قصتي
٦٠ عاما من الخدمة .. إيرڤن هيكس جونيور القنصل العام للولايات المتحدة في أربيل
إيرڤن هيكس جونيور وعائلته خلال توقيع والده (إيرڤن هيكس سينيور) أوراقه اعتماده كسفير للولايات في جزر سيشل عام ١٩٨٥، وتلك كانت اول مهمة من ثلاث مهام لهيكس الأب كسفير في سيشيل ونائب ممثل الولايات المتحدة في كل من الأمم المتحدة واثيوبيا

٦٠ عاما من الخدمة .. إيرڤن هيكس جونيور القنصل العام للولايات المتحدة في أربيل

  • 2022-10-02

إن اختصار ٦٠ عاما من خدمة واسهامات عائلة هيكس في وزارة الخارجية الامريكية وسلك الخدمة الخارجي ليس بالعمل الهين، ولكن هذه المقالة الافتتاحية تقدم ذلك كقصة امريكية مؤثرة ومتميزة.   

لقد انخرطت عائلتي في مجال الشؤون الخارجية والامن القومي الامريكي حينما استهل جدي العمل كطيار مع الوحدة المقاتلة ٣٢٢ (وهي تشكيل متميز تابع للقوة الجوية الامريكية ويتكون من الامريكيين الافارقة)، حيث قدمت هذه الوحدة اسهامات كبيرة غير معلنة في الانتصارات التي حققوها في مناطق أوروبا وشمال افريقيا خلال سني الحرب العالمية الثانية.

أما والدي، فقد بدأت مسيرته المهنية التي امتدت ٣٨ عاماً كمسؤول للاتصالات يتقاضى مرتبا بسيطا قدره ٤٠١٠ دولار أمريكي سنويا. وقد اشتمل صعوده الوظيفي في السلك الدبلوماسي محطات عدة أهمها نائبا المدير التنفيذي لمكتب الشؤون الافريقية، والمسؤول الإداري لبعثة الولايات المتحدة في برلين الغربية، ونائب رئيس البعثة الامريكية في توغو، ورئيس بعثة الولايات المتحدة في سيشيل وأثيوبيا، وكذلك نائب ممثل الولايات المتحدة في مجلس الامن الدولي التابع للأمم المتحدة بدرجة سفير. كما شغل منصب نائب مساعد وزير الخارجية في مكتب شؤون الموظفين وأيضا نائب مساعد وزير الخارجية لشرق افريقيا في مكتب الشؤون الافريقية. وقد ولدتُ في خضم تلك الرحلة والمسار المهني، اذ تلقيت تعليمي من مرحلة رياض الاطفال وحتى المرحلة الثانوية متنقلا في بلدان مثل مالي والمغرب وجمهورية افريقيا الوسطى وتنزانيا وبرلين الغربية في ألمانيا.   

انضم والدي الى الوزارة في عهد إدارة الرئيس كينيدي في خضم المخاض والعنف والتحولات التي احدثتها حركة الحقوق المدنية في حينه

لم يكن في ذهني آنذاك أن أصبح موظفا في السلك الدبلوماسي لأنني لم أك تواقا أن أحذو طريق والدي رغم تميزه، لكنني أيضا لم ادرك حينها ما إذا كان المثل القائل” الولد على سر ابيه“ سينطبق علي ام لا. لكن رأيي تغير عندما غادرت عالم العمل في الشركات للعثور على مهمة أكثر جدوى وذلك من خلال العمل في القطاع العام.  لقد قادني هذا القرار الى الانضمام لعمل العائلة، اذ عملت في السلك الدبلوماسي كموظف اداري في غينيا ونيجيريا والبرازيل وكلية الحرب البحرية وبوروندي وكنائب لرئيس البعثة الدبلوماسية في موريتانيا ومستشار السياسة الخارجية للقيادة الافريقية في جيبوتي والمفاوض الرئيسي لأول اتفاق أمني للولايات المتحدة مع بولندا في مكتب الشؤون السياسية والعسكرية، ناهيك عن عملي كمستشار أقدم للمكتب الدولي لشؤون مكافحة المخدرات وإنفاذ القانون.

عندما أستذكر تأريخي وتأريخ والدي، الاحظ ان مسارنا المهني قد تأثر بمنعطفات بارزة في التاريخ الامريكي. فقد انضم والدي الى الوزارة في عهد إدارة الرئيس كينيدي في خضم المخاض والعنف والتحولات التي احدثتها حركة الحقوق المدنية في حينه. فقد عاش فترة العزل العنصري بوجود الكافتيريات والاماكن المخصصة لشرب الماء للسود والبيض كل على حدة داخل وزارة الخارجية، وعلى الرغم من كل التحديات الموجودة والصعوبات بسبب التفرقة بين السود والبيض استطاع ابي ان يشق طريقه حيث آمن بأفكار داعية الحقوق المدنية الامريكي من الاصول الافريقية (وليام إدوارد بورغاردت دوبوا) وخاصة السؤال الذي كان يطرحه دوما: ماذا يعني أن تكون أمريكيا أسود البشرة؟ فأبلغ إجابة قدمها والدي لهذا السؤال هي تفوقه الدبلوماسي رامياً وراء ظهره الاحكام المسبقة المتحاملة، وتمثيل الولايات المتحدة بكفاءة عالية على الصعيدين الداخلي والخارجي. لقد كان تدرج وصعود والدي في حياته المهنية بمثابة قدوة حسنة لي في مسعاي نحو التميز، كما إن قدرته على تجاهل كافة الاستفزازات العنصرية والتغلب على الصعوبات المؤسساتية قد رَسَّخ فيَّ الرغبة لإيجاد فهمي الخاص للتميز المهني واغتنام الفرصة لخدمة بلدي كدبلوماسي امريكي شاءت الأقدار إنه، أقولها بكل فخر، أمريكي من اصول أفريقية. 

ان مقتل جورج فلويد وتجدد النقاش الوطني حول العرق وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية في الولايات المتحدة يذكرنا بالمثل القائل” كلما تغيرت الأمور، بقيت الأحوال كما هي“. فوزارة الخارجية الامريكية مازلت تواجه التحدي المتمثل في التحول نحو مؤسسة تمثل انموذجا للتنوع والشمولية والأنصاف. واحدى ملامح مساهماتي في هذا التحول هي الاستجابة لنداء الواجب والعمل كرئيس لمجموعة غداء الخميس المسماة اختصارا (تي.ال.جي) وهي من أقدم مجموعات التقارب التي تأسست عام ١٩٧٣، وتسعى لتوسيع إسهامات الأمريكيين الأفارقة في صياغة وتنفيذ  السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وجدول اعمال هذه المجموعة هو تعزيز مبادرة (آر أي آر إي) للمواهب التي تهدف الى توظيف وتطوير واحتضان وتمكين الأمريكيين من الأصول الافريقية وغيرهم من موظفي الخدمة المدنية والخارجية الأقل تمثيلا، لضمان قدرتنا على المساهمة في قيادة السياسة الخارجية الامريكية وتعزيزها وتمثيلها وتنفيذها في جميع انحاء العالم خصوصا على المستويات الرفيعة.

باتت مسالة التنوع والشمولية من الاولويات المتأخرة لوزارة الخارجية الامريكية، إلاّ إن الجهود تتظافر لضمان ان تكون الوزارة بيئة عمل يتمكن فيها موظفو الخدمة المدنية والخارجية الموهوبين، بغض النظر عن عرقهم او خلفيتهم او ديمغرافيتهم، أن يرتقوا في تدرجهم الوظيفي ويصلوا لكامل امكاناتهم بناءً على اُسس العدالة وتكافؤ الفرص والجدارة المهنية. فهذه المبادئ تعضد من عقيدة اُمتنا: في الاتحاد قوة.

              السيد هيكس يتوسط عناصر من قوة المهام المشتركة في القرن الافريقي في جيبوتي، خلال تسنمه منصب مستشار السياسة الخارجية للقوة المذكورة ٢٠١٨-٢٠١

قصة عائلة هيكس تتشابه مع فحوى الروايات التي قدمها الأديب الامريكي هوراشيو آلجر عن أهمية العزيمة والعمل الجاد بغية الوصول نحو الاهداف المرجوّة،  بل تعبر عن الانموذج الامريكي بكامل ديناميكيته وامكاناته وتفرده ، حيث تمكن احفاد العبيد السابقين والمزارعين وعمال المصانع والرجال والنساء الذين يؤدون خدمتهم العسكرية، من التغلب على الفقر والفصل العنصري والحرمان والعنصرية المؤسساتية ، وأفلحت هذه العائلة أن تقدم لا دبلوماسيا منفردا، بل اثنين من الدبلوماسيين الذين ارتقوا في تدرجهم المهني ليصبحوا اعضاءً بارزين في وزارة الخارجية وسلك الخدمة الخارجي.

تلك بحق قصة أمريكية بامتياز! 

نبذة عن الكاتب: إيرڤن هيكس جونيور أحد كبار موظفي سلك الخدمة الخارجية الامريكية، ويتراس مجموعة غداء الخميس (تي.ال.جي) وقد عمل كمستشار أول في مكتب شؤون المخدرات الدولية وإنفاذ القانون في وزارة الخارجية الأمريكية، قبل ان يتسنم منصب القنصل العام للولايات المتحدة في أربيل بكوردستان العراق. 

 

أكثر

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT