقة وطنية كأي عراقي آخر، هذا حقي، كما يجب أن تكون لي الحرية في اختيار ديانتي"، تقول ايفلين لـ(كركوك ناو) بعد أن أخبروها في دائرة البطاقة الوطنية بناحية سرسنك، "إذا لم تصبحي مسلمة لن نصدر لك البطاقة الوطنية".

ايفلين من مواليد 1991 من أبوين مسيحيين، تعيش في قرية اينشكي التابعة لناحية سرسنك ضمن قضاء العمادية (آميدي) بمحافظة دهوك، كانت في الـ15 من العمر حين انفصل والداها.

جيني يوئيل، والدة ايفلين تزوجت بعد انفصالها من رجل مسلم وأعلنت رسمياً اعتناقها الاسلام كما غيرت اسمها في محكمة دهوك الى إيمان.

بموجب قانون الأحوال المدنية العراقي الذي تم إلغاؤه، تُسجل ديانة القاصرين (دون 18 سنة) حسب ديانة الأم أو الأب، ففي حال أشهر أحدهما اسلامه فسيعتبر الولد القاصر مسلماً، وهناك فقرة تحمل نفس التعبير في قانون البطاقة الوطنية الموحدة.

بعد اعتناق والدتها الاسلام، تم تسجيل ديانة اشقاء وشقيقات ايفلين في بطاقة الأحوال المدنية وشهادة الجنسية العراقية كمسلمين، لكن ايفلين ظلت على الديانة المسيحية وحين جددت تلك الوثائق لم يتم تغيير الحقل الخاص بالديانة في حين كانت تبلغ من العمر 15 سنة وقت اعتناق والدتها الاسلام.

Cristian. Dhok-1

ايفلين جوزيف ننو (33 سنة) مع زوجها سامي بطرس في منزلهم بقرية اينشكي التابعة لناحية سرسنك   تصوير: كركوك ناو 

في عام 2010، حين بلغت الـ19، تزوجت ايفلين بشاب مسيحي، ومرة أخرى سجلت ديانتها كمسيحية في مستمسكاتها الرسمية وهو ما أرادته.

وفقاً للقوانين المعمول بها، من ضمنها قانون البطاقة الوطنية الموحدة لسنة 2016، والتي حلت محل قانون الأحوال المدنية، يتبع الأولاد القاصرون في الدين من اعتنق الدين الاسلامي من الأبوين.

لذا عند إصدار الوثائق الرسمية، من ضمنها البطاقة الوطنية، يتم التعامل مع التاريخ الذي اعتنقت فيه والدة ايفلين الدين الاسلامي وعمر ايفلين في ذلك التاريخ.

"أنا مسيحية، ولدت لعائلة مسيحية، زوجي مسيحي، عُقِد قراني في الكنيسة وجميع طقوس ومراسيم زواجي وعقد الزواج كان وفقاً للديانة المسيحية، وكذلك شهادة الجنسية العراقية وبطاقة الأحوال المدنية، الآن يقولون بأنني يجب أن أصبح مسلمة، أريد أن تكون لي الحرية في اختيار ديانتي"، حسبما قالت ايفلين جوزيف.

راجعنا دوائر بغداد خمس مرات وراجعنا دوائر أربيل ودهوك عشرات المرات، لم ندع باباً لم نطرقه

ايفلين أشارت الى أنها اصيبت بصدمة كبيرة حين أخبروها بأنهم لن يصدروا لها البطاقة الوطنية، "والدتك اعتنقت الاسلام... يجب أن يكون لدينا قرار من المحكمة لحسم هذه القضية"، هذا ما أخبروا به ايفلين في دائرة البطاقة الوطنية قبل عام.

منذ أخذ القضية الى المحاكم، تراجع ايفلين مع زوجها باستمرار المحاكم في اقليم كورستان وبغداد، وذلك من اجل الحصول على البطاقة الوطنية وتعريف ايفلين كمسيحية.

سامي بطرس، زوج ايفلين، يقول بأنه منذ زواجهما في عام 2010، جددا شهادة الجنسية العراقية وبطاقة الأحوال المدنية ثلاث مرات وتم تسجيلهما كمسيحيين دون ان يواجها أي مشاكل، لكنهم أخبروهما بأن قانون البطاقة الوطنية الموحدة لا يسمح بذلك.

بموجب القانون، تحل البطاقة الوطنية محل شهادة الجنسية العراقية وبطاقة الأحوال المدنية.

هذه العائلة المسيحية التي تسعى للحصول على البطاقة الوطنية، وأطلعت (كركوك ناو) على عشرات الكتب الرسمية والمخاطبات بين الدوائر المعنية في حكومة الاقليم والحكومة الاتحادية، وفي الأخير أحيلت القضية للمحكمة لحسمها.

يقول سامي بطرس، "راجعنا دوائر بغداد خمس مرات وراجعنا دوائر أربيل ودهوك عشرات المرات، لم ندع باباً لم نطرقه، وكّلنا محامياً وصرفنا ما يقرب من 13 مليون دينار لكن لا حل يلوح في الأفق".

"نحن نعيش في 2024، إكراهنا على اعتناق الاسلام ظلم كبير لا يقبله احد"، بحسب سامي بطرس.

Amedi

قرية اينشكي التابعة لناحية سرسنك، حيث تعيش ايفلين     تصوير: عمار عزيز  

المحامي أكرم ميخائيل الذي يتولى القضية قال، "عند تجديد شهادة الجنسية وبطاقة الأحوال المدنية العائدة لـ(ايفلين) تم تسجيلها مسيحية، لكن اشقائها وشقيقاتها الذين يقيمون خارج العراق سُجلوا كمسلمين، هم يعيشون خارج العراق ولا يعترفون بتغيير ديانتهم وبعيدون عن هنا، لكن ايفلين تعيش هنا وتحتاج لإصدار البطاقة الوطنية لها ولأطفالها، تريد أن تبقى مسيحية، لأي سبب من الأسباب لم يغيروا في حينها ديانتها للإسلام والآن تجاوزت سن الـ18 ولا يحق لهم تغيير ديانتها"، على هذا الأساس يتولى المحامي أكرم ميخائيل الدفاع في القضية.

المشكلة الأخرى التي تواجه هذه العائلة، هي استحالة إصدار البطاقة الوطنية لأطفالهم قبل حسم قضية والدتهم ايفلين.

وقال أكرم ميخائيل، "بموجب القوانين المعمول بها، يطلبون تغيير ديانة ايفلين واطفالها للإسلام، كما ستضع المحكمة زوجها أمام خيارين، إما أن يعتنق الاسلام أو يطلّق ايفلين، ولن يصدروا البطاقة الوطنية لهذه العائلة قبل حسم هذه الأمور".

لكن ميخائيل أوضح بأن "ايفلين قبل وبعد سن الـ18 سجلت كمسيحية في جميع وثائقها الرسمية، الآن لا يمكنهم تغيير ديانتها... لذا سجلنا دعوى ضد دائرة البطاقة الوطنية ونطالب بعدم تغيير حقل الديانة ومنحها البطاقة الوطنية".

الحياة هنا باتت صعبة بالنسبة لنا، سنهاجر بصورة نهائية، لكي نستطيع عيش حياة كريمة دون مشاكل

بعض القوانين في العراق، بينها قانون البطاقة الوطنية لسنة 2016 وقانون الأحوال الشخصية أثارت جدلاً واسعاً بين الديانات المختلفة. في مؤتمر خاص بالقضية عقد الشهر الماضي قال رئيس حكومة اقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني، يجب أن لا يجبر المواطنون على تغيير ديانتهم"، وطالب بإيجاد حل لهذه المشكلة في القوانين.

أكرم ميخائيل، الذي شارك في المؤتمر قال "طالبنا بتعديل هذه القوانين، لأنها تخلق مشاكل تتعلق بالديانات الأخرى"، واضاف "لا يجوز أن تجبر القوانين الناس على تغيير الديانة للإسلام، حتى أن الدين الاسلامي نفسه ينبذ الإكراه في الدين".

يعمل ميخائيل على 15 قضية مماثلة لقضية ايفلين، معظمها لعوائل في دهوك، الموصل وكركوك، وهي مدن يعيش فيها أبناء المكون المسيحي وتربطهم زيجات مع المسلمين.

ايفلين وزوجها سامي ضاقا ذرعاً بهذه المشكلة وهما الآن يعتزمان الهجرة الى استراليا حيث يقيم فيها اشقاء وشقيقات سامي بطرس لكن عليهما الانتظار لحين حسم القضية، لأنهما سيحتاجان للبطاقة الوطنية من اجل إكمال معاملات السفر.

"الحياة هنا باتت صعبة بالنسبة لنا، سنهاجر بصورة نهائية، لكي نستطيع عيش حياة كريمة دون مشاكل، نحن الآن بانتظار حسم القضية"، بحسب بطرس.

متفائلون بأن يعاد لـ ايفيلين حقها وتحصل على البطاقة الوطنية كمسيحية

خالد جمال، مدير عام شؤون المسيحيين في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في حكومة اقليم كوردستان قال لـ(كركوك ناو)، "بذلنا جهود حثيثة لتعديل القوانين التي تسببت بمثل هذه المشاكل، لكن جهودنا لم تثمر، أنا متشائم بشأن امكانية تعديل هذه القوانين في العراق".

تنص المادة 26 من قانون البطاقة الوطنية على أنه "يحق لغير المسلم تبديل دينه وفقاً للقانون".

الخبير القانوني ناصر حسن يقول "هذا يعني بأن المسلم لا يحق له تبديل دينه".

واضاف، "هذه السيدة المسيحية (ايفلين جوزيف) تتعرض للظلم، صحيح أن عمرها كان 15 سنة حين اعتنقت والدتها الاسلام، لكنها لم تكن على دراية بقضية والدتها، حتى أن والدها ظل على ديانته المسيحية".

وفقاً للمعلومات التي حصل عليها موقع (كركوك ناو)، والدة ايفلين، بعد انفصالها واعتناقها الاسلام، انقطعت علاقتها بأطفالها، حتى انهم لا يعرفون محل إقامتها.

مدير عام شؤون المسيحيين في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية قال بأن "الحل الأمثل هو تعديل القوانين، لكن هناك عقلية في العراق تجعل من الصعب جداً امتلاك قانون يتيح لنا كالمسيحيين الدفاع عن حقوقنا".

حسب الاعلان العالمي لحقوق الانسان، "لكلِّ شخص حقٌّ في حرِّية الفكر والوجدان والدِّين، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في تغيير دينه أو معتقده".

حمدي برواري، مسؤول منظمة حقوق الانسان –منظمة غير حكومية في مدينة دهوك- قال لـ(كركوك ناو9، "نعم هناك مشاكل في القوانين، من حق ايفلين ان تبقى على الديانة المسيحية لانها لا تريد اعتناق الاسلام... في حال لم تحسم المحكمة قضيتها أو أنها اصدرت قراراً يخالف رغبة ايفلين، يجب أن لا تستسلم وتطلب تمييز القرار".

المادة (2) من الدستور العراقي تنص على أن الإسلام دين الدولــة الرسمي، وهـو مصدر أســاس للتشريع، وتشدد المادة على عدم جواز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام، كما لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور. وتنص المادة 3 من الدستور على أن العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب.

قضية ايفلين تنتظر الآن قراراً نهائياً من محكمة دهوك.

يقول أكرم ميخائيل، "في الجلسة الاخيرة للمحكمة، بناءً على طلب القاضي، حضر عدد من رجال الدين المسحيين لأخذ آرائهم، رجال الدين قالوا بأن ايفلين جوزيف مسيحية، وبأنها تلقي دروس الديانة المسيحية للأطفال المسيحيين في كنيسة قريتها".

"متفائلون بأن يعاد لـ(ايفيلين) حقها وتحصل على البطاقة الوطنية كمسيحية".

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT