من البیئة

أكياس الخام بدل النايلون.. مبادرة من حلبجة لبيئة أنظف

  • 2024-12-30
أكياس الخام بدل النايلون.. مبادرة من حلبجة لبيئة أنظف
حلبجة/ كانون الأول 2024/ غمكين كاكه وهاب (48 سنة)، أثناء العمل في منظمة نوي. تصوير: بوار قادر
بوار قادر

في مبنى مكون من أربع غرف، اثنتان منها مليئتان بالأقمشة المستعملة وأكياس من الخام، تقدم غمكين كاكه وهاب (48 سنة)، في الوقت نفسه خدمتين للبيئة، تصنع أكياس الخام لتكون بديلاً لأكياس النايلون وتعيد استخدام الأقمشة المستهلكة لإنتاج مستلزمات أخرى.

يقع المبنى الذي تبلغ مساحته 250 متر مربع، في حي شعبي بمدينة حلبجة، المبنى مقر لمنظمة نوي التي تتمثل إحدى مهامها بنشر التوعية البيئية وأحد مشاريعها هو مشروع انتاج أكياس الخام الذي تشارك فيه غمكين.

خلال السنوات الأربعة الماضية أعدت غمكين ما يقرب من 4000 كيس خام، وزعت قسماً منها مجاناً على المواطنين ليستخدموها بدل أكياس النايلون، لكن بالتدريج مع ازدياد وعي المواطنين وتعريفهم بفوائد استخدام أكياس الخام بدل النايلون، أصبح المشروع ، الى جانب حماية البيئة، مصدر دخل للمنظمة.

بحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة، تحتاج النفايات البلاستيكية،من ضمنها أكياس النايلون، آلاف السنين لكي تتحلل، لذا فإن رميها بصورة عشوائية يؤدي الى تلوث البيئة، وتشير المنظمة الى أن "هذا التلوث يخنق الكائنات البحرية، يضر بالتربة ويسمم المياه الجوفية"، فضلاً عن تأثيراتها الكارثية على صحة الانسان.

في محافظة حلبجة، تُجمع وتُطمر يومياً أكثر من 150 طن من النفايات، 13 طن منها على الأقل نفايات بلاستيكية، من ضمنها أكياس النايلون، بحسب احصائية لرئاسة بلدية حلبجة.

الفكرة تعود لزمن كورونا

تعود فكرة انتاج أكياس الخام الى فترة تفشي فيروس كورونا في عام 2020؛ حينها تسلمت منظمة نوي مشروعاً لخياطة الكمامات وتوزيعها مجاناً على المواطنين وموظفي الدوائر.

وتقول مديرة منظمة نوي، هيرو وكيل إن "مجموعة من النساء شاركن في مشروع خياطة الكمامات، أنتجنا 20 ألف كمامة ووزعناها مجاناً على المواطنين، بعد ذلك فكرنا في إيجاد طريقة نستطيع من خلالها تسخير امكانيات هؤلاء النساء لخدمة البيئة، حيث أننا عملنا سابقاً في مجال التوعية البيئية التي شملت حملات التشجير".

الفكرة كانت إيجاد بديل لأكياس النايلون عن طريق خياطة أكياس الخام.

Husna Hawrami
حلبجة/ كانون الأول 2024/ حسنى هورامي تعرض نموذجاً من أعمالها    تصوير: بوار قادر

وقالت هيرو، "شعرنا بأن هذا المشروع هو الأكثر تأثيراً بين مشاريعنا الهادفة لخدمة البيئة... لأن بديل النايلون الذي اخترناه  صديق للبيئة ويمكن إعادة استخدامه عديد المرات".

بحسب غمكين، توزع المنظمة هذه الأكياس مجاناً على المواطنين والدوائر في بعض المناطق، لتشجعيهم على استخدامها بدل أكياس النايلون، لكنها تبيع قسماً منها أيضاً.

تنتج البشرية أكثر من 430  مليون طن من المواد البلاستيكية سنويًا، ثلثاها عبارة عن منتجات قصيرة العمر تتحول في وقت قصير إلى نفايات يتسرب قسم منها الى التربة والنظم المائية وتفاقم من مخاطر انعدام الأمن الغذائي.

يدخل البلاستيك في انتاج العديد من اللوازم والمعدات، منها أكياس النايلون، الملابس، العبوات ومنتجات التجميل، وينتج العالم سنوياً أكثر من 280 مليون طن من المنتجات البلاستيكية قصيرة العمر أو ذات الاستخدام الواحد والتي تصبح نفايات.

تُقدر كمية النفايات البلاستيكية داخل مدينة حلبجة، حيث مقر المنظمة، بأكثر من سبعة أطنان يومياً.

الى جانب العمل من أجل إيجاد بدائل لأكياس النايلون، تقدم منظمة نوي خدمة أخرى للبيئة عبار عن إعادة استخدام الملابس المستهلكة لصنع حقائب، محفظات وأغلفة وسائد من القماش ومن ثم بيعها.

"رمي الملابس المستعملة جزء آخر من التلوث البيئي ونريد من خلال هذه الطريقة إيجاد حلول للمشكلة"، وتضيف غمكين إن "المنتجات التي تصنعها النساء نعرضها في المهرجانات والمعارض ونبيعها".

أكياس الخام.. إقبال أكبر وبيئة أنظف

أطلقت فرق منظمة نوي خلال السنوات الأربع الماضية حملة مكثفة للتعريف بمزايا أكياس الخام من الناحية البيئية، هناك حالياً وعي لدى الكثير من المواطنين حول أهمية استخدام أكياس الخام بدل النايلون ما أدى الى ازدياد الطلب عليها.

مسؤولة قسم البيئة في منظمة نوي، حسنى هورامي (34 سنة)، تقول إن الحملة بدأت من الأماكن التي كانت مصادر لانتشار أكياس النايلون، مثل المخابز، المحال والقرى.

في البداية لم يتقبلوا الأمر الى أن أوضحنا لهم فوائدها المتعددة، لحسن الحظ يوجد هذا العام اقبال جيد على أكياس الخام "، وأضافت، "النساء يستخدمن أكياس الخام غير المنقوشة للتسوق وشراء الخبز أو الخضروات".

لجذب مزيد من الاهتمام، بدأت تطرا تغييرات على تصاميم أكياس الخام تدريجياً، وتقول حسنى التي تتولى بنفسها تصميم الأكياس، "فكرت في تطريز لوحات فنية على أكياس الخام لجذب الزبائن، بالأخص من فئة الشباب، وتستخدم في انتاج التصاميم الأصباغ، والحياكة والتطريز".

حتى الأصباغ التي تستخدمها فرق المنظمة صديقة للبيئة، "الأصباغ نباتية ونستخدم الماء في إعدادها بدل النفط، نصنع الأصباغ أحياناً من جذور الشمندر والكركم".

في غرفة لا تتجاوز مساحتها 12 متر مربع، مليئة بأكياس الخام، الأقمشة والملابس المستعملة، تصنع غمكين عبدالوهاب بين فترة وأخرى وسادة، محفظة وغيرها من المستلزمات.

قمت بخياطة ما يقرب من 10 آلاف كيس خام خلال أربع سنوات"، وتضيف غمكين، "بشكل عام أخيط يومياً 25 كيس، وإذا كانت هناك طلبات خاصة فأخيط يومياً 50 كيس".

Kham.
حلبجة/ كانون الأول 2024/ نماذج من أكياس الخام بتصاميم متنوعة.  تصوير: بوار قادر

يكلف كل كيس خام ما بين 500 و 750 دينار بسعر الجملة (أكثر من 100 كيس)، أما بالمفرد فيصل سعر كيس الخام المنقوش الى 5 آلاف دينار وغير المنقوش ألفي دينار.

مهربان سلام (36 سنة)، أم لطفلين، تقول بأنها تستخدم أكياس الخام منذ عدة سنوات، وقد خصصت نوعاً محدداً من أكياس الخام لكل استخدام، على سبيل المثال الكيس الذي تستخدمه للخبز لا تستخدمه للخضر والفواكه، كما خصصت كيس خام لشراء الملابس أيضاً.

"النساء يعشقن التغيير، وهذا جزء من التغيير... أحاول جهد الإمكان أن لا أقبل بوضع مشترياتي في أكياس النايلون خلال التسوق، لدرجة أن الباعة وأصحاب المحال باتوا يعرفونني ويراعون هذه النقطة"، وبينت مهربان بأن قرارها جاء بعد مشاركتها في فعالية حول أضرار أكياس النايلون.

أدركت بان كيس النايلون مضر للبيئة وللصحة.. أحياناً أحمل كيس خام بدل حقيبتي الجلدية".

مهربان اشترت حقيبة مصنوعة من الأقمشة المستهلكة بـ15 ألأف دينار، في حين يصل سعر حقيبة مناسبة وتحتوي على مادة النايلون الى 40 ألف دينار، بحسب ميهربان.

وتقول مهربان بانها اشترت حقيبيتين مماثلتين لابنتيها تحملان صور شخصيات كرتونية.

"قللنا استخدام النايلون في منزلنا بنسبة 75 بالمائة... إذا أراد الشخص الاهتمام بالصحة والبيئة يجب أن يبذل بعض الجهد".

حسنى هورامي أوضحت أن تصاميمها تناسب كل الأعمار بهدف تشجيع الكل على استخدام أكياس صديقة للبيئة.

"ننظم ندوات توعية للأطفال في المدارس ونخبرهم بأنه ليس من الضروري أن يشتروا ملابس جديدة لكل مناسبة، لأن ذلك مضر للبيئة"، وأضافت حسنى، "نحثهم على تجنب شراء الملابس التي تحتوي على نسبة كبيرة من مادة النايلون، نحثهم على إعطاء ملابسهم التي تصبح صغيرة عليهم لأشقائهم أو شقيقاتهم أو أقاربهم.. أو نعلمهم كيف يصنعون منها أشياء جديدة".

مسؤولة قسم التوعية والإعلام في دائرة بيئة حلبجة، كوسار محمود، وصفت فعاليات منظمة نوي بأنها "محاولة لطرح بدائل لأكياس النايلون، نحن كدائرة البيئة ننفذ فعاليات توعية بيئية في المدارس والأماكن العامة، نتحدث فيها عن بدائل أكياس النايلون".

فرص وواردات

تبيع فرق المنظمة منتجاتها من أكياس الخام بالجملة. إذا وصل الطلب الى أكثر من 100 كيس، سيتراوح سعر الكيس الواحد بين 500 و 750 دينار. تصميم المنتج يكون بحسب طلب الزبون، وذكرت غمكين بأن "البعض يطلبون طبع أو نقش شعارهم الخاص عل الأكياس".

مديرة المنظمة، هيرو وكيل، قالت إن "امرأتين تعملان على انتاج الأكياس، إحداها تصمم والأخرى تتولى خياطتها".

حسنى هورامي، خريجة قسم الإدارة في معهد حلبجة التقني، أكملت دراستها قبل 14 عاماً، تقول بأنها لم تنتظر أن تعينها الحكومة بل سعت للاستفادة من امكانياتها الفنية لتأمين معيشتها.

"كرست فني لخدمة البيئة، أنتج أعمال فنية من الأقمشة والملابس المستهلكة وأصممها بنفسي، افتتحت حتى اليوم أربعة معارض فنية"، حسنى تصنع أكياس الخام، وسائد،أغلفة وسائد وبعض المستلزمات الأخرى.

هيرو محمد (50 سنة) تسكن في حلبجة وتقول بأنها تأخذ دائماً كل ما تحصل عليه من ملابس مستعملة الى المشروع لتُصنع منها أشياء جديدة.

المنظمة نظمت دورات لتعليم الآخرين كيفية صناعة أكياس الخام ليصبحوا جزءاً من المساعي للحد من استخدام النايلون.

وقالت حسنى، "خلال هذه الفترة، أعطينا أكياس خام لـ10 شابات لينتجوا لها تصاميم حسب رغبتهم، وسنفتح معرضاً لمنتجاتهم لكي يتمكنوا من بيعها، وفي نفس الوقت سيخدمون البيئة عن طريق الفن".

غمكين تطوعت لتعليم الشابات فن تصميم وخياطة أكياس الخام وكيفية إعادة استخدام الأقمشة والملابس المستهلكة.

وقالت حسنى وهي تمسك بيدها ساعة مكسورة، "هذه الساعة جلبها شخص لكي أقوم بتزيينها، لكن يجب أن أفكر في تصميم مناسب، أعيد هنا تزيين كافة الأغراض المكسورة".

سارا سلام، من بين النساء اللاتي عملن من قبل في المنظمة لكنها الآن تصنع أكياس الخام مع شقيقتها، تقول سارا بأنهما تصنعان الأكياس بتصاميم متنوعة وتبيعانها في المعارض والمهرجانات بألفين أو ثلاثة آلاف دينار.

وأضافت سارا، "زبائننا  من مختلف الفئات العمرية ومن الجنسين، يشترون منتجاتنا بناءً على النقوش والتصاميم التي تستهويهم، على سبيل المثال، شاركنا في مهرجان الرمان الذي يقام سنوياً في مدينة حلبجة وعرضنا هناك أكياس خان تم تطريزها بصور لنجوم الكرة، بعنا الكثير منها".

وشددت غمكين كاكه وهاب على أن الشباب، بالأخص الفتيات، يرغبون بشراء هذه الأكياس التي يصممونها بناءً على طلباتهم.

Halabja.mnalan
حلبجة/ كانون الأول 2024/ منظمة نوي توزع أكياس الخام على مجموعة من الأطفال، ضمن فعالية لتشجيع الأطفال على تجنب استخدام أكياس النايلون    تصوير: بوار قادر

المشروع نجح لكن يحتاج لمزيد من العمل

خلال الحملات التي ينظمونها للتعريف بأكياس الخام، يقول أعضاء فرق المنظمة بأن البعض يرفضون أخذ الأكياس متحججين بأنها "تشبه أكياس المتسولين"، حسبما شددت كل من هيرو وكيل وحسنى هورامي.

وأشارت هيرو الى أن "المشروع كان يتلقى الدعم المالي -من قبل منظمات دولية-، لكن الدعم توقف منذ سنتين... رغم ذلك، تبين لنا بأن المشروع نجح وهناك طلب على منتجاتنا لذا قررنا الاستمرار فيه."

من التحديات التي تواجه المشروع عدم استعداد قسم من أصحاب المحال والمخابز لشراء 100 كيس خام بسعر يتراوح بين 500 الى 750 دينار للكيس الواحد، لأن أكياس النايلون أرخص، حيث أن سعر 1000 كيس نايلون هو 500 دينار فقط.

لكن فرق منظمة نوي تقول بأن من الممكن أن يشتري المواطنون كيساً واحداً ويعيدوا استخدامه آلاف المرات آخذين بنظر الاعتبار أن هذه الأكياس صديقة للبيئة.

وتقول حسنى إن المشروع وقف على قدميه، "لكن إيرادته لا تلبي الطموح، إذا توفر لنا مكان أوسع وكوادر ومعدات أفضل نستطيع الاستفادة من كل قطعة قماش مستهلكة وسنحمي بذلك البيئة".

وألمحت حسنى الى أن مكان عملهم صغير، فالمبنى يضم أيضاً ستوديوهات إذاعة محلية فضلاً عن كونه مقراً للمنظمة.

يصل سعر كيس الخام الواحد، في حال تم تصميمه بناءً على طلب الزبون، خمسة آلاف دينار.

"نتلقى أغلب الطلبات عن طريق الانترنت، سعيدة جداً لأنني أشعر بأن منتجاتنا اكتسبت صيتاً هذا العام، تصلنا طلبات من كافة المدن"، لكن المشكلة، بحسب حسنى، هي أن "تكلفة التوصيل عالية، فمن غير المعقول أن يكون سعر الكيس بخمسة آلاف والتوصيل بعشرة آلاف دينار".

وتقول مسؤولة قسم التوعية والاعلام في دائرة بيئة حلبجة، كوسار محمود، بأن الدائرة على اطلاع بنشاطات منظمة نوي الهادفة لحماية البيئة، "نعتقد بأن هذه النشاطات تقلل من استعمال أكياس النايلون التي تعتبر من مصادر تلوث البيئة وازدياد النفايات".

أكثر

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT