سفرة الطعام البلاستيكية... بديل مريح للعائلة وعبء ثقيل على كاهل البيئة

السليمانية/ آب 2024/ سيدات داخل محل لبيع الأغراض البلاستيكية تصوير: بوار قادر

بوار قادر*

عوائل تبسط أمتاراً من سفرة الطعام البلاستيكية وتجمعها بعد الانتهاء من تناول الطعام، مشهد لم تألفه شيلان علي (53 سنة) في العراق قبل مغادرته والهجرة الى أوروبا.

حين هاجرت شيلان من السليمانية قبل 37 سنة، تحديداً في 1997،لتستقر في هولندا اعتادت العائلة أن تنظف سفرة الطعام بعد الانتهاء من الأكل وتعيد استخدامها للوجبة التالية.

المشهد تغير الآن، البيوت أصبحت مليئة بعشرات الأغراض المصنوعة من النايلون والبلاستيك والتي ترمى في النفايات مباشرة بعد استخدامها لمرة واحدة، لتصبح أحد ملوثات البيئة.

الأكواب، الملاعق، السكاكين والأواني البلاستيكية ترمى بعد استخدامها لمرة واحدة ما يؤدي الى زيادة نسبة النفايات التي تهدد البيئة.

وفقاً لآخر احصائية نشرها الجهاز المركزي للإحصاء في العراق، كان انتاج النفايات للفرد الواحد في العراق لعام 2022 أكثر من 2.5 كيلوغرام يومياً، بذلك وصل إجمالي انتاج النفايات الى 11.9 مليون طن خلال سنة، لكن لا توجد أرقام تخص نسبة النايلون والبلاستيك ضمن هذا الكم من النفايات.

تقول شيلان، المقيمة في مدينة أمستردام الهولندية بأنها في إحدى زياراتها للعراق اشترت سفرة طعام بلاستيكية وأخذتها معها الى هولندا وبدأت باستخدامها كباقي العوائل العراقية دون أن تفكر في الأضرار التي تلحقها بالبيئة. تقول شيلان، "سفر الطعام البلاستيكية موجودة أيضاً   في هولندا، لكن يصعب الحصول عليها وأسعارها باهظة".

سهولة الحصول عليها ورخص أسعارها، فضلاً عن كونها بديلاً مريحاً للسيدات، من العوامل التي تشجع العائلة العراقية على اللجوء الى استخدام سفرة الطعام والأكواب والأواني البلاستيكية أو ما يطلق عليها "السفرية"، وأصبح انتاج هذه الأغراض تجارة مربحة للبعض.

يدير الشاب رَوَز أوميد محلاً لبيع الأغراض المنزلية البلاستيكية في حي شعبي بمدينة السليمانية، يقول رَوَز ، "سفرة الطعام البلاستيكية الأكثر مبيعاً في هذا المحل، هناك طلب مستمر عليها، في بعض الأيام ابيع 20 سفرة، ربما اصادف شخصاً واحداً في العا يطلب شراء سفرة يمكن تنظيفها وإعادة استخدامها".

Plastic.dukan

السليمانية/ آب 2024/ محل لبيع الأغراض المصنوعة من النايلون والبلاستيك  تصوير: بوار قادر

ويضيف، "الناس لا تطيق تنظيف سفرة الطعام لذا تلجأ لشراء سفرة الطعام ذات الاستخدام الوحيد، حيث يسهل طيها ومن ثم رميها في النفايات بعد الانتهاء من استخدامها".

الى جانب قلة تكلفة انتاجها واستيرادها من الخارج، توجد العديد من المصانع المحلية لإنتاج سفر الطعام والأغراض الأخرى المصنوعة من النايلون، ما جعلها متوفرة للجميع بأسعار زهيدة.

سعر سفرة طعام بلاستيكية زنة 400 غرام في ألمانيا 3 يورو و49 سنت، أي ما يعادل ستة آلاف دينار عراقي، في حين سعر سفرة طعام زنة 1500 غرام ذات جودة منخفضة في العراق 1500 دينار وذات الجودة العالية 2500 دينار.

سعر 50 كوب نايلون في العراق ألف دينار، في حين يباع نفس العدد في ألمانيا بـ2 يورو و99 سنت، أي ما يساوي 5 آلاف دينار، بحسب متابعات (كركوك ناو)، كما أن سعر 10 سكاكين بلاستيكية في العراق ألف دينار، لكن سعرها في ألمانيا 2 يورو و29 سنت، أي اكثر من أربعة آلاف و500 دينار.

سارا سلام، سيدة تقيم في مدينة حلبجة، اعتادت حتى ما قبل ثلاث سنوات على استخدام سفرة الطعام والأكواب البلاستيكية، "كان لدي ثلاثة أطفال وكنت أعمل كمدرسة، استعمال الأغراض المصنوعة من النايلون والبلاستيك غير مكلف ومريح"، واضافت سارا، "بعدها علمت بحجم الضرر الي تلحقها هذه الأشياء بالبيئة كونها لا تتحلل في التربة، فتوقفت عن استخدامها بشك نهائي... اليوم استخدم سفرة الطعام التي يمكن إعادة استخدامها بعد تنظيفها".

بعدها علمت بحجم الضرر الي تلحقها هذه الأشياء بالبيئة كونها لا تتحلل في التربة، فتوقفت عن استخدامها بشك نهائي

لكن صحوة سارا لم تصل لمستوى وعي مجتمعي، فجزء كبير من النفايات البلاستيكية في العراق يتم حرقها، وهناك علاقة مباشرة بين تلوث الهواء والتلوث بالبلاستيك. وفقاً لـ(آكيو ئير)، شركة سويسرية تعمل في مجال تكنلوجيا جودة الهواء، يعد هواء العراق من "الأكثر تلوثاً" بين دول العالم.  

يتم سنوياً انتاج أكثر من 380 مليون طن من لبلاستيك في العالم، بحسب تقرير لموقع بلاستيك أوشنز، الموقع مهمته الرئيسية وضع حد لتلوث المحيطات بالنفايات البلاستيكية عن طريق تحذير المجتمع، ويشدد التقرير على أن 50 بالمائة من البلاستيك الذي يتم انتاجه يصلح للاستخدام لمرة واحدة فقط.

منظمة طبيعة كوردستان التي تعمل في مجال البيئة، طرحت في نيسان 2021 على برلمان اقليم كوردستان مشروع قانون لوضع قيود على استخدام النايلون والبلاستيك، لكن المشروع لم يدرج ضمن جدول أعمال البرلمان قبل أن يتم وقف تمديد عمل برلمان الاقليم بقرار من المحكمة الاتحادية العراقية.

بموجب مشروع القانون، "السبل القانونية تضمن تقييد استخدام البلاستيك"، واقترح القانون فرض ضرائب بنسبة 100 بالمائة للبلاستيك المستورد، و75 بالمائة على الانتاج المحلي من البلاستيك.

"ننتظر الانتخابات ومباشر البرلمان الجديد لمهامه، سنقدم مشروع القانون للبرلمان بنفس الحماس والاصرار"، حسبما قال رئيس منظمة طبيعة كوردستان، سرور قرداغي.

أما المتحدث باسم دائرة البيئة في السليمانية، مصطفى جمعة، فقال "لا نستطيع في الوقت الحاضر حظر استخدام المواد البلاستيكية لأننا لا نمتلك بدائل"، ويأتي ذلك في حين حظرت الدائرة نفسها في 2020 استخدام المواد البلاستيكية داخل الدائرة.

لكن بحسب موقع OECD iLibrary، وهو موقع أمريكي معني بالبحوث وتحذير صناع القرار، الباحثين والمحللين، ينتج الانسان سنوياً أكثر من 350 مليون طن من النفايات البلاستيكية ويتوقع أن تصل الى مليار طن بحلول 2060 اذا استمر على هذا النسق.

محمد فاروق، مسؤول السيطرة النوعية في شركة رزكة –شركة مختصة بالسيطرة النوعية للمواد التي تستورد من ايران الى العراق عن طريق منفذ باشماخ الحدودي بقضاء بنجوين-، قال "نقوم بفحص جميع المواد البلاستيكية التي تدخل العراق عن طريق منفذ باشماخ، بالأخص للمعادن الثقيلة كالرصاص، لأنها في حال احتو على هذه المعادن لن تكون صالحة لتعبئة الأطعمة.. يتم استيراد البلاستيك بشكل مستمر وهناك طلب كبير عليه، لكن بسبب وجود عدد من المصانع المحلية تراجع الاستيراد".

سارا التي تبلغ من العمر 45 سنة، مدت يدها لطبق بلاستيكي اشترته لمنزلها قبل ثلاث سنوات وقالت، "كنت أود استخدامه، يمكن إعادة استخدامه عدة مرات، لكن حين علمت بأضرار البلاستيك للبيئة لم أجرؤ على استخدامه"، لكن السؤال هو هل الجميع ينتابهم نفس خوف سارا؟

هذه المادة انتجت في إطار برنامج توسيع دور المرأة في تغطية القضايا البيئية. البرنامج ينفذ من قبل مؤسسة (كركوك ناو) بدعم وتمويل من وزارة خارجية جمهورية ألمانيا الاتحادية.

 

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT