من البیئة

"الحاويات" الملونة تشجع الأطفال على حماية البيئة والانخراط بمبادرة الأصدقاء

  • 2024-12-15
"الحاويات" الملونة تشجع الأطفال على حماية البيئة والانخراط بمبادرة الأصدقاء
كرميان/ أواخر 2024/ تقديم دروس توعية بيئية وإرشادات حول كيفية فرز النفايات في روضة أطفال بقضاء كفري   تصوير: زريان محمد
زريان محمد

مجموعة أطفال مجتمعون داخل قاعة، يقفون في طابور على شكل مستطيل غير مكتمل الأضلاع وعيونهم تناظر أربع حاويات ملونة للنفايات.

قبل أن يبدأ معلمو الروضة تقديم الدرس العملي، وضعوا نفايات من مكونات مختلفة أمام الحاويات؛ زجاج عصائر، أطباق بلاستيكية، أكياس نايلون ونفايات ورقية.

الدرس يتعلق بحماية البيئة والصحة، عن طريق فرز النفايات. بعد تقديم الإيضاحات والمعلومات اللازمة عن الترميز اللوني، يجري اختبار الأطفال ويطلب منهم المجيء إلى وسط القاعة ووضع كل نوع من النفايات في الحاوية المخصصة لها.

تقع روضة الأطفال في مبنى قديم بقضاء كفري. تُظهر عيون الأطفال حماسهم الكبير للمشاركة في هذا الاختبار البيئي. الحاويات الأربع إحداها صفراء مخصصة للنفايات المعدنية، الثانية حمراء للزجاجية، الثالثة خضراء للنفايات البلاستيكية والرابعة زرقاء مخصصة للورقية.

دروس التوعية البيئية في الروضة تقدم تحت اسم مشروع "تعزيز القدرات في مجال البيئة"، وهو من مبادرات فريق حماة البيئة في كفري التي أطلقت قبل ثلاث سنوات.

بعد سنوات من الشد والجذب وغياب الدعم المالي، تمكن الفريق هذا العام من اتخاذ خطوات عملية لتنفيذ المشروع.

في المرحلة الأولى من المشروع نشرنا الوعي البيئي بين معلمي رياض الأطفال...، وفي المرحلة الثانية وضعنا أربع حاويات ملونة وكمية من النفايات المتنوعة"، بحسب أنور عبدالعزيز، رئيس فريق حماة البيئة في كفري.

في البداية تلقى كادر الروضة التدريبات حول البيئة والآن بدأنا بتنفيذ ما تعلمناه بصورة عملية

توعية الأطفال لبناء جيل صديق للبيئة من السبل التي تشدد عليها منظمة "اليونيسيف" باستمرار، بسبب مخاطر وتداعيات التغير المناخي على هذه الفئة والتي تتوقع المنظمة أن تؤدي إلى انخفاض أعداد الأطفال في العالم.

يتضمن مشروع كفري مرحلتين رئيسيتين، الأولى نشر الوعي البيئي بين معلمي رياض الأطفال، وبدورهم إيصال المعلومات للأطفال ومنهم للعوائل، المرحلة الثانية تُركز على الجانب العملي من خلال تطبيق الترميز اللوني لفرز النفايات.

وقال أنور عبدالعزيز، إن "التدريبات التي تلقوها، تُنقل للأطفال عن طريق الدروس اليومية، ويتم تدريب الأطفال على كيفية فرز النفايات بوضع الحاويات الملونة".

المشروع انطلق في قضاء كفري، من 104 معلماً ومعلمة في ست رياض أطفال تلقوا التدريبات البيئية.

يمتلك فريق حماة بيئة كفري، الذي أطلق المبادرة، 10 أعضاء دائميين، ويكمل الفريق مهام منظمة حماة البيئة في القضاء التي أوقفت نشاطاتها بسببب مشاكل إدارية.

وفقاً لمنظمي المشروع، تتمثل أحد الأهداف الأخرى للمبادرة ببيع النفايات التي يتم فرزها في رياض الأطفال لإعادة تدويرها وانتاج مستلزمات أخرى منها، وتشكل بذلك إيراداً لرياض الأطفال.

يتم جمع نحو 500 طن من النفايات يومياً في إدارة كرميان، دون أن يتم فرزها، لكن يقدّر أن  تحوي هذه النفايات على كميات كبيرة من البلاستيك. معظم النفايات التي تجمع في العراق لا تتم معالجتها، بل تطمر مباشرة أو يتم حرقها، في الوقت الذي يأتي فيه العراق في المرتبة الخامسة بين البلدان الأكثر تأثراً بالتغير المناخي.

 

جيل صديق للبيئة

تلقى معلمو رياض الأطفال في كفري تدريبات مكثفة ضمن مشروع "تعزيز القدرات في مجال البيئة" فيما يتعلق بالبيئة المناسبة الأطفال، التعليمات والإجراءات التربوية الخاصة برياض الأطفال والإسعافات الأولية.

مديرة روضة أطفال الشهيدة "كلبهار" في كفري، هلله سعيد، قالت، "في البداية تلقى كادر الروضة التدريبات حول البيئة والآن بدأنا بتنفيذ ما تعلمناه بصورة عملية في"، وترى هلاله بأن من المهم تنفيذ مثل هذه المبادرات في رياض الأطفال وتعليمهم كيفية فرز النفايات بوضعها في الحاويات الخاصة بها والاستفادة من النفايات بإعادة تدويرها.

روضة أطفال الشهيدة كلبهار تضم 200 طفلاً، يداوم 135 منهم باستمرار ويشرف على الروضة 15 معلم ومعلمة وستة مراقبين.

"يعلم كادر الروضة الأطفال يومياً كيفية فرز النفايات ويتم تطبيق عملية الفرز بمشاركة الأطفال بصورة عملية"، هلاله متفائلة جداً بنجاح المشروع وتقول، "ستبقى هذه المعلومات في أذهانهم حين يكبرون، وتصبح حماية البيئة ثقافةً عندهم، لأن الأطفال في هذه المراحل العمرية كأوراق بيضاء.. يتلقون المعلومات من المعلمين ويطبقونها".

baxcha kafri 2024 (14)

كرميان/ أواخر 2024/ أطفال كفري يتعلمون حب البيئة وحمايتها   تصوير: زريان محمد 

المشروع عبر نطاق مركز قضاء كفري ووصل الى ناحية سرقلا التابعة للقضاء ويتوسع باستمرار.

نوال محمد، مديرة روضة "سرقلا"، تقول إنها تولت إدارة الروضة منذ ثلاث سنوات ولم تر مثيلاً لهذا المشروع، "هذه التدريبات مهمة جداً لأنها تزيد من التوعية البيئية عند المعلمين"، خمسة معلمين ومراقب واحد استفادوا من المعلومات التي قدمها المشروع.

"لدينا 89 طفلاً، ما تعلمناه في التدريبات نطبقه في الروضة على شكل تدريبات ودروس عملية للأطفال، نستخدم الحاويات الملونة ونعلم الأطفال كيفية فرز النفايات".

وأشارت نوال إلى ضرورة تعويد الأطفال في هذا العمر على حماية البيئة وفرز النفايات، "المواد التي يتم فرزها يعاد استخدامها، نبيعها وتصبح مصدر دخل لروضتنا"، وتقول بأنها ترحب بالمبادرات التي تخدم البيئة لأن تأثيراتها تظهر في المستقبل.

منظمة وادي الألمانية خصصت في وقت سابق صناديق خاصة بجمع عبوات المياه البلاستيكية في مدارس كفري لإعادة تدويرها فيما بعد وانتاج مستلزمات أخرى منها بأياد محلية.

يهمنا توسيع المشروع ونعدّ لذلك، لأن هدفنا تنشئة أطفال يكترثون لأمر البيئة في المستقبل

ويقول مدير عام تربية كرميان، دارا أحمد، إن مشروع التوعية البيئية في رياض الأطفال، خفف عن كاهلهم الأعباء المتعلقة بمواضيع البيئة، مشيراً إلى أن مديريته ترحب بتنفيذ المشروع في كافة رياض الأطفال بإدارة كرميان.

"نعتبر المشاريع التي تنفذ من قبل بعض المجموعات والمنظمات للاهتمام بالبيئة، بالأخص في قطاع التربية، واجباً مقدساً"، على حد قول دارا أحمد.

فرز النفايات من مصادرها الرئيسية يعتبر الى حد ما مبادرة جديدة في العراق ووفقاً للاجراءات التي أقرتها منظمة الأمم المتحدة، إعادة استخدام وتدوير النفايات الصلبة والغذائية أحد طرق مواجهة تلوث البيئة.

"هذا النوع من المشاريع التي تنفذ من قبل فرق مستقلة لها أهميتها وتأثيرها على توعية الفرد وتنشئة الطفل على الاعتناء بالبيئة"، بحسب دريد سليم، مدير دائرة البيئة في كرميان، الذي أعرب عن دعمه الكامل لمثل هذه المبادرات ولفت إلى أن دائرة البيئة لديها خطط وبرامج تتعلق بكيفية تقديم يد العون لإنجاح هذه المبادرات.

 

رحلة تعليمية طويلة الأمد

يوجد في عموم إدارة كرميان التي تضم اقضية كلار، كفري ودربنديخان، 29 روضة أطفال. مبادرة "تعزيز القدرات في مجال البيئة" تهدف لإيصال دروس توعوية للجميع.

ويقول رئيس فريق حماة البيئة في كفري إن لديهم خطط لتنفيذ المشروع في كافة رياض الأطفال بكرميان، لكن الأمر يتطلب الإعداد وجمع البيانات.

وأوضح أنور عبدالعزيز، "يهمنا توسيع المشروع ونعدّ لذلك، لأن هدفنا تنشئة أطفال يكترثون لأمر البيئة في المستقبل".

يبلغ عدد الأطفال المسجلين في 29 روضة أطفال ضمن حدود إدارة كرميان حوالي ستة آلاف و400 طفل.

مدير عام تربية كرميان تعهد بـ"بذل أقصى ما يمكن لتقديم المساعدة وإدامة المشروع في المراحل الدراسية الأخرى، لكي يتعلم الأطفال حب البيئة وحمايتها".

وأشار دارا أحمد إلى أن خططهم تتضمن تدريب وتعليم الأطفال الاعتناء بالبيئة التي يعيشون فيها، لأن أعداد الفراشين في المدارس في تراجع مستمر ولا توجد تعيينات.

baxcha kafri 2024 (13)
كرميان/ أواخر 2024/ طفلة في إحدى رياض الأطفال بقضاء كفري تقوم بفرز النفايات بسب ألوان الحاويات    تصوير: زريان محمد

يقدر عدد سكان إدارة كرميان التابعة لمحافظة السليمانية بأكثر من 343 ألف نسمة، وفقاً لمديرية إحصاء كرميان.

أياد محمد، ناشط بيئي في كرميان قال إن هذه المبادرات تقدم خدمة كبرى للبيئة لأنها ترفع مستوى وعي الأفراد تجاه البيئة وستكون لها انعكاسات إيجابية في المستقبل.

"إذا أصبح حب البيئة ثقافة، وتلويث البيئة والإضرار بها أمراً معيباً في المجتمع، يمكن حينها تنشئة مجتمع واعي"، بحسب أياد.

 

المشروع ينتظر الدعم

يرى الناشط البيئي، أياد محمد، بأن من الضروري أن توفر الحكومة الدعم المالي لمثل هذه المبادرات التي تتضمن تقديم دروس بيئية في رياض الأطفال ، خصوصاً في كرميان التي "تعاني من مشاكل بيئية عميقة".

واستطرد أياد، "يجب أن لا يكون الدعم معنوياً فقط، بل مادياً أيضاً، لأن أغلب المشاريع التي تنفذ من قبل مجموعات واشخاص مستقلين تواجه مشاكل مادية وإدامتها صعبة".

ويقول رئيس فريق حماة البيئة في كفري، إن "أحد التحديات الكبيرة تتمثل بغياب الدعم المالي، ما جعل عملنا دون المستوى الذي نطمح اليه، لذا نضطر لجمع التبرعات وهذه العملية تحتاج للوقت".

فريق حماة البيئة طرق العديد من الأبواب طلباً للمساعدة، من بينها الجهات الحكومية ذات الصلة، "نطرق بابا الحكومة لكي يوفروا لنا مستلزماتنا على الأقل كي نتمكن من تنفيذ مشاريعنا البيئية"، بحسب أنور عبدالعزيز.

أكثر

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT