الأعمال التجارية تحتاج حِلماً وأناة ضعف ما تحتاجه الأعمال الأخرى، ذكرى امتلكت تلك الصفات أكثر من غيرها، بدأت من الصفر وكلها ثقة في نفسها، وتنوي منافسة رجال الأعمال في مجال التجارة.
في مستهل دربها افتتحت ذكرى نوئيل يوسف (29 سنة) محل بيع الملابس، لم تكن مبيعاتها تتجاوز العشرة آلاف دينار اسبوعياً، لكنها لم تيأس وهي الآن بانتظار استلام قرض خارجي سيُمَكِّنها من تهيئة فرص عمل لعشرات النساء والفتيات.
"ينبغي على النساء أن يدركن بأن منافسة الرجال في الأعمال التي ارتبطت فيما مضى بالرجال فقط ليس أمرا مستحيلاً، كل ما يحتجنه هو السعي وبذل الجهد"، هذا ما تقوله ذكرى.
ذكرى هي من المكون المسيحي وتعيش في ناحية القوش في سهل نينوى، إن كنت سألتها قبل خمس سنوات عن عملها كانت ستجيب بأنها ربة بيت، لكن اجابتها اليوم مختلفة، "أنا منافسة للرجال في مجال التجارة والقطاع الخاص."
في عام 2015، حولت ذكرى أفكارها الى خطوات عملية، افتتحت في المكان الذي كانت تسكن فيه محلاً لبيع الملابس النسائية.
"صدّقني كنت أبيع اسبوعياً ما قيمته 10 آلاف دينار فقط، في بعض الأيام كان محلي يخلو من الزبائن، لكنني لم أتخلَّ عن عملي، لأنني كنت أدرك بأن الأمر يحتاج الى الصبر والتأني."
قرار ذكرى بفتح المحل عقب مرحلة حرب تنظيم الدولة (داعش) والنزوح ، عندما كان الناس بصدد بدء حياة جديدة.
ذكرى وأسرتها نزحوا نحو محافظة دهوك هرباً من بطش داعش وعادوا بعد ذلك.
"لجأت الى ثلاثة طرق في بداية عملي وتمكنت من خلالها جذب الزبائن: جلب الملابس ذات الجودة العالية، اقناع الزبون بشراء قطعة ملابس واحدة على الأقل قبل مغادرة المحل وأخيراً وضع نسبة ربح قليلة على المبيعات."
مرت فترة قصيرة حتى بات بعض الزبائن يقدمون طلبات خاصة لجلب بعض الملابس، ومن هناك خطت ذكرى خطوات أكبر صوب الأعمال التجارية.
"ليست لدي شهادة رفيعة، ولكن تبين لي بأن عدم امتلاك شهادات رفيعة لا يشكل عائقاً أمام السعي للعمل وكسب دخل مالي جيد، بل أن هناك العديد من الخريجين وأصحاب الشهادات العاطلين لعدم امتلاكهم الارادة والهمة"، ذكرى لديها شهادة السادس الابتدائي وكانت قد تركت المدرسة بسبب ظروف خاصة.
تزوجت ذكرى نوئيل في عام 2006، وهي الآن أم لثلاثة اطفال، زوجها الذي يعمل كمدرس يساعدها في تأمين نفقات الحياة، لأن راتبه الشهري لا يكفي لتوفير جميع مستلزماتهم.
"زوجي يساعدني أثناء العطلة الصيفية، ولكن العبء الذي على عاتقي يثقل في أوقات الدوام المدرسي، حيث أن على الاعتناء بالأطفال الى جانب ادارة عملي اليومي."
طمحت ذكرى الى توسيع نطاق عملها، لم ترد أن تحصر عملها ضمن محل واحد، وذلك بالرغم من أنها زادت مبيعاتها من 10 آلاف دينار الى 100 ألف دينار في الاسبوع الواحد.
استفسرت وبحثت عن فرصة تُمَكِّنها من توسيع وتطوير عملها، الى أن جاءتها الفرصة في آذار 2020 حينما شاركت في ورشة عمل نظمتها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) وذلك بهدف الحصول على قرض مالي مقداره خمسة ملايين دينار.
"أريد أن أوسع عملي، لكنني بحاجة الى الأموال، لست أنا فقط، معظم أصحاب الأعمال الأخرين في القوش بحاجة الى العون، لذا نطمح في الحصول على القرض الذي تمنحه الوكالة الأمريكية."
من سوء حظها، استَجدَّت تداعيات جائحة كورونا، نتيجة لذلك انخفضت مبيعات محلها وتأجل حصولها على القرض المالي.
"صحيح أن مبيعات محلي تراجعت، لكنني لن أيأس، فليس من شيمتي التخلي عن طموحاتي أبداً."
استفادت العديد من النساء في القوش من تجربة ذكرى، "بتشجيع مني وبعد سماعهم قصة نجاحي فتحت العديد من النساء محال خاصة بهن وأصبحن نساء أعمال."
وتشير احصائية قامت بها نقابة العمال في قضاء تلكيف بأن نسبة 40% من محال بيع الملابس، مستحضرات التجميل والمستلزمات النسائية الأخرى تُدار من قبل نساء وفتيات.
وضعت ذكرى هدفين نصب عينيها، كسب دخل مالي جيد بجهدها وعرقها وتمهيد الطريق للنساء لكي يصبحن قوة فاعلة وكسب المنافسة.