من البیئة

الأطفال يغيرون قواعد اللعبة ويساهمون بحماية البيئة.. اعمال تُبهر الأهالي

  • 2024-12-14
الأطفال يغيرون قواعد اللعبة ويساهمون بحماية البيئة.. اعمال تُبهر الأهالي
السليمانية/ تشرين الثاني 2024/ طفلة مشاركة في دورة حول التوعية البيئية تنظر لنموذج من أعمال منظمة "مالي أو" في ناحية سروجاوه    تصوير: خاص بـ(كركوك ناو)
سمية صالح

البعض يصيبون عصفورين بحجر واحد، لكن مهدي يريد إصابة ثلاثة، يصنع منتجات جديدة من مخلفات الخشب، يعلم الأطفال حب البيئة ويزيد المساحات الخضراء.

مهدي (36 سنة)، يسكن في ناحية "سروجاوه" ضمن حدود إدارة رابرين التابعة لمحافظة السليمانية، حرفي وفنان، يصنع اللوحات والأعمال اليدوية من الأغراض المستعملة، يدير منظمة بيئية خاصة بتدريب وتعليم الأطفال الفن والبيئة.

تأتي مبادرة مهدي في وقت يعاني فيه المجتمع من ضعف الوعي البيئي الذي يعد من أسباب تلوث البيئة في بلد يعتبر هواؤه من بين "الأكثر تلوثاً" في العالم.

وفقاً لوزارة الصحة في حكومة إقليم كوردستان يعد تلوث الهواء والبيئة أحد اسباب الإصابة بأمراض السرطان.

 

مزج الفن بالبيئة

تعود قصة إنطلاق هذه الأفكار إلى ما قبل أربع سنوات، حيث يقول مهدي بأنه لم يكن يريد الجلوس دون عمل وإهدار الوقت، "في غرفة صغيرة بمنزلي بدأت بالعمل باستخدام مخلفات خشب حصلت عليها من ورش النجارة وبعض المواد الأولية".

فكر مهدي في تكثيف عمله في إطار الاهتمام بقضية البيئة، "رأيت أن هذه الأخشاب ترمى دون أن يستفيد منها أحد، فكرتي كانت الاستفادة منها عن طريق الأعمال الفنية".

استثمر مهدي الأخشاب بطريقتين: صنع من قسم منها ادوات منزلية ومكتبية، كالرفوف وأواني الزهور، والقسم الآخر أنتج منها أعمال فنية كاللوحات وبعض أدوات الزينة.

حصل مهدي هذا العام على دعم من منظمة تراثية وبيئية، بعد أن فكر بأن الأعمال الفنية واليدوية لا تحقق المطلوب لخدمة البيئة.

مالي أو (بيته) هو اسم المنظمة التي يقودها مهدي والحاصلة على إجازة من حكومة الإقليم. تتمثل استراتيجية المنظمة بالتنمية البشرية في مجال البيئة، الثقافة والفن، وذلك بعد مشاورات مع مجموعة من الشباب المختصين في المجالات الثلاثة المذكورة.

Saruchawa

السليمانية/ تشرين الثاني 2024/ إحدى غرف مقر منظمة "مالي أو" بناحية سروجاوة وقد تم تزيينها بأعمال يدوية صديقة للبيئة    تصوير: خاص بـ(كركوك ناو) 

"ننظم تدريبات حول البيئة والتراث، لدينا ندوات ودورات خاصة، إجمالاً، ندير هذه النشاطات بصورة تطوعية"، بحسب مهدي.

مقر مكتب المنظمة عبارة عن أحد أقدم منازل ناحية سروجاوه، في إشارة إلى الاهتمام بالتراث. "زيننا المنزل بتصميم يجذب الزوار، ويستقبل أحياناً وفوداً من المدارس تأتي لتقديم دروس الفن".

رهيل اسماعيل (26 سنة)، يرسل طفله البالغ من العمر 8 سنوات للدورات التي تنظمها المنظمة، يقول رهيل، "الأعمال الموجودة بيئية وتعلمنا أهمية إعادة تدوير أغراضنا المنزلية... الأستاذ مهدي يخدم البيئة في ناحيتنا عن طريق الفن".

حمه شوان برزنجي -استقال قبل أربعة أشهر من منصب مدير بيئة رابرين-، وصف مهدي بأنه شاب متمكن وموهوب، "في الفترة التي كنت فيها مديراً، كنت دائماً أشارك في فعالياته وأبدي استعدادي لمساعدته"، وأضاف أن "ما يقوم به مهدي يستحق الاهتمام، لأنه يقدم خدمة للبيئة وينشر الوعي بين المواطنين".

تتضمن نشاطات مهدي الاهتمام بالتشجير، حيث يشرف سنوياً على العديد من حملات التشجير، "زرعنا في إطار الحملات التي نفذناها حوالي 100 شجرة"، الأشجار التي زرعت ضمن حدود ناحية سروجاوه وصل ارتفاع بعضها الآن الى أكثر من مترين.

 

إعادة استخدام الأخشاب لا تروي الظمأ

 اقتُرح على المنظمة توسيع نطاق عملها وعدم الاكتفاء بإعادة استخدام مخلفات الأخشاب.

مدير بيئة رابرين السابق اقترح على مهدي حين تعليم الناس أساليب وطرق أخرى لحماية البيئة، "على سبيل المثال كيفية إعادة تدوير الإطارات والنفايات البلاستيكية".

يجلب فريق منظمة "مالى أو" البلاستيك، الزجاج والأقمشة المستعملة للدورات التي ينظمونها، وبحسب مهدي "المشاركون في الدورات يجمعونها ويعيدون استخدامها أثناء الدورات"، بهذه الطريقة يتعلم المشاركون شيئين، حملات التنظيف وإعادة الاستخدام.

ويقول مهدي، إن "أحد التحديات التي تواجهنا تتمثل بعدم انفتاح المجتمع على الفن، الأمر الذي يجعل نسبة المشاركة في دوراتنا دون مستوى طموحنا".

لكنه شدد على أن المنظمة لا تستطيع تغيير استراتيجيتها، "البيئة والفن مرتبطان ببعض، نعتقد بأن هذه الطريقة أكثر تأثيراً على الناس".

وأشار إلى أن "غياب الدعم المستمر لمشاريعنا قيّد امكانياتنا ضن منطقة جغرافية محددة، حيث أن إدامة وتوسيع أي مشروع يتطلب وجود دعم مستمر".

محمد عزيز (38 سنة)، من سكنة ناحية سروجاوه، قال إن "أعمال ونشاطات الأستاذ مهدي رائعة، لكن الأعمال اليدوية لا توفى حقها هنا ويبخسون قيمتها".

Mahdy Hassan

مهدي حسن، مدير منظمة "مالي أو" بناحية سروجاوه   تصوير: خاص بـ(كركوك ناو)

تشجيع الأطفال على حب البيئة

"نؤمن بأن المشاكل والقضايا البيئية تصل للأطفال بشكل أفضل عن طريق الفن"، على هذا الأساس يقدم مهدي تدريبات خاصة للأطفال.

التركيز ينصبّ أكثر على كيفية انتاج مستلزمات جديدة من الأغراض المستعملة.

"نستقبل سنوياً لهذا الغرض عدداً من الأطفال ونقوم بتدريبهم، نمزج الفن بالبيئة، نريد إنشاء جيل واعٍ بالبيئة وننشر عن طريقهم الوعي في المجتمع".

منذ أن حصلت المنظمة على الإجازة الحكومية، استفاد ما لا يقل عن 50 طفلاً من دوراتها التي تنظم بدعم من معهد "كوته" الألماني.

ويقول رئيس منظمة (مالى أو)، "يجب أن نقرّ بأن الوعي البيئي ليس بالمستوى المطلوب، لذا يجب العمل بصورة أكثر جدية وتعمق على هذه القضية، وتوجيه الجهود نحو توعية الأطفال".

والدة ريان حسن، أشركت طفلتها في دورات المنظمة، تقول أم ريان "أريد أن تتعلم ابنتي حب البيئة وإعادة تدوير الأغراض المستعملة".

قرار إرسال ابنتها للمشاركة في الدورات، جاء نتيجة لجهود مهدي حين المستمرة لنشر الوعي بين المواطنين حول أهمية الابتعاد عن رمي النفايات وتلويث البيئة.

علمت الحفاظ على النظافة، وأن رمي الأغراض المنزلية المستعملة خطأ ويجب أن أستفيد منها لصنع مستلزمات أخرى

وقالت والدة ريان، "تعلمت من الإرشادات أن أعيد استخدام الأغراض المنزلية، أريد يتعلم أطفالي أيضاً".

أعمال مهدي اليدوية توفر له مصدر دخل، حيث يعرضها على مواقع التواصل الاجتماعي ويوجد إقبال عليها، "المبيعات جيدة نسبياً، أتلقى طلبات من بعض الزبائن، خصوصاً من المدن الكبيرة".

وأوضح المدير السابق لبيئة رابرين بأن "المهم أنه حول منزلاً قديماً الى مقر لمنظمته يعلم فيه العديد من الأطفال الفن وإعادة التدوير"، وأضاف، "يجب أن يستلهم الآخرون من عمله، لأنه يقدم خدمة كبيرة للبيئة".

يجمع يومياً في إقليم كوردستان أكثر من ستة آلاف طن من النفايات المنزلية، أغلبيتها العظمى لا يتم فرزها.

اختلاط الأنواع المختلفة من النفايات، بحسب خبراء البيئة، يندرج ضمن أسباب تلوث البيئة لأن هذا يصعب عملية إعادة تدويرها.

يأتي العراق في المرتبة الخامسة على مستوى العالم بين أكثر الدول تأثراً بتداعيات التغير المناخي، لذا تحث الأمم المتحدة المواطنين على الترشيد في الشراء والاعتماد على المنتجات والمستلزمات التي يمكن إعادة استخدامها.

تقول الطفلة ريان حسن، "تعلمت الحفاظ على النظافة، وأن رمي الأغراض المنزلية المستعملة خطأ ويجب أن أستفيد منها لصنع مستلزمات أخرى".

أما والدة ريان فتقول، "بعد مشاركة اثنتين من بناتي في دورات المنظمة، تغير سلوكهن تجاه البيئة، أصبحن أكثر حباً للبيئة، ويسعين ايضاً لتعليم أقربائهن حب البيئة وإعادة استخدام الأغراض المستعملة".

رهيل اسماعيل، الذي أشرك هو الآخر ابنته في دورات المنظمة قال "أشعر بحدوث تغير في عادات وسلوك ابنتي، حتى أنها تعطي النصائح والإرشادات لشقيقها الأصغر".

ابنة رهيل اسماعيل لم تعد ترمي عبوات المشروبات الغازية، بل تقوم بتلوينها ووضعها في المنزل كأدوات زينة.

يقول مهدي ، في دورة تعليم الموسيقى، إلى جانب الدعم الذي حصلنا عليه من معهد "كوته" الألماني، "وفرت لنا مديرية الثقافة والفنون في رابرين الآلات الموسيقية.. كما حظينا بدعم من المشرف على إدارة رابرين ورئاسة البلدية".

أكثر

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT