كلما تذكرت تلك الأيام يقشعرّ بدني وترتجف أطرافي
كلما تذكرت تلك الأيام يقشعرّ بدني وترتجف أطرافي
ماضيها مليء بالبؤس والمرارة، كلما ذكَرَت تفاصيله، انتابتها الآلام التي قاستها في تلك الأيام، لكنها قررت عدم السكوت و جابت البلاد سعياً لاسترداد حقوق مكونها باحثة عمّن يصغي لقصتها.
"لا أريد الخوض في ذلك الواقع المرير أبداً... كلما تذكرت تلك الأيام يقشعرّ بدني وترتجف أطرافي"، هذا ما قالته إخلاص.
وتقول بأن الهدف من رواية قصتها هو ايصال قضية الفتيات الايزيديات الى العالم أجمع.
إخلاص خدر، (20 سنة)، لا تريد أن تبكي أبداً لأنها ترى بأن البكاء يضعفها وأن هذا ما يريده داعش، وذلك ما أدى الى أن يتم اختيارها مع خمس نساء أخريات كأحد أكثر سيدات العام تفاؤلاً.
اللقب منحتها له مؤسسة الدكتور دينيس موكويجي في عام 2019.
"الجائزة تًمنَح للنساء القويات اللائي يواجهن البؤس والعنف الجنسي بتفاؤل وأمل"، حسبما قالت إخلاص.
بداية المعاناة
كانت إخلاص في الرابعة عشرة من عمرها حين أجهض داعش كل أحلامها، لكنها لم تيأس، لذا تراها اليوم واقفة على قدميها مواصلةً الكفاح.
"لم أكن أتصور أن يحدث شيء كهذا ونتعرض لما تعرضنا له في مثل هذا العصر، إن أردت رواية قصتي كاملة فسأحتاج الى سنة."
في 3 آب 2014، حالها حال الآلاف من الايزيديين، نزحت عائلة إخلاص من قرية تل القصب جنوب جبل سنجار لكنهم وقعو في اسر داعش عند وصلهم لقرية قني.
الى جانب إخلاص وقع والداها، اثنان من اشقائها، شقيقتها و زوجة أحد اشقائها في قبضة التنظيم.
"ما لن يفارق ذهني أبداً، هو مقتل والدي أمام ناظريّ."
نُقِلَت عائلة إخلاص من سنجار الى قضاء تلعفر غربي محافظة نينوى؛ هناك تم فصل أفراد عائلتها، الأطفال الذكور الى جبهات القتال و الكبار اقتيدوا الى مكان مجهول.
"توسلت اليهم كثيراً كي لا يأخذوا والدتي، بكيت كثيراً وقبّلت حذاء أحد مسلحي داعش لكنهم اصروا على أخذها."
مرارة الأسر
إخلاص كانت الوحيدة التي بقيت من عائلتها، بعدها اقتيدت مع مئات الفتيات الايزيديات الى سوق "السبايا" في احدى أبنية مدينة الموصل.
"مكثت هناك لثلاثة ايام، كل مسلح داعشي كان يأتي ويأخذ فتاةَ معه، شعرت بالذعر، أحدهم كان ذو لحية طويلة وملامح مخيفة اختار فتاةً بعمر العاشرة لكي يعتدي عليها جنسياً."
لم تنجُ إخلاص من تلك المحنة، وقعت في يد أحد مسلحي داعش الذي اغتصبها و آذاها جسدياً.
"بعد مدة أصبت بالغثيان وبعض الأعراض الغريبة، شعر مسلحو داعش بالأمر و نقلوني الى المستشفى، وهناك علمت بأنني حامل."
نُقِلوا بعد ذلك من الموصل الى البعاج جنوب غرب الموصل، هناك وضعوا إخلاص مع 60 فتاة أخرى في قرعة و وزّعن بموجبها على مسلحي داعش.
"كنت من نصيب داعشي سمين ذو لحية طويلة و محلوق الشارب اسمه ابراهيم فرحان ويُكَنّى بـ"أبو جنة"، وكان عمره 34 سنة."
اصطُحِبَت إخلاص الى بيت ذلك المسلح في مدينة الموصل ومكثت في منزل بصحبة زوجته.
التعذيب، السجن والهروب
أولى محاولات إخلاص للهروب كانت في منزل أبو جنة، أخذت هاتفه الجوال واتصلت بعمها حيث كانت تحفظ رقم هاتفه.
"عمي و شقيقي (الذي كان خارج سنجار ولم يقع في أسر داعش) وضعوا خطة لهروبي."
هربت إخلاص من المنزل مرتدية رداء المحجّبات، لكن بسبب عدم معرفتها العناوين في مدينة الموصل أُسٍرَت مرة أخرى في أحد الأسواق.
"قام أبو جنة و زوجته بمعاقبتي، حبسوني في غرفة مظلمة، ضربوني بعصيّ الماسحات وكسروا ثلاثاً منها على جسدي، أغمي علي ولم يعطوني الأكل ليومين متتاليين."
أثناء توجهه لقتال البيشمركة والقوات العراقية، اصطحب ابو جنة معه إخلاص من أجل اشباع رغباته، هناك حاولت الهروب مرتين فشلت في كلتيهما وبعد كل محاولة فاشلة ذاقت العقاب والتعذيب، لكنها لم تيأس.
"في احدى الليالي كانت هناك مواجهات مسلحة عنيفة، توجه الداعشيون للقتال وبقي واحد منهم لحراسة الفتيات الايزيديات، كنا قد سرقنا هاتفاً، تمكننا عن طريق أقاربي من التواصل مع قاسم ششو (القائد السابق لبيشمركة سنجار) لكي يخبرنا كيف ننجو بأنفسنا."
تمكنت إخلاص مع فتاتين أخريتين اقناع الحارس بجلب الطعام لهن، وبعد ان ابتعد الحارس حطموا باب الغرفة وتمكننّ من الفرار.
في احدى ليالي شتاء 2015، بدأت ثلاث فتيات ايزيديات رحلة للوصول الى جبل سنجار وسط منطقة تشهد مواجهات ساخنة.
"كانت ليلة باردة جداً، وكانت هناك مواجهات عنيفة، كنت أشعر بألم كبير في بطني، كنا نعلم بأن أهالينا متواجدون على جبل سنجار، لكننا ضللنا الطريق."
طلب مسلحو داعش منهن عن طريق مكبرات الصوت العودة وتعهدوا بعدم المساس بهن.
"لم نصغ لأقوالهم و تمكننا بعد جهد كبير من الوصول الى جبل سنجار، كانت الدماء تسيل من اقدامي.. رايت الموت بأم عيني، قلت لرفيقاتي اذهبوا انتم لأني على وشك الموت، كل ما اريده هو أن تدلوا عائلتي على مكان جثتي، فقدت الوعي، كنت قد فقدت جنيني."
قامت الفتاتان الأخريتان بمساعدة إخلاص على المسير، في الساعة الخامسة من فجر 30 كانون الثاني 2015 نجوا من تنظيم داعش و دخلوا المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات البيشمركة.
تفاؤل في أعماق اليأس
وصلت إخلاص الى منزل شقيقها في ناحية باعدري بقضاء شيخان، وبعد فترة بدأت البحث عن عائلتها.
بعد شهرين نجت والتها من قبضة داعش، وفي عام 2017 تحررت زوجة شقيقها ثم في 2019 شقيقتها، لكنها للآن لا تعرف مصير شقيقيها المفقودين.
اختطف تنظيم داعش ستة آلاف و 417 ايزيدي، لا يزال مصير أكثر من ألفين و800 منهم مجهولاً.
"بنفسية محطمة و مرهقة، حاولت حمل السلاح والتوجه لجبهات القتال لكنني لم استطع."
بعج فترة من تلقيها العلاج النفسي وبعد ستة اشهر من نجاتها، هاجرت مع والتها الى أوروبا عن طريق منظمة ألمانية.
استقروا في ألمانيا، ولكن بعد مدة توفي شقيقها جراء اصابته بمرض.
بعد ايام من وفاة شقيقها وتحديداً في تشرين الثاني 2017، رَوَت إخلاص قصتها في جلسة للأمم المتحدة وطلبت العون من دول العالم لإنقاذ الفتيات الايزيديات و استرداد حقوق النساء في العالم.
وقالت في تلك الجلسة "أقسمت على أن لا أسكت... بآمالي، سأعيد البسمة الى جميع المظلومين."
منذ ذلك الحين، جابَت إخلاص عشرات الدول في أوروبا والعالم سعياً لإيصال قضية الايزيديين، تسرد قصتها في البرلمانات وتحاول حشد الدعم للإقرار بجرائم داعش ضد الايزيديين كجرائم إبادة جماعية.
استأنفت الدراسة في ألمانيا وهي الآن طالبة في معهد التمريض. تعشق الموسيقى والتمثيل ايضاً، لأنها ترى بأن الفن سيساعدها على سرد مأساتها بصورة أفضل.
"أراد داعش محو الايزيديات، لكنه لم يعرف بأن هذه المرة الرابعة والسبعون التي يتعرض فيها الايزيديون للإبادة الجماعية دون أن ينجحوا في محو ذلك الدين، الايزيديون يختارون الموت على الخضوع ولن يتخلوا عن ديانتهم"، تقول إخلاص.
كاروان باعدري
\\\\\\\\\\\\\\\\
إخلاص خدر (الثانية من اليسار) تم تكريمها مع خمس سيدات أخريات في عام 2019
إخلاص خدر (الثالثة من اليمين) مع ثلاث ناجيات من قبضة داعش تصوير: حساب إخلاص خدر الخاص على فيسبوك
إخلاص خدر مع قاسم ششو، القائد السابق لبيشمركة سنجار تصوير: حساب إخلاص خدر الخاص على فيسبوك
إخلاص خدر مع والدتها في ألمانيا تصوير: حساب إخلاص خدر الخاص على فيسبوك