قصتي
كاريز؛ تقول لك بإمكانك اثبات نفسك

شجّعت العديد من النساء على ممارسة التايكواندو وتعلم كيفية الدفاع عن النفس، لأن هذا أمر ضروري لهن

كاريز؛ تقول لك بإمكانك اثبات نفسك

  • 2020-12-17

لم يخطر أبداً ببالها بأنها ستمكن يوماً ما من انتشال نفسها من مستنقع اليأس، لكنها الآن اصبحت المنقذة لعشرات النساء. كاريز ليست الآن مدربة رشاقة و تخفيض الوزن فقط، بل أصبحت تقدم لك المساعدة النفسية، تظم برنامج حياتك وتدلُّك على طرق الوصول الى السعادة النفسية. وفي الأخير تقول لك "بإمكانك فعل ذلك."

كاريز صلاح الدين (29 سنة) مدربة و مديرة مركز رشاقة في كركوك، امرأة شابة و مفعمة بالنشاط، أمّ صلبة لطفليها، دائماً ما تحاول ترك أثر ايجابي في كلماتها حين تتحدث معك، دائمة التفاؤل في أقوالها وأفعالها.

تراها يوماً تتجول في شوارع كركوك لتتنشق الهواء الطلق، ويوماً آخر تراها تمارس الرياضة داخل قلعة كركوك، "الصالة الرياضية ليست المكان الوحيد لممارسة الرياضة، الطبيعة التي من حولنا كلها أماكن للرياضة، الهواء الطلق في الخارج له فوائد أكبر لصحتنا"، هذا ما تقوله كاريز.

"أنت امرأة، ابقَي في البيت"

ما وصلت اليه كاريز لم يكن سهل المنال، رُزِقَت بمولودها الثاني عندما كانت في سن الـ21، وكانت في ذلك الوقت طالبة في المرحلة الثالثة في قسم اللغة الانجليزية بجامعة كركوك -لم تكن ترغب بالدراسة في ذلك القسم-، في ذلك الحين انتابتها على حد قولها حالة الكآبة ما بعد الولادة و ازداد وزنها بشكل كبير.

"كنت أحس بأن جسدي ليس الذي كنت أعرفه وأحسست بعدم الارتياح الشديد. لم أكن أتصرف أو أفكّر مثل قبل... لم تكن الأمور تسير بصورة اعتيادية، اردت ان أتصالح مع نفسي"، تقول كاريز.

karez22

كاريز صلاح الدين أثناء أداء بعض التمارين    تصوير: تارا عزيز 

لكن المعوقات التي صادفتها و القيود المفروضة من المحيطين بها منعتها من التخلص بسهولة من حالة اليأس والكآبة التي كانت تعاني منها. "لم يكن مسموحاَ لي الخروج لوحدي، منعوا عني أن يكون لي حساب على شبكة فيسبوك، العمل كان محظوراً عليّ، حتى أن اساتذة جامعتي كانوا يقولون لي أنتِ أُمّ، لست بحاجة للدراسة، اقعدي في بيتك."

في عام 2011، ونتيجة للضغط النفسية والجسدية التي كانت تعاني منها، تخلّت كاريز عن دراستها وهي في المرحلة الثالثة من الدراسة الجامعية، "أحسست بأن ذلك لم يكن ما كنت أريده. في ذلك الوقت كان اطفالي صغاراَ جداَ، كما أنني لم أجِد نفسي في ذلك المجال و شعرت بأنني لن أتمكن من إحداث أي تغيير."

قررت كاريز أن تصبح ربة بيت، قرار نال استحسان البعض من المحيطين بها. "بالنسبة للبعض في المجتمع مكان الأمهات هو البيت"، كما قالت كاريز.

لكنها قررت بعد ذلك الوقوف بوجه الصعاب و تغيير نمط حياتها. سارت عكس التيار و اتّبعت احلامها.

"نقطة البداية كانت العمل على إنقاص وزني، ما ساعدني في ذلك كان اطّلاعي الواسع على ذلك المجال عن طريق الانترنت وما قرأته عن المدربين العالميين، الأمر الذي كان يمنحني طاقة ايجابية يوماً بعد يوم، شعرت بالسعادة حين رأيت ان أغلب المدربين كانوا نساء"، في عام 2012 بدأت كاريز التدرب والرياضة بصورة فعلية.

"بدأت م التفاصيل الصغيرة، كنت أستيقظ باكراً في الصباح وأخرج من البيت لأتمرّن، وهو أمر لم يكن معتاداً رؤيته في كركوك."

الى جانب التمرين والرياضة، عادت كاريز الى الدراسة مرة أعرى في عام 2016، لكن هذه المرة اختارت ما كانت ترغب به، وهي كلية الرياضة في نفس الجامعة.

الدراسة، التدريبات و تربية الأطفال، خصصت وقتاً لكل واحدة منها، نجاحها في تنظيم حياتها مكَّنَها من أن تباشر عملها كمدربة في عام 2017 و حازت على العديد من الشهادات من الاتحاد العراقي في مجال الرشاقة، الى جانب شهادات مقدمة من الأكاديمية البريطانية للطب الرياضي، دورات تايكواندو و رفع الأثقال.

"في البداية واجهت صعوبة في اقناع أسرتي بالسماح لي بممارسة الرياضة، باعتقاد أسرتي والمجتمع، الرياضة ليس لها مستقبل ولن تؤمن لك فرص عمل، لكنني أثبتت لهم العكس"، تقول كاريز.

باعتقاد أسرتي والمجتمع، الرياضة ليس لها مستقبل ولن تؤمن لك فرص عمل، لكنني أثبتت لهم العكس

كاريز تدرس الآن البرامج المتعلقة بالطب الرياضي وعلم النفس. في عام 2019 اصبحت مديرة مركز أهلي للرشاقة في كركوك.

تخلّصت كاريز من اليأس الذي انتابها وأصبحت شخصية معروفة في مدينتها، وتتولى تدريب عشرات النساء في المركز الذي تديره.

كورونا؛ فرصة جديدة

جائحة كورونا مكّنَت كاريز من الوصول الى النساء اللواتي لم يكن بمقدورهن الخروج من البيت و التدرب في الصالات الرياضية. كاريز استغلت تلك الفرصة على احسن وجه و تمكنت من تخطي حدود المحافظة و البلاد.

"هدفي الآن ليس الرياضة فقط، بل منح الطاقة و اعادة الحياة الطبيعية للنساء اللواتي لا يقدرن التمتع بحياتهن بحريّة"، تريد كاريز أن تساعد النساء على ايجاد أنفسهن.

"أحياناً كنّ يخبرنني بأن أهاليهن لا يسمحن لهن بالمجيء للصالة الرياضية، أو أن لديهن أطفالاً صغار في العمر. شعرت بأن هناك مسؤوليةً تناديني."

karez3
كاريز مع طفليها    تصوير: تارا عزيز

في مطلع عام 2020، أعلنت كاريز عن طريق صفحة انستاجرام عن تنظيم دورة عن بعد (أونلاين)، بعد ذلك استخدمت تطبيقات واتساب و تيليجرام للوصول الى المشاركين.

في غضون شهور قليلة وأثناء فترة الحجر المنزلي جمعت قرابة 150 مشاركة، ليس من كركوك فقط بل تقول بأن العديد من النساء اتصلن بها من السعودية، الكويت والدول الأوروبية.

تقول كاريز "عملي ليس محصوراً بالتمارين الرياضية، بل اعمل على الجسد والحالة النفسية والطاقة الكامنة للإنسان. اخترت هذه التفاصيل لأنني امرأة وأدرك ما تمر به النساء واين تكمن آلامها وكيف تغيرت وكيف كانت خطوات التغيير التي مررت بها."

اخترت عملي هذا لأنني امرأة وأدرك ما تمر به النساء واين تكمن آلامها وكيف تغيرت وكيف كانت خطوات التغيير التي مررت بها

هي لا تريد التقيد بين جدران الصالة الرياضية، "شجّعت العديد من النساء على ممارسة التايكواندو وتعلم كيفية الدفاع عن النفس، لأن هذا أمر ضروري لهن."

المشاركات في الدورة قُسِّمن الى مجموعتين، المشاركات على تواصل يومي مع مدربتهن، وينبغي عليهن ارسال تقرير يومي حول نشاطاتهن خلال ذلك اليوم، وهو ما أدّى الى حدوث تقارب أكثر وشجعهن على الافصاح عن همومهن لكاريز.

عمل كاريز قد توسّع كثيراً واصبحت الدورات تقام حسب مستويات مختلفة والمواد التي تدرس تتعلق ببناء العضلات، حرق الدهون والسعرات الحرارية، تنظيم الغذاء والدعم النفسي عن طريق التأمل والتنفس.

"يهمني أن اساعد الأمهات لكي لا يضعن، لكي يعرفن موطئ أقامهن ولا يرتبكن بين الأمومة وتربية الأطفال و ضرورة الاعتناء بأنفسهن."

"أريد أن اقول لأي شخص يقرأ قصتي هذه بأنني كنت في يوم من الأيام وحيدة، دون مال، دون دعم وأواجه العديد من العوائق، انتشلت نفسي من أعماق اليأس والاحباط، لذا حاولي أنت ايضاً وساعدي نفسك بصمت الى أن يحين الوقت الذي تتمكنين فيه من اثبات نفسك"، هذه كانت نصيحة كاريز الأخيرة للنساء.

 

أكثر

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT