أعطى سكان 36 قرية في قضاء شيخان معنىً للعودة إلى قراهم، بعد أن عادوا إليها تدريجياً في إطار مبادرة ساهمت في تعزيز الانتاج المحلي وتحسين الوضع المعيشي لسكانها.
يعاني العراق من مكلة إخلاء القرى وقلة الإنتاج المحلي، لذا فإن عودة سكان 36 قرية، أعطت الأمل مجدداً لإنعاش قطاع الزراعة وتربية المواشي، في الوقت الذي تعتمد فيه الحكومة كلياً على قطاع النفط، الذي يتسبب بأضرار بيئية لا تعد ولا تحصى.
تعود حملة تأهيل القرى إلى عقدين من الزمن، بالأخص في القرى الةاقعة ضمن حدود ناحية زيلكان بقضاء شيخان والتي يسكنها خليط من المسلمين والايزيديين. تقع هذه القرى في سلسلة جبال مقلوب بمحافظة نينوى وتطل على نهر الخازر، وهي منطقة زراعية خصبة.
المبادرة خلقت فرص عمل
عيسى محمد (75 سنة)، مختار قرية كلاشين وأحد وجهاء المنطقة، كان من بين الذين بادروا قبل أكثر من 10 سنوات إلى إعادة تأهيل القرى وتطوير الانتاج المحلي وتوفير مصدر العيش لأهل المنطقة.
وقال عيسى، "كنا نعيش في الموصل وربيعة، سكان القرية كانوا يعملون بأجور يومية أو يتشاركون الزراعة مع أصحاب الأراضي. في الحقيقة، لم يكن يتبقى لدينا أي دخل، لذلك قلت لم لا نعود الى قرانا ما دمنا لا نكسب ما يكفينا للعيش في المدن، ولم لا نعمل لأنفسنا".
بحسب محمد، قبلت عشرات العائلات المقترح وعادت تدريجياً إلى قراها على وجبات. وأضاف، "لدينا أراضي زراعية خصبة ومياه وفيرة ، فما الداعي للبقاء في المدينة".
تعد قرية كلشين من أكبر قرى المنطقة وتعيش فيها 240 عائلة، جميعهم يمتهنون الزراعة وتربية المواشي.
معظم هذه القرى تعرضت لسياية الترحيل إبان فترة حكم حزب البعث، وتم تهجير سكانها الى المجمعات القسرية والمدن، وجاءت عودتهم إلى قراهم بعد عدة سنوات من سقوط النظام في عام 2003، وعاد قسم منهم بعد انتهاء الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام –داعش" أواخر عام 2017.
أراضي قسم من هذه القرى صودرت أثناء فترة حكم نظام البعث وتعرض سكانها لسياسة التعريب.
انتعاشة في الإنتاج المحلي
تتمتع المنطقة بهواء نظيف وبيئة خضراء في جميع الفصول، وتطل القرى على نهر الخازر الذي أصبح العمود الفقري لري المحاصيل.
رغم أن المنطقة تقع ضمن حدود محافظة نينوى، إلا أنها تتبع إدارياً محافظة دهوك بإقليم كوردستان.
وقال مختار قرية كلشين، "كنا أول العائدين، حين عدت لم يكن معي سوى مركبة حمل صغيرة وأربعة رؤوس من الماعز، أما الآن فلدي 2000 رأس من الغنم، كما أننا نمارس الزراعة وسبل عيشنا مثال يحتذي به كل سكان المنطقة".
وأضاف، "أزرع محصول الحنطة غالباً، لأن أرضي تنتج الكثير من الحنطة عالية الجودة التي تعتبر من أغلى أنواع الحنطة في المنطقة"، الى جانب ذلك، يزرعون الفواكه والخضروات التي تسد احتياجاتهم.
وفقًا للنتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق، يعيش 16 بالمائة فقط من سكان إقليم كوردستان في المناطق الريفية و84 بالمائة في المناطق الحضرية. في حين أظهر تعداد عام 1997، أن نسبة سكان الريف في الاقليم كانت 26 بالمائ مقابل 64 بالمائة في الحضر.
لكن نسبة سكان القرى في العراق أعلى، حيث يعيش 70.3 بالمائة في المناطق الحضرية و29.7 بالمائة في المناطق الريفية.
من بين الـ 36 قرية التي تفتخر إدارة المنطقة بوفرة انتاجها المحلي من اللحوم والمحاصيل الزراعية، سكان 30 قرية منها من المسلمين، ويقطن البقية أبناء المكون الايزيدي.
تقول غالية حاجو، (55 سنة)، وهي من سكان قرية مقبل، إنها كانت تمتهن الخياطة في المدينة وكان زوجها سائق مركبة حمل، "عندما سمعنا بعودة السكان، قلنا إنها أرضنا وسنذهب لنعيش فيها. حالتنا المعيشية جيدة، فأنا الآن أربي جميع أنواع الطيور والدواجن وابيعها. أما زوجي فلديه بستان زيتون."
" إخواننا المسلمون هم من بادروا بالعودة وتأهيل القرى... لدينا بيئة نظيفة حقًا، والحياة في القرية أفضل، وكل منتجاتنا محلية."
عودة الأهالي إلى قراهم زادت بنسبة 50 بالمائة مقارنة بالسنوات العشر الماضية، بحسب إدارة المنطقة ، حيث تير احصائية لإدارة الناحية الى أن عدد سكان زيلكان ارتفع من 6 آلاف عائلة إلى 12 ألف ، الأمر الذي أثر بشكل مباشر على زيادة الإنتاج المحلي (الزراعة وتربية المواشي).
وفقاً لإحصائية نرتها دائرة الثروة الحيوانية في محافظة نينوى، يوجد في قرى شيخان 9 ملايين رأس من الأغنام والماعز، إلى جانب 5 آلاف رأس من الأبقار.
مدير دائرة الثروة الحيوانية في نينوى، ضياء أحمد، قال " أعداد الدواجن ازدادت في هذه القرى، من ضمنها أعداد البط، الديك الرومي، الدجاج، الإوز والطاووس... كما أن أهالي المنطقة يولون اهتماماً كبيراً بتربية النحل، بدورنا نساعدهم عن طريق توفير المبيدات والمستلزمات الأخرى".
وأضاف ضياء،" عملهم يكمل بعضه الآخر، فهم يعيدون استخدام مخلفات الحيوانات كأسمدة ويستخدمون مخلفات الحدائق كعلف للحيوانات، ونحن نقدم لهم المشورة باستمرار".
كل شيء في هذه القرى ينتج محلياً، "لكن ما أعاد تأهيل المنطقة وشكل دعماً كبيراً لهم هو وجود نهر الخازر".
وقال ضياء أحمد،"ما أثار اهتمامي في هذه القرى هو أنهم عندما يذبحون الأبقار والأغنام والماعز، يعيدون استخدام الفراء والجلود لسد الاحتياجات المحلية".
حامد تمور دينو (66 سنة)، من سكان قرية بابا، قال،"لقد عادت الحياة إلينا، وضعنا المعيشي تحسن، نحن الآن منشغلون بالزراعة".
حامد يزرع الطماطة، الخيار، الباذنجان، الفراولة والبطيخ في الصيف، أما في الشتاء فيزرع اللفت، الشوندر، القرنبيط والفجل.
فرص عمل وسط بيئة نظيفة
ويقول الذين عادوا إلى القرية إنهم تحسنوا من لجانب المالي والنفسي، ويشددون على أن تأمين العيش صار أسهل بالنسبة لهم في القرية.
عدلي علي (51 سنة)، من سكنة قرية برازي - إحدى قرى شيخان- يقول إنهم كانوا يعانون من وطأة الفقر قبل عودتهم إلى القرية، "في بعض الأحيان كانت لدي القدرة على شراء قميص واحد فقط في السنة. والآن الحمد لله، ندفع في بعض السنوات 150 مليون دينار كزكاة".
عدلي فقد زوجته خلال فترة حكم حزب البعث، بعدها انتقل من القرية إلى المدينة. وقد عاد إلى قريته قبل عامين.
إلى جانب الزراعة، لديهم 16 رأس بقر تنتج ما بين 25 و 30 كيلوغراماً من الحليب يومياً.
بيئة القرية أنظف بكثير، والحياة فيها أبسط لكنها تتطلب أحياناً الكثير من الجهد.
عدلي لا ينام بعد أداء صلاة الفجر، حيث يبدأ بتنظيف حظيرة لمواشي مع أبنائه، ومن ثم يحلب الأبقار ويحضر الخبز الحار.
"بعد الفطور أقوم بتصفية الحليب وأعطيه لأبنائي لكي يبيعوه"، ويقول عدلي بأنه يبيع كل كيلوغرام من الحليب بثلاثة آلاف دينار.
على الرغم من أنهم يعيشون في القرية، إلا أن ثلاثة من أبناء عدلي الستة تخرجوا من الجامعة، أحدهم مدير المركز الصحي في زيلكان والآخران معلمان.
سعداء بالعيش في القرية
يقول الخبير الاقتصادي والمطلع على عودة سكان قرى جبل مقلوب إن"الدول المتقدمة تفكر دائما في تعزيز الإنتاج المحلي، إخلاء القرى في السنوات السابقة كان له تأثير مباشر على النمو الاقتصادي وإنتاج اللحوم والدواجن في المنطقة".
وأضاف، "سكان القرى الذين ينتقلون إلى المدن يشكلون عبئا على المدينة حيث ينشأ ضغط أكبر على إدارات المدن من أجل تأمين الاحتياجات وفرص العمل ... عودتهم ستسد الفجوة في الإنتاج المحلي وتخلق فرص عمل لهم، كما سيخف الضغط على المدن".
توجد علاقة مباشرة بين انخفاض الإنتاج المحلي وزيادة الاستيراد الذي يقع على عاتق الدولة ، ويقول ناصر إن "الاستيراد تكلف المستهلكين رسوم الضرائب والجمارك والنقل. إذا كان الانتاج محلياً، فسيحصل المستهلك على المنتج بنصف سعر المستورد"، وأضاف، " تأهيل القرى سيفضي الى مزيد الانتاج وفرص العمل وسيؤدي إلى المزيد من الرفاهية".
ويقول قائممقام قضاء شيخان، سردار يحيى، إن العودة إلى القرى كانت مبادرة سكان القرى أنفسهم، لكن الحكومة لم تقصر في إنجاح المبادرة.
وقال يحيى "بذلنا جهودنا لاعادة اراضيهم اليهم عن طريق إدارة محافظة نينوى وساعدناهم من خلال توفير الخدمات والإعمار"، واشار سردار الى أن توفير الخدمات لهذه القرى لم يكن أمراً سهلاً لأنها أخليت منذ 15 عاماً.
وقال قائمقام شيخان " الانتاج المحلي من اللحوم الحمراء والبيضاء والخضروات والفواكه والحبوب ازداد، والآن يتاجر اهالي هذه القرى بالدواجن، المواشي والمنتجات الزراعية، المياه متوفرة في المنطقة وهي ميزة تساعد السكان".
وقال قائممقام ناحية زيلكان، محمد أمين، إن نسبة العودة ارتفعت خلال السنوات العشر الماضية بنسبة 100 بالمائة، حيث تشير الإحصائيات الى أن عدد العوائل ارتفع من ستة آلاف الى 12 ألف عائلة.
إجمالاً، يعيش في القرى الـ 36 حوالي 55 الف شخص، وتعد هذه القرى بحسب الدستور العراقي من ضمن المناطق المتنازع عليها بين حكومة اقليم كردستان والحكومة الاتحادية ، لكنها تدار من قبل حكومة اقليم كوردستان.