قضائيا.. امانة مجلس الوزراء تسعى لمنع "حرية المرأة في العراق" !

بغداد، 8 اذار 2020، مشاركة "نساء الانتفاضة" في حفل عيد المراة بساحة التحرير، تصوير احمد المصالحة

علي الساعدي - بغداد

لم تتوقع ليلى ان منظمة حرية المرأة التي اوتها عندما تعرضت للتعنيف واسكنتها في احدى البيوت التابعة لها، تتعرض الان للغلق نتيجة دعوى قضائية رفعتها الأمانة العامة لمجلس الوزراء.

ليلى (28 عاماً) تحقق حلمها بان تكون صحفية اذاعية، بعدما كانت ترضخ لبيئة قبلية تسودها الاعراف العشائرية والتقاليد الذكورية، تلك البيئة التي فرضت عليها الزواج المبكر لابن عمها، وهو الامر الذي ما ان حاولت رفضه حتى انهالت عليها الضربات "من كل حدب وصوب" على حد وصفها.

ليلى وهو اسم مستعار لها، تقول انها وبعد "حفلة التعنيف تلك" قررت التحرر من بيئتها هذه، و"الهروب الى المجهول، مهما كانت النتائج، لان الاهم ان اجد نفسي بعيدا عن الضرب والاجبار بالزواج ممن لا اطيقه وانا لا زلت في سن مبكر".

تلك الرحلة المجهولة، ترى ليلى الان انها كانت محفوفة بالمخاطر والمعوقات حتى وصلت الى "الضوء في نهاية النفق"، عندما احتضنتها منظمة حرية المرأة في العراق، واسكنتها في احدى البيوت الامنة التابعة لها، ووفرت لها "بيئة صحية، تؤمن بحق المراة في الحياة واختيار سبيل ما اراه مناسباً لي".

"فهذه انا الان، اكملت تعليمي ومارست الرياضة خلال هذه الفترة ايضا وشاركت في دورات تطويرية واصبحت الان اذاعية في احدى الاذاعات المحلية، وكل هذا كان بدعم المنظمة التي تكفلت بكل تفاصيله المالية والمعنوية" كما تقول ليلى.

منظمة حرية المرأة مسجلة قانونيا في الدوائر الحكومية مرفوع عليها حاليا دعوى قضائية من الأمانة العامة لمجلس الوزراء بحجة "مخالفة القانون بايواء النساء الهاربات من منازلهن بقضايا مختلفة منها الشرف".

29216547_10155379491706417_312095250262786048_o
بغداد، 2020، تجمع من النسوة امام بوابة منظمة حرية المراة

منظمة حرية المرأة في العراق، كرست جهدها ومنذ ولادة هذه المنظمة قبل ١٧ عاما وحتى يومنا هذا، لنشر ثقافة حرية المرأة في كل مكان وتبذل الجهود الكبيرة من اجل طي صفحات من "ظلم واستبداد ذكوري حال دون ان تشعر المرأة العراقية بأنسانيتها وان يكون لها دورها في بناء الحياة" كما تقول الناشطة والكاتبة سلافة عبد الحسين.

وتنطلق المنظمة في عملها من فكرة ان المرأة انسان فلا تمييز ولا فوارق بين الجنسين، ومن بين نشاطاتها بدأت بانشاء اول "ملاذ آمن" للنساء في العراق في عام 2003، لحمايتهن من "قتل الشرف" والاتجار بالجنس، ثم توسعت شبكة الملاجئ الخاصة بها لتشمل 11 منزل آمن في 5 محافظات في جميع انحاء العراق.

وانقذت ملاجئها عشرات النساء المعنفات، وحصلت على جائزة "غروبر" لحقوق المراة في عام 2008 وجائزة (Rafto) النرويج في عام 2016.

هذا الامر لم يرق للجهات الحكومية، كما تقول احدى القائمين على المنظمة، مما ادى الى ان ترفع امانة مجلس الوزراء دعوى قضائية ضد رئيسة منظمة حرية المرأة في العراق متهمةً إياها وزميلاتها بايواء النساء الهاربات من تعنيف عشائرهن لاغراض الشرف الذكوري؛ وتشجيع المرأة بان تعيش بعيداً عن عائلتها، رغم ان المنظمة تقول بان تلك العائلات ترغم بناتها على زواج قسري او تعرضهن لعنف جسدي ونفسي.

اتهامات بمخالفة القانون

الدعوى التي رفعها الامين العام لمجلس الوزراء حميد الغزي (مازال في منصبه على الرغم من استقالته في 29 تشرين الثاني 2019)، طالبت القضاء باصدار حكم بحل منظمة حرية المرأة ومنع عملها في العراق، بناءً على لائحة الاتهام التي جاء فيها (بحسب الوثائق المرفقة): "قيام منظمة حرية المرأة في العراق بمخالفة القانون بايواء النساء الهاربات من منازلهن بقضايا مختلفة منها الشرف (....) ونشاط اخر يتمثل بالمطالبة بحقوق المثليين جنسيا وجعل قضيتهم امرا شائعا في المجتمع... وايضا قيامها باستغلال الفتيات من خلال تسهيل مهمة تسفيرهن خارج البلاد..).

c5b86251-003e-4ce6-80f7-7f09e4b8cd6b

بيان للمنظمة يرد على هذه الاتهامات ويذكر: "هذه التهم التي سطّروها ضدنا هي في الحقيقة اهداف منظمتنا، اذ نسعى لبناء عراق آمن للمرأة، تتمتع فيه بمساواتها مع اخيها الرجل وتتآزر معه في كل قضايا المجتمع".

وهنا تشير المنظمة الى ان محاولة اغلاق وحلّ منظمة حرية المرأة لسبب اخر هو مشاركتها في الحركة الاحتجاجية والتظاهرات الشعبية التي انطلقت في الأول من تشرين الأول 2019.

"تزامن مع نشاطنا في الانتفاضة، وكلامنا في دعم ارادة الجماهير المنتفضة، وحقها بان يكون لديها وطن الحريات والمساواة والارادة الحرة. ولعل نشرتنا وبعنوان (نساء الانتفاضة) خير دليل على هذا الصراع القديم بيننا وبين سلطة الميليشيات والذي يرجع تأريخه الى سنوات عديدة" حسب وصف بيان المنظمة.

ولفت الى انه "يبدو ان حكومة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي تسعى لان تضرب ضربتها الأخيرة للحركة النسوية قبل تركها لمواقعها في الحكم، اذ ان مجلس الوزراء الحالي في حكم المستقيل ومنتهي الصلاحية".

 إيصال المعلومات إلى جهات عليا

محكمة بداءة الكرادة التي رفعت اليها الدعوى، حددت الثاني والعشرين من شهر شباط الماضي موعدا للمرافعة، الا ان الدفاع عمل على تأجيلها، وهو ما تم فعلا، ويتوقع التمديد بالتأجيل، نظرا لما تمر به البلاد من ازمة صحية، متمثلة بمخاوف تفشي وباء كورونا.

رئيسة المنظمة ينار محمد تقول لـ(كركوك ناو) ان منظمتها نصبت خيمتين في ساحة التحرير، اي في القلب النابض للحركة الاحتجاجية، وعملت "النساء التحرّريات" في هذه الخيم على إقامة الندوات والدروس النسوية للنساء، تناقش دور المرأة في ساحات الاحتجاج، وتوقعاتها من حركة تغيير المجتمع، وكيفية تحقيق المساواة التامة للمرأة مع الرجل، وكذلك أهمية إنهاء الاستغلال الاجتماعي وفرض الدونية والتبعية على النساء سواء أكانت بأرضية دينية، عشائرية، ام تقليدية متعارف عليها او قانونية تفرضها القوانين الذكورية للحكومات المتعاقبة.

ولأجل ذلك كله تبين ينار محمد ان "هذه النشاطات وغيرها جعلت عناصر الأمن والاستخبارات والميليشيات المختصة بساحة التحرير التي تقف بالضد من تحرر النساء يتابعون ويرصدون تحركات المنظمة وناشطاتها ويعملون على إعاقتها وإيصال المعلومات حولها إلى اعلى الجهات السياسية في الدولة، وبالذات الى مجلس الوزراء".

230162_19367261416_2460_n
ينار محمد مدير منظمة حرية المراة، مصدر الصورة صفحتها على الفيس بوك

 المنظمة مستمرة بعملها والأمانة لا تعليق!

وتتحدث محمد عن هذا منتقدة بقولها: "وفي الوقت الذي يفترض الجميع من اعلى مجلس في الدولة ان ينشغل بحل مشاكل مجتمع متأزم ومنتفض، يتضح بان مجلس الوزراء تحت أمرة رئيس الوزراء المستقيل يركّز اهتمامه وعمله اليومي على قمع منظمة حرية المرأة في العراق كما ركّز اهتمامه على قمع المنتفضين وقتلهم".

وتختم حديثها مؤكدة: "اننا سوف نستمر بانقاذ المرأة وحياتها مهما تكون الظروف المفروضة علينا بسبب ايماننا بالحق المطلق للمرأة بالحياة ومن دون قيد او شرط، حتى لو اضطررنا الى العمل السري".

اننا سوف نستمر بانقاذ المرأة وحياتها مهما تكون الظروف المفروضة حتى لو اضطررنا الى العمل السري

حاول كاتب التقرير الوصول الى الامين العام لمجلس الوزراء حميد الغزي من اجل معرفة اسباب الاقدام على هذه الخطوة ورده على الاتهامات بان "السبب الحقيقي وراء هذه الدعوى هو نشاط المنظمة الداعم للتظاهرات"، كما تقول رئيسة المؤسسة.

إلا ان الوصول تعذر، لان الغزي "منشغل بامور تنسيق عمل خلية الازمة الخاصة باحتواء فايروس كورونا"، بحسب تعليق مكتبه الخاص، الذي جدد التأكيد على ان "حيثيات الدعوى واسباب رفعها واضحة في عريضة الدعوى المقدمة الى القضاء" (والمرفقة في التقرير).

b7f50a5a-c89b-4891-8e22-dd11d42b07c5

تغيير في سياسة الامانة

الامانة العامة لمجلس الوزراء، والتي تعد دائرة المنظمات غير الحكومية جزءاً منها، تحدث مصدر فيها عن تغيير واضح في موقف الامانة العامة من منظمات المجتمع المدني.

المصدر، الذي اشترط عدم ذكر اسمه، اوضح ان "هذا التغيير بدأ مع اسناد منصب الامين العام لمجلس الوزراء الى القيادي في التيار الصدري حميد الغزي، إذ ان الاخير تعود افكاره الى التمسك بالعشائرية القبلية، وايضا الى الاصولية الدينية، وهو ما يتعارض مع ما تنادي بيه المنظمات غير الحكومية من حقوق ومساواة للمرأة وايضا للاقليات"، مشيرا الى ان "ذلك ما ستجدونه واضحا في اسباب رفع الدعوى المثبتة في عرضة الدعوى المقدمة الى المحكمة".

"الامل كبير"

الناشطة والكاتبة سلافة عبد الحسين هي الاخرى، لفتت الى انه "كان الأمل كبيرا في ان يدرك الساسة اهمية الافكار التي تؤمن بها المنظمة والتي كانت حَرية بأن تجد طريقها الى التنفيذ من غير عراقيل او عقبات، الا انهم وللأسف لم يكونوا بالمستوى الذي يؤهلهم الى ادراك ما ينبغي ان يهتموا به من بناء في مجتمع انساني متكامل".

وهنا تطالب عبد الحسين، القضاء العراقي بأن "يرقى على مثل هذه المواقف وينظر الى حرية المرأة من حيث انها مطلب انساني يجب ان يتحقق ولو كره الكارهون".

ليلى تأمل ان تحسم الدعوى القضائية لصالح منظمة حرية المرأة لتكون ملجئاً للنساء المعنفات وعونا لهن وان تتغير العقلية الساسة ويدركوا أهمية المساواة وحماية المرأة على حد وصفها.

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT