مشروع تربية النحل الذي يديره صالح محمود لم يواجه قطّ تهديداً كالذي يواجهه الآن، حيث يوشك الحقل الرئيسي الذي يتغذى عليه النحل أن يجف بسبب التغيرات المناخية، الأمر الذي يضعف مقاومة النحل ويجعله معرضاً للزوال.
يستمد النحل طاقته من الرحيق الذي يجمعه من النباتات المزهرة، فيما يحصل على البروتين والمواد المغذّية الأخرى من حبوب اللقاح، لكن الزهور والخضرة في كرميان أصبحت ضحية للتغير المناخي الذي يشمل الجفاف وقلة الأمطار.
"التغير المناخي ألحق بنا خسائر كبيرة، سواء من حيث عدد النحل وكمية الانتاج، فزوال مصادر الغذاء يؤدي إلى زوال النحل نفسه، حيث تضعف مقاومتها وتصبح فريسة للحشرات والطيور وبعض الحيوانات الأخرى كالضفادع والسحالي والوروار، كل هؤلاء أعداء للنحل"، بحسب صالح محمد أمين.
صالح الذي يبلغ من العمر 48 سنة قضى أكثر من نصف عمره في تربية النحل وإنتاج العسل، وهو الآن يملك مشروع مناحل الشفاء في قرية سيد خليل بقضاء كرميان التابع لإدارة كرميان (محافظة السليمانية). يؤمن المشروع معيشة سبع عوائل، عدد الصناديق يتفاوت سنوياً ويتراوح بين 100 و 300 صندوق.
يوجد في كل صندوق ما بين خمسة آلاف و 25 ألف نحلة، إنتاج كل صندوق يختلف حسب الفصول والأعوام والمناخ. ينتج مشروع صالح سنوياً ما بين 500 كغم و 1500 كغم من العسل.
آثار التغير المناخي ألحقت أضرار بأغلب القطاعات في كرميان من ضمنها مشاريع تربية النحل وإنتاج العسل، حيث أدت التغيرات المناخية إلى انتشار بعض الأمراض وزوال مصادر غذاء النحل وبالتالي تراجع انتاج العسل.
يعتبر العراق وإقليم كوردستان خامس أكثر دول العالم تأثراً بتداعيات تغير المناخ وعلى رأسها الجفاف.
رهيل شكور محمود (32 سنة)، صاحب مشروع منحل سروشت في قرية باريكه بناحية قورتو التابعة لكرميان، اشتكى أيضاً من تأثيرات التغير المناخي، "أعداد نحلنا تتغير، سنوياً نضع ما بين 250 و 350 صندوق، ينفق عدد كبير منها بسبب تغير المناخ وانتشار الأمراض".
مشروع رهيل يمثل مصدر رزق ست عوائل مؤلفة من 20 فرداً. يقول رهيل الذي يربي النحل منذ 13 عاماً إن عام 2022 كان الأكثر وفرة في الإنتاج حيث كان كل صندوق ينتج 10 إلى 15 كيلوغرام من العسل، "في السنوات الأخيرة تراجع انتاج الصندوق الواحد من العسل إلى ثلاثة كيلوغرامات"، بحسب رهيل الذي عزا السبب إلى التغيرات المناخية.
أكثر من 324 نحال مسجلون رسمياً في كرميان يملكون ما مجموعه تسعة آلاف و500 صندوق نحل. إنتاج العام الماضي من العسل كان 31 طن و511 كيلوغرام، وفقاً لإحصائيات حصل عليها موقع (كركوك ناو) من دائرة زراعة كرميان.
مسؤول شعبة حماية النباتات في المديرية العامة لزراعة كرميان، نبز جهانكير، قال لـ(كركوك ناو) إن "التغيرات المناخية كان لها تأثير مباشر على أعداد النحل وإنتاج العسل، بالأخص العام الماضي"، وأشار إلى أن هطول الأمطار تأخر العام الماضي في الوقت الذي يعتمد فيه النحل على رحيق الأزهار وحبوب اللقاح كمصدر للغذاء، نتيجة لذلك قلت أعداد النحل.
تشدد منظمة الأمم المتحدة على أن آثار التغير المناخي بالأخص الجفاف وارتفاع درجات الحرارة تشكل تهديداً حقيقياً على النحل وانتاج العسل في العالم.
عبدالمطلب رفعت، خبير إدارة البيئة والموارد المائية قال لـ(كركوك ناو) إن "التغيرات المناخية شكلت خطراً كبيراً على الأنظمة البيئية المتنوعة في كافة أنحاء العالم، ويعد النحل من بين الأحياء التي تتأثر بشكل كبير بهذه التغيرات".
نتيجةً لإرتفاع درجات الحرارة في العالم، تغيرت المواطن الطبيعية للعديد من الحيوانات، بما في ذلك النحل، كما أوضح رفعت، فالنحل ينمو في درجات حرارة معينة، وعندما ترتفع درجة الحرارة عن نطاقها المثالي، يكون النحل في خطر مباشر بالانقراض، وسيضطر إلى الانتقال إلى بيئة أكثر أمان.
وقال رفعت عبد المطلب، وهو أيضًا محاضر في جامعة كرميان، "قد تؤثر هذه الهجرة على صحة النحل وقوة مستعمراته، في حين أن فقدان المواطن بسبب تغير المناخ أدى إلى انخفاض مواقع التعشيش المناسبة بنسبة 30 بالمائة في بعض المناطق".
تربية النحل تتغير وفقاً للمواسم، حيث تقل أعداد النحل في الشتاء إلى خمسة آلاف نحلة في كل صندوق تتولى الإعتناء بالملكات، في حال قلت أعداد النحل عن هذا الحد لن تتمكن من تدفئة نفسها وتصبح ضعيفة، لكن في الفترة من الربيع حتى الخريف، يجب أن يكون عدد النحل في كل صندوق 10 آلاف نحلة وإلا لن تتمكن من إنتاج العسل.
بحسب رهيل، يحتاج النحل إلى ظروف خاصة للبقاء على قيد الحياة وإنتاج العسل، مما يجعله عرضة لتقلبات درجات الحرارة.
يواجه النحالون تحديات أخرى ناجمة عن المواد الكيميائية التي تستخدم في الأراضي الزراعية القريبة من المناحل، فضلاً عن نفايات المجمعات السكنية والتي تجذب النحل وتعرضها للأمراض.
التغير المناخي أدى إلى انتشار نوع من الطيور يسمى الوروار أو آكل النحل في اقليم كوردستان والتي تهاجم النحل وتقضي عليه، "بعض النحل الذي يخرج للتغذي على رحيق الزهور يفشل في العودة... النحل ذكي ويتجنب الخروج ويختار البقاء في صناديق النحل لكن شح الغذاء يصيبه بالضعف".
وقال رهيل إن أعداداً كبيرة من النحل تموت سنوياً بسبب استخدام المبيدات الحشرية من قبل المزراعين، إضافة إلى انتشار بعض الأمراض مثل الفاروا الذي تفشى في السنوات الأخيرة، إلى جانب أمراض أخرى مثل السبورين والأكارينا والنوزيما.
أماكن تربية النحل يجب أن تكون بعيدة عن المنازل والأطفال والأضواء الليلية، ويجب أيضاً أن تكون بعيدة عن المواشي لأن الروائح الكريهة تضر بالنحل.
ويقول مسؤول شعبة حماية النباتات في زراعة كرميان إن "تغير المناخ تسبب بانتشار مرض الفاروا وطائر الوروار... لذا يتعرض النحالون لخسائر جسيمة".
يبيع النحالون العسل العالي الجودة بسعر يتراوح بين 40 ألف و 60 ألف دينار عراقي للكيلوغرام الواحد في السوق، غير أن الأزمة المالية وتأخر صرف الرواتب أدى إلى كساد سوق العسل.
وقال صالح محمد أمين إن " الحكومة لا تقدم لنا أي دعم من حيث الدعم المادي والتسويق والأدوية ومنع تهريب العسل من دول أخرى إلى داخل الإقليم، دور الحكومة منحصر بتقديم بعض الإرشادات".
قال شكر: "لم تساعدنا الحكومة في توفير المواد والأدوية والمستلزمات، ومنع تهريب العسل الأجنبي، وفشل المنتجات المحلية، بل اكتفت بتقديم الإرشاد الزراعي".
واشتكى رهيل أيضاً بالقول "لم تساعدنا الحكومة بتاتاً"، في الوقت لذي يضطرون فيه لدفع 250 ألف دينار سنويًا لتجديد تراخيص المشاريع. إضافةً إلى ذلك، عيّنوا مشرفين زراعيين يتفقدون مشاريعهم أسبوعيًا، "ما تفعله الحكومة معنا ظلم".
يوجد في إقليم كردستان أكثر من ثمانية آلاف مربي نحل ، بإجمالي 350 ألف خلية نحل، وفقًا لإحصائيات حكومة إقليم كردستان.
وقال مدير قسم الخدمات الزراعية في زراعة كرميان، إسماعيل محمد، لـ(كركوك ناو) ،"منذ عام 2014، لم نتمكن من تقديم أي مساعدة لمربي النحل بسبب الأزمة المالية. دعمنا يقتصر على التنسيق مع نقاط التفتيش الأمنية للسماح لهم بنقل نحلهم إلى المناطق الباردة".
يتراوح الإنتاج السنوي للعسل في إقليم كردستان بين 550 650 طنًا، بينما يتجاوز الطلب المحلي ألفي طن. وقد قررت حكومة إقليم كردستان البدء بتصدير العسل قبل عدة سنوات.
يقرّ نبز جهانكير بأن زراعة كرميان والحكومة بشكل عام لم يقدموا أي مساعدة لمربي النحل بسبب الأزمة المالية، حيث لم تكن لديهم التخصيصات اللازمة لتوفير الأدوية والمستلزمات الأخرى.