قصتي
انقطعت محاولات علاجها بسبب "داعش".. نور فتاة تبصر الإعلام بقلبها فاقتحمته أكاديميا ومهنياً
نينوى/ 2022/ الفتاة نور الكفيفة خلال تقديم برنامج إذاعي في مدينة الموصل تصوير: علي المحبوب

احتفظت بجهاز راديو صغير منذ صغري كنت أتمنى ان أكون مذيعة او مقدمة برامج

انقطعت محاولات علاجها بسبب "داعش".. نور فتاة تبصر الإعلام بقلبها فاقتحمته أكاديميا ومهنياً

  • 2022-05-26

"كنت أحسب أن الغشاوة ستذهب بعد ساعات قليلة. مثل كل مرة تحدث معي بسبب مرض في عيني. لكنها لازمتني منذ ذلك اليوم حتى افقدتني كامل البصر. فصار لزاما عليّ أن أتعلم من جديد أشياء كنت أمارسها بشكل تلقائي.. المشي وطلوع الدرج والأكل وكيف أدرس مثل".

بفم متقوس وعينان تلمعان خرجت هذه الكلمات من فم نور وهي تعتلي منصة عالمية __TEDX للحديث عن تجربتها بعدما خرجت من حقبة داعش بعينين مظلمتين وبصيرة نافذة.

2019 الحدث العالمي الذي حط رحاله في العاصمة بغداد كانت نور الطائي، الفتاة الموصلية 21 عام واحدة من المؤثرين الذين منحوا فرصة الحديث عن تجاربهم امام الجمهور دقيقتان ونصف ملأتها الفتاة بكلام مؤثر بينما الجمهور كله اصغاء.

قبل الوقوف على Tedx

لم تكن تعلم نور ابن الواحد وعشرين عام. أن دخول تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام "داعش"، الى الموصل عام 2014 سيكون سببا في فقدانها البصر إلى الأبد نهاية عام 2015. المرض الذي لازمها منذ طفولتها شوه صورة الحياة في عينيها لتنتظر هي وذويها وصولها الى السن الذي يسمح لها بإجراء عملية جراحية تعيد لها قدرة النظر بعينيها دون عناء. لكن الفتاة اليافعة صدمها سيطرة التنظيم المتطرف على المدينة فتعثرت جهود ذويها في تسهيل إجراءات الخروج بها خارج العراق واخضاعها لعملية جراحية في الهند تمكنها من النظر جيدا. يقول والدها وهو يجلس ينتظرها أن تنهي برنامجها الإذاعي الذي تقدمه بإحدى المؤسسات المحلية في الموصل " حاولت بكل الوسائل في وقتها حتى أتمكن من علاجها حتى لو اضطررت الى بيع بيتي لكن داعش منعني من الخروج واجراء عملية لها على اعتبار ان في دولتهم مشافي وأطباء قادرين على ذلك".

لم يطفئ مكوث التنظيم في المدينة لثلاث سنوات شعلة الأمل لدى نور وهي في أوج انشغالها بتحقيق حلمها الذي انتظرته كثيرا بمسمعها. فملأت أيامها بعد أن أوقف داعش التعليم في المدينة، بالاستماع الى الراديو. الجهاز الصغير الذي صار متنفسا للموصليين اثناء سيطرة التنظيم على المدينة يسمعون من خلاله اخبار العراق وتحريرهم من قبضة داعش. الحلم الذي كانت تتخيله نور وهي ترى الحياة بعينيها حققته بعد التحرير بعد أن رسمه جهاز الراديو وهي لا ترى.

نينوى/ 2022/ الفتاة نور الكفيفة خلال تقديم برنامج إذاعي في مدينة الموصل تصوير: علي المحبوب

تقول نور، لـ كركوك ناو: "احتفظت بجهاز راديو صغير منذ صغري كنت أتمنى ان أكون مذيعة او مقدمة برامج. لم يفارقني المذياع لحظة على مدار ثلاث سنوات مكونة في خيالي صورة لي وانا أقدم برامج إذاعية. لكن لم اعرف كيف السبيل الى ذلك؟".

عام 2018 التحقت نور بأول إذاعة افتتحت في الموصل بعد التحرير. لتبدأ مشوارها الإذاعي ببرنامج لذوي الهمم المبدعين فنالت اعجاب الكثيرين بأدائها وتحضيرها الجيد. يقول عبد الباسط وهو مقدم برامج بذات الإذاعة " أذهلنا أداء نور وهي تقدم للاختبار كانت اول من نالت فرصة الظهور على الجو من بين المتقدمين كانت شبه جاهزة".

واستمرت نور في تقديم برامج إذاعية والظهور في تقارير تلفزيونية حتى عام 2019 لتبدأ تحدّ جديد في حياتها. النجاح من البكالوريا.

تقول نور "كنت اجلس بجوار امي هي تقرا وانا استمع واسجل صوتها بهاتفي الشخصي حتى اراجعه وقت الامتحان".

تمكنت الفتاة من تجاوز الامتحانات لكنها صدمت مرة أخرى بالنتيجة التي كانت تقرأ "غ" لجميع المواد وتعني راسبة بسبب "الغش" تقول نور متفاجئة وهي تبتسم "كيف لي أن اغش في الامتحانات وانا لا أرى أصلا".

عادت وأجرت الاختبارات ثانية لتكون النتيجة بعدها طالبة في قسم الاعلام جامعة الموصل. محققة تقديرات أظهرت تفوقها على قريناتها يحدث كل هذا بدعم كبير من والدها وأهلها وهم يترقبون لها مستقبلا يعوضها فقدانها فرصة العلاج والتمتع بنظر سليم.

نينوى/ نور تقف على منصة Tedx تصوير: علي المحبوب 

يعبر الدكتور محمد علي عميد كلية الاداب جامعة الموصل عن فخره بنور ومن مثلها في تحقيق طموحهم ويردف "انجاز رائع حققته الفتاة بعد ان حصلت على معدل اكثر من 85 بالمئة في امتحانات السادس ودخلت قسم الاعلام في جامعة الموصل بناء على رغبتها".

أما دانيه علاء زميلة نور في الجامعة حيث تدرس معها بنفس الاختصاص فتعامل نور معاملة طبيعية كأي فتاة زميلة لها لأنها لا تريد أن تميزها عن باقي الفتيات حتى لا تشعرها بما فقدت بحسب قولها.

وتتعامل نور مع وسائل التواصل الاجتماعي بشكل يومي وتتواصل مع الجميع عبر خاصية "فويز أوفر" التي توفرها أجهزة الموبايل وتتيح للكفيفات الاستماع الى النصوص المكتوبة وترجمة المقروء.

وثبتت نور منشور لها على صفحتها الشخصية تشرح فيه كيف تتواصل مع المستخدمين والتعامل مع التطبيقات وتكتب على صفحاتها منشورات تحفيزية وتشارك يوميات لها من حياتها الشخصية والجامعية والمهنية ولديها قناة على "التليغرام" فيها اكثر من 200 مشترك معنية بالشعر والاقتباسات وخواطر تكتبها من مثل. "أمضيت فترة طويلة من طفولتي لا أفهم كيف ينام الكبار ليلة العيد بسهولة كيف ينامون من الأساس حتى كبرت ففهمت". ما حدا ببعض المتابعين اتهامها "بالكذب" وانها ترى لكنها تخفي ذلك. ترد نور "فقدت البصر وانا بعمر 13 عام بسبب مرض ضغط العين أي لا يمكنني التمثيل كل هذه الفترة والتقنية اتاحت لنا الكثير ووفرت لنا الكثير وهي في تطور مستمر وهذا يسعدني".

نينوى/ الفتاة الكفيفة نور تجلس داخل باحة جامعة الموصل  تصوير: علي المحبوب

نور تعاني من مشكلة التنقل في الحرم الجامعي والحصول على المقررات الدراسية بسهولة فاقترحت نور أن تؤسس مشروعا "لذوي النور" وهو عبارة عن تجمع لمتطوعين يمكنهم تقديم خدمة للكفيف في أوقات يجدونها مناسبة لهم او تسجيل صفحات من مقرراتهم دراسية لكن المشروع لم ينفذ بعد.

"محظوظة لأنني لم أرَ"...

وتعقب نور على فترة الحرب على داعش بكونها "محظوظة" حيث ترى أنها حين لم تشاهد سقوط منارة الحدباء التي لها وقع كبير في نفسها وتحبها على حد قولها ولم تطلع على اهوال الحرب التي أكلت الأخضر واليابس ولو شاهدتها لآلمها المنظر كثيرا.

وبمثل رؤيتها الأولى. ترى نور نفسها وهي مقدمة برامج تلفزيونية معروفة على نطاق واسع أو تحقق حلمها بأن تتبوأ مكانا لها في الكلية التي تدرس فيها.

ويدعم طموحها تشجيع المقربين منها ولا سيما والدها الذي كان لها عونا خلال مسيرتها التي قضتها حتى الوصول الى هذه المرحلة. وليس ببعيد أن ترى نور. النور قريب.

مجيد العباجي

أكثر

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT