قصتي

كاميران تحدى الحروب والدمار بالكتب والثقافة

  • 2021-03-24

زينب المشاط - كركوك ناو

لم يقف كاميران كمال (25 عاما) متفرجا حيال ما حل بمدينته سنجار من دمار وتهجير، فحاول اشعال شمعة وسط الظلام، بافتتاحه مكتبة "اورشينا" لبيع واعارة الكتب وتشجيع الشباب على الثقافة.

هذه الفكرة لاقت تجاوبا من الشباب العائدين في قضاء سنجار الذي يسكنه اغلبية من المكون الايزيدي، لكن تنفيذها لم يكن بالأمر السهل، فهي في نظر مؤسسها "تحدي الحروب والطائفية ومعالجة الدمار بالكتابة والثقافة".

قبل عام 2014، كانت الحالة المادية لكاميران وعائلته المكونة من عشرة افراد "صعبة للغاية"، لهذا اضطر لترك الدراسة بعد تخرجه من المرحلة الاعدادية، وتفرغ للعمل خارج مدينته من اجل كسب العيش، يقول كاميران لـ(كركوك ناو).

فذهب إلى مدينة شقلاوة بمحافظة أربيل وعمل هناك وفي نيته جمع المال لاكمال دراسته الجامعية، لكن خططه ذهب ادراك الرياح عندما شن تنظيم الدولة "داعش" هجومه على قضاء سنجار في آب 2014، مما دفع عائلته للنزوح خوفا من الاختطاف والقتل كونهم من اتباع الديانة الايزيدية.

ترك كاميران عمله والتحق بعائلته ليسكنوا في احدى هياكل الابنية المتروكة في مدينة اربيل، بعدها انتقل الى مخيم بيرسفي للنازحين.

واستمر هذا الحال لغاية 2018؛ حين بدأ كاميران بالتنقل بين سنجار والمخيم، لكنه ابقى عائلته في المخيم، لغاية عام 2020 ليتركوا المخيم نهائياً.

kameran-2
نينوى، 2021، كاميران كمال ويظهر خلفه اثار الدمار لمدينة سنجار

السنوات التي عاشها كاميران في المخيم استثمرها بقراءة الكتب، ويقول لقد "كنت اقضي ايامي كلها في المطالعة، اثناء النزوح قرأت قرابة 400 كتاب، كانت جميعها كتباً الكترونية، بعد ان فقدت مكتبتي في سنجار في بيتنا والتي كانت تحوي اكثر من مئة كتاب".

وبينما كان ساكنوا المخيمات يشكون همومهم، كان كاميران يحلق في قراءته للكتب، ويقول لقد "أطلقت مبادرة الكترونية فيما بعد لجمع الكتب، وجمعت الآلاف منها، وبدأت اقرأ وانشر ملخصات للكتب على حسابه الشخصي في فيسبوك.

شيئا فشيئا تفاعل القراءة مع ما ينشره كاميران حول الكتب في منصات مواقع التواصل الاجتماعي، بعدها بدأت أطلق مبادرات أخرى مثل جمع الكتب وإعارتها مجاناً للراغبين بالقراءة خاصة لأولئك النازحين معه في المخيم.

بعد ان استعادة الموصل من قبضة تنظيم داعش، أصبحت لكاميران الفرصة للعودة لسنجار، ولو لبضعة أيام، يشير إلى تلك الزيارة: لقد "رجعت الى سنجار وكان حال بيتي بائس جداً.

"البيوت اصبحت شبه هياكل، وهي على حالها منذ التحرير وحتى اليوم، أما بالنسبة لبيتي فليته تهدم على أن يبقى حاله بهذا الشكل من دون ابواب وشبابيك، مسروق ومجرد من كل شيء تماما" يصف كاميران مشاهد العودة.

منزله الذي يقع في منطقة بربروش إحدى الاحياء الفقيرة في سنجار التي اصبحت مهدمة بنسبة 75% بعد سيطرة عناصر تنظيم "داعش"، وحتى اليوم لم يتم اعمارها.

كانت ناحية سنوني التابعة لقضاء سنجار الاكثر استقراراً بالنسبة لكاميران، ما دفعه للاستقار فيها مع عائلته وانشاء غرفة معدنية (كرفان) واستعمالها كمكتبة مؤقتة لبيع واعارة الكتب.

WhatsApp Image 2021-03-19 at 9.11.56 PM
نينوى 2021، كاميران يجلس امام مكتبته

بهدف إنجاح مشروعه، ناشد كاميران العديد من منظمات المجتمع المدني المهتمة بدعم سنجار، بتوفير الدعم المالي لمكتبته من اجل اعادة روح الثقافة وتحفز الشباب على القراءة كمحاولة لترميم الدمار وتطييب الجراح الذي أصاب منطقته.

"قرابة أربعون منظمة حكومية واخرى غير حكومية عملت على مناشدتهم من اجل انشاء مكتبة بسيطة لبيع واعارة الكتب لابناء المدينة، ولكن للاسف رغم شعاراتهم الرنانة الا انهم لم يدعموني" يقول كاميران.

لذلك لجئ الى اصدقائه في بغداد والمحافظات الجنوبية من العراق، ونصحوه في المشاركة في برنامج "سبوت لايت العراق" التابع لمعهد غوتا الالماني، وقدم مشروع "المكتبة" كمشروع ثقافي في سنجار من خلال استمارة الكترونية، واستطاع اقناعهم بدعمه بقرابة 35 الف دولار امريكي.    

عاد كاميران الى سنجار، وبدأ مشواره بإنشاء مكتبة من خلال هذا المبلغ الذي لم يكد يسد مصاريف بناءها.

وبمساعدة عدد من اصدقاءه استطاع الحصول على قطعة ارض من بلدية سنجار تبلغ 24 متر مربع، داخل احدى الحدائق العامة، وبنى المكتبة هناك.

وأطلق بعض من اصدقاء كاميران في بغداد والمحافظات الجنوبية حملة للتبرع بالمال والكتب للمكتبة، اسفرت عن توفير أكثر من خمسة آلاف كتاب بلغات عربية وانكليزية وكوردية.

"المشروع بات ثقافياً اكثر مما هو مادياً، يعمل بنظامين، الأول اعارة الكتب وغالبا ما تكون مجانية والنظام الثاني بيعها، وحاليا زبائن المكتبة هم كل القُراء والمثقفين في سنجار من مختلف المكونات".

kameran-1
نينوى، شباط 2021، جانب من مهرجان "رصيف سنجار"

المكتبة لم تكن فكرةً مادية او تجارية، إنها فكرة لـ"تحدي الحروب والطائفية ومعالجة الدمار بالكتابة والثقافة" حسب وصفه.

اطلق كاميران من خال مكتبته عدة فعاليات ثقافية، منها مهرجان "حديقة التآخي" في شهر ايلول 2020، والثاني مهرجان "رصيف سنجار" في شباط 2021، تضمن وضع الكتب على الارض واقترح بناء رصيف ثقافي في سنجار.

"غير أن المنظمات المدعية دعم الحياة في المدن المنكوبة كسنجار لم تساعدنا بشيء حتى الان" يقول كاميران.

يحاول كاميران توجيه رسالة من خلال مكتبته يفيد من خلالها تشجع الشباب على القراءة، وخاصة في المناطق الفقيرة والتي عانت من الحروب والدمار كما هي الحال في سنجار، واتمنى من المنظمات الداعمة الالتفات إلى مثل هكذا مبادرات.

أكثر

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT