إذا لم تكن مياه أي نهر أو سد "صالحة للشرب والسباحة وصيد السمك"، لا تسمى "مياه عذبة"، وذلك بحسب نبيل موسى الذي يعمل منذ 14 سنة من أجل الحفاظ على المياه العذبة عن طريق منظمة حماة مياه العراق-كوردستان، في بلد يفتقر للوعي العام حول قضايا البيئة.
مبادرة نبيل للحفاظ على مصادر المياه تأتي في الوقت لذي تشير فيه منظمة الأمم المتحدة الى أن 884 مليون شخص في العالم محرومون من المياه الصالحة للشرب، و 2.5 مليون شخص محرومون من استخدام مياه صحية.
مشكلة شح المياه العذبة في العالم أصبحت تشكل تهديداً على حياة الحيوانات والنباتات وكابوس للنظام البيئي بأكمله.
تتوقع منظمة الأمم المتحدة استناداً الى بياناتها أن يتعرض 5 مليار ومليون شخص من أصل 10 مليارات شخص أي نصف سكان العالم لمشكلة شح المياه بحلول عام 2050.
استناداً الى هذه الحقائق، أعلن نبيل موسى تأسيس أول منظمة لحمياة مصادر المياه في العراق. تتألف فعاليات المنظمة من حملات تنظيف مصادر المياه، نشر الوعي و وتشكيل فرق حماة المياه في مناطق مختلفة.
القصة بدأت منذ 14 سنة
قصة تأسيس منظمة حماة مياه العراق-كوردستان تعود لعام 2014 حين ناقش نبيل موسى مع أحد خبراء مجال المحافظة على المياه قضية زوال مصدر مياه سرجنار في السليمانية. "من هنا فكرت في كيفية العمل من أجل حماية مصادر المياه، ذلك الخبير شجعني".
تأسيس لمنظمة تزامن مع فعاليات نظمها عدد من الناشطين في مجال البيئة حول قضية إنعاش أهوار جنوب العراق التي جففت ودمرت في تسعينات القرن الماضي بقرار من رئيس حزب البعث المنحل صدام حسين، ما أدى الى نزوح ما لا يقل عن 200 ألف شخص من سكان الأهوار.
وقال نبيل إن "برنامج عملنا يتضمن وضع خطة فعالة لحماية مصادر المياه ومراقبتها الى جانب رفع مستوى الوعي المجتمعي حول أهمية الحفاظ على نظافة مصادر المياه"، وأضاف، "يهمنا أن نحافظ على نظافة مصادر المياه بحيث تكون صالحة للشرب والسباحة وصيد السمك... لأنه بدون هذه الأشياء الثلاثة لا يمكن اعتبارها مياه عذبة".
نبيل درس في مجال الفن لذا يريد مزج البيئة بالفن، على سبيل المثال، في بعض الأحيان ينشر الوعي البيئي عن طريق المهرجانات، المسرح، التمثيل، متحف الزوارق والأفلام الوثائقية.
في 30 تشرين الثاني 2024، شاركت منظمته في عرض لحماة مياه العراق-كوردستان بمهرجان الموروث التراثي للزوارق في البصرة.
"المهرجان كان فرصة مهمة لمصالحة الجيل الجديد وتعريفهم بتراث وثقافة العراق والأساليب البسيطة للعيش بجوار الأنهار"، وأضاف نبيل، "نطلق بين فترة وأخرى حملات لتنظيف وكري المصادر المائية، حيث ندعو عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي لمشاركة الجميع، شيباً وشباباً، نساءَ ورجالاً، حتى أطفال المدارس للمشاركة في هذه الحملات".
العمل التعاوني مصدر إلهام
أطلقت المنظمة خلال العام الحالي عدة حملات لتنظيف المصادر المائية في اقليم كوردستان، منها جزيرة النوارس في بحيرة دوكان، شلال أحمد آوا، بحيرة رزان ونبع كاني شوك، وقبل ذلك كانت لهم فعاليات في كل من تانجرو ودربنديخان.
هذه الحملات ألهمت عشرات الشبان الذين يعملون في إطار مجموعات لتنظيف مصادر المياه.
وقال نبيل، "أكثر من 200 متطوع شاركوا في الحملات الأربع".
سانا عمر، التي شاركت مع المنظمة في حملتي تنظيف كمتطوعة قالت إن العمل الجماعي أسعدها، "إحدى الحملتين كانت في بحيرة دوكان يوم 7 أيلول 2024، والأخرى في 21 أيلول في جزيرة النوارس".
وأضافت، "بذلنا جهود مضنية، لكنها كانت مصدر إلهام... للأسف، وجدنا الكثير من النفايات التي تركها السياح في جزيرة النوارس... كنت أفكر في أن الماشية عليها أن تبحث عن العشب وسط النفايات البلاستيكية".
يتم جمع كميات متفاوتة من النفايات حسب المنطقة التي نقوم بتنظيفها، "على سبيل المثال جمعنا 80 كيس مليء بالنفايات في جزيرة القلعة المدمرة وسط بحيرة دوكان، أحياناً نملأ أكثر من 150 كيس بالنفايات".
النفايات الصالحة للاستخدام كعلف للمواشي تُترك في مكان مناسب، بالأخص تلك التي تتغذى عليها الأسماك والسلاحف، أما البقية فتُنقل الى موقع آخر بعيد عن مصدر المياه.
عدد المتطوعين في الحملتين اللتين شاركت بهما سانا وصل الى 50 شخص.
وقالت سانا، "قبل التوجه للمشاركة في الحملة فكرت في أن المواقع التي ننظفها قد تعود كما كانت بعد أيام، لكننا يمكن أن نصبح مصدر إلهام لبقية الناس لكي يدركوا اهمية الحفاظ على البيئة".
مصالحة الأفراد مع الطبيعة
منظمة حماة مياه العراق-كوردستان تعتمد في أداء عملها على قوارب تسير بالتجديف اليدوي، لذا فهي صديقة للبيئة ولا تعتمد على المحركات التي تعمل بالوقود.
كما أنشأت المنظمة نادي الجبال والسهول، "الهدف هو مصالحة الفرد الكوردي مع الطبيعة... عملنا يشبه علاجاً نفسياً يبعث السكينة بحثاً عن صحة أفضل".
المشاركون في هذه الفعاليات يمكثون وسط المياه داخل قواربهم لفترة ويتطلب ذلك منهم إمكانيات جسدية للتجديف وقطع المسافات للوصول الى المكان المقصود.
"بهذه الطريقة نتصالح مع الطبيعة، وفي الوقت نفسه يمثل هذا مصدراً مالياً تعتمد عليه المنظمة".
وفقاً لإحصائيات المديرية العامة للموارد المائية في اقليم كوردستان، ما بين 10 بالمائة و20 بالمائة فقط من مياه اقليم كوردستان يتم تنظيفها، وهذا يعني أن 80 بالمائة من المصادر المائية لا تُنظف.
فمثلاً، نهر تانجرو الذي يقع جنوبي مدينة السليمانية، يتلوث بسبب مياه الصرف الصحي ونفايات المعامل والمصافي التي تصب فيها.
مياه النهر تصب بعد ذلك في بحيرة دربنديخان ونهر سيروان اللذين يعتبران مصدر تزويد مئات الآلاف من السكان بمياه الشرب، من ضمنهم سكان قضاءي كلار ودربنديخان.
الخبير البيئي، خالد سليمان، يقول إن تلوث مصادر المياه يؤثر على صحة الانسان والحيوان والنبات، "المواشي والمحاصيل الزراعية تعد مصادر دخل بالنسبة لنا وفي هذه الحالة نتعرض لأضرار صحية واقتصادية".
التفكير في خطوات لاحقة
منظمة حماة مياه العراق-كوردستان تعمل على إنشاء مصفى تجريبي للمياه الثقيلة لكي تستفيد منها الجامعات مسقبلاً لتصفية المياه الثقيلة، لكن المشروع متوقف بسبب عدم توفرالإمكانيات المالية.
يتكون المشروع من عدد من الخزانات الكبيرة يبلغ عرضها حوالي مترين وارتفاعها سبعة أمتار. يتم تصفية مياه الصرف الصحي للمنازل في هذه الخزانات من المواد الكيمياوية وغاز الميثان وعند الخزان الأخير تصل نسبة نقاوة المياه الى 80 بالمائة.
"يلقى المشروع الدعم الالي من المتبرعين، نصف المشروع اكتمل لكن ضعف الامكانيات المادية أدى الى توقف المشروع في الوقت الحالي"، بحسب نبيل.
الجغرافيا السياسية لأنهر اقليم كوردستان فرضت وقوع الأفرع الرئيسية للأنهار والجداول خارج حدود الاقليم، حيث يدخل معظمها أراضي الاقليم من ايران وتركيا.
يدخل الاقليم 4 مليار متر مكعب من المياه من ايران و25 مليار متر مكعب من تركيا، وبحسب بيانات وأرقا حكومة الاقليم تشكل هذه المياه 61 بالمائة من الموارد المائية في اقليم كوردستان، ويتبقى فقط 18 مليار متر مكعب أي 39 بالمائة من المياه التي تنبع داخل أراضي الاقليم.
توجد دائماً مخاوف من تناقص كمية المياه التي تدخل الاقليم من دول الجوار، أما المياه الموجودة داخل اقليم كوردستان فمعرضة ايضاً للخطر بسبب سوء الإدارة وقلة وعي المواطنين.
وقال خالد سليمان، "سياستنا لإدارة المياه ليست ثابتة بعيدة المدى، نحن نهتم بالماء حسب الظروف، إدارة المياه ليست عبارة فقط عن إنشاء السدود، بل هي عملية شاملة ومتعددة الجوانب، وأضاف إن " مياه الصرف الصحي للمدن يمكن استثمارها لري الحدائق والمساحات الخضراء، حيث تُهدر سنوياً كميات كبيرة من هذه المياه".
وذلك في حين أدى التغير المناخي الى انخفاض معدلات الأمطار في المنطقة بحيث تراجعت كمية الأمطار من 526.3 ملم في عام 2012 الى 347.1 ملم في عام 2022.
مخاطر سريعة وحلول بطيئة
حوالي 14.5 بالمائة من المياه التي تستهلك في أي دولة تهدر بسبب التبخر حيث تصل كمية المياه المتبخرة في العالم الى حوالي 15.7 مليار متر مكعب.
ارتفاع معدلات درجات الحرارة في العراق أسرع بنسبة تتراوح بين 2 و 7 بالمائة على مستوى العالم. في حال ارتفع معدل درجة الحرارة درجة مئوية واحدة وقلت الأمطار بنسبة 10 بالمائة حتى عام 2050، قد تتراجع المياه العذبة بنسبة 20 بالمائة.
وهذا قد يعني بأن مصادر المياه ستكون معدومة لما يقرب من ثلث الأراضي الصالحة للزراعة في العراق بحلول عام 2050.
مدير ماء ومجاري اقليم كوردستان، آري أحمد، يقول بأن المعيار الدولي لكمية المياه التي يستهلكها كل فرد يومياً يتراوح بين 200 و 250 لتر، "لكن استهلاك الفرد الواحد في اقليم كوردستان حالياً يتراوح بين 350 و 400 لتر من الماء".
"ففحفاظ على هذه المصادر المائية نحتاج للثلوج والأمطار وضمان وصول حصة الاقليم من المياه من دول الجوار".
يعترف نبيل موسى بأن ما يقومون به ليس الحل لمشكلة تلوث المياه في العراق واقليم كوردستان، لكنه يشدد على أنها "بداية الحل من خلال توعية المواطنين وتنبيه الجهات ذات الصلة"
المشكلة الأكبر التي تواجه المنظمة، بحسب نبيل، هي "عدم وجود نظام متبع لحماية المياه، ما نقوم به مجرد صرخة استغاثة".
"الحكومة مطلعة على أنشطتنا وفعالياتنا، لكنها لم تنسق معنا ولا تقدم لنا الدعم.. مع ذلك، نرفع لهم سنوياً تقارير حول وضع التلوث".
ويرى مدير ماء ومجاري اقليم كوردستان بأن موضوع حماية المصادر المائية مسؤولية كافة الوزارات المعنية في الحكومة.
وأوضح بأن مديرية الماء والمجاري غير مطلعة على نشاطات المنظمة وقال، "نحن لا نعمل معهم".
ويقول نبيل موسى إن إحدى المشاكل الأخرى التي تواجههم تتمثل بـ"ضعف وعي المواطنين" مشيراً الى أن المناطق التي ينفذون فيها حملات التنظيق تعود كسابق عهدا بعد بضعة أشهر.