كركوك ناو
كركوك ناو
"ياليت نحن جيران واركِ صباح كل يوم" هكذا تخاطب فتاه ناجية ايزيدية من اسر تنظيم الدولة "داعش" باحثتها الاجتماعية ريتا بهنام التي تبادر هي الاخرى بالقول "انتِ اختي الصغيرة، ساكون بجانبكِ دائماً".
"لقد أصبحنا أصدقاء، في البدء كانت تعاني من اضطرابات نفسية نتيجة اسرها ومعاملتها بقسوة من قبل عناصر داعش، كانت تعاني مشاكل كثيرة في النطق وحتى في النوم، كان لديها هاجس ان يعود داعش لاختطافها، الا انها استجابت سريعا للعلاج والتمارين النفسية المكثفة" بهذه الكلمات بدأت ريتا تسرد قصة عملها كباحثة اجتماعية في مخيمات النازحين بمحافظة دهوك.
"كانت تستقبلني بابتسامة وتحضني، لقد كانت بحاجة لشخص يفهمها، كانت كلماتها في بدء غير مفهومة وتحتاج لمتابعة لوقت طويل، الا انها تحسنت تدريجيا هذا ما اسعدني". ريتا في عقدها الثاني من العمر، ولدت وعاشت في الموصل، تركت مدينتها مع عائلتها وانتقلوا الى دهوك في عام 2007 هربا من سوء الأوضاع الامنية، هناك التحقت بقسم التربية وعلم النفس في جامعة دهوك.
بعد تخرجها باشرت العمل مع فريق تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للإيزيديين وبالأخص الناجيات من اختطاف تنظيم داعش في تشرين الثاني 2016.
"لم تكن لدي أية خبرة في مجال عملي غير المعلومات النظرية التي تلقيتها من الجامعة، وكنت في الأشهر الثلاثة الأولى ألاقي صعوبات لكوني ضعيفة في اللهجة الكرمانجية التي يتحدث بها الإيزيدون التي تختلف عن التي يتحدث بها سكان مدينة دهوك، الى أن تعلمتها وحاولت أن أكون قريبة من الناجيات من الإيزيديات".
بهذه العبارة تصف ريتا بداية عملها. ريتا انتميت الى العمل في منظمة (وادي الألمانية) بعد أن علمت بحاجة منظمة (زيندا) الشريكة لوادي الى باحثة نفسية، إخترت هذا المجال لأنه إختصاصي بالإضافة الى كونه عمل إنساني، وهي تسعى لمساعدة الآخرين، وقد يأتي يوم تكون هي بحاجة إلى المساعدة.
أحيانا تعمل ريتا لغاية السابعة مساءً وفي بعض الحالات لا يهدأ لها البال في الليل إذا كانت لديها إحالة الى المستشفى قد تستوجب البقاء لغاية التاسعة ليلاً.
ريتا تعمل كباحثة اجتماعية تتابع الحالة النفسية للنازحين في مخيمات شاريا، خانكي وباعذري بمحافظة دهوك، وبعض الأحيان تقدم خدماتها الاجتماعية والنفسية لنازحين يسكنون الهياكل (البنايات غير المكتملة) خارج المخيمات.
توضح ريتا صعوبة العمل مع النازحين بقولها: "لا يزال الخوف ينتابهم، ليست لديهم ثقة كاملة بالناس بعدما مروا به، لذلك لا تقدم بعض العوائل أرقام هواتفها الخاصة، وهنالك من يقدم رقمين، ويقولون في حال أُغلق أحد الرقمين، أتصلي بالثاني.
"تحاول ريتا كسب ثقة العوائل التي تزورهم وتردد على أسماعهم دائماَ "لا تعتبرونى أهم منكم، أنا أختكم، إذا قبلتموني أختا لكم أكون ممنونة"، فالأغلبية يتقّبلون هذا الشئ، ويقولون "ماكو أحلى من الأخت".
"أسترسل في الحديث معهم ولا أقاطعهم عندما يتحدثون، فمنهم من يتكلم كثيراً، ومنهم من يحاول إبقائي كي نتجاذب أطراف الحديث، ويتقرّبون مني كثيراً ويجلسون جنبي، بحيث تنمحى الحدود بيني وبينهم". هكذا تصف ريتا طبيعة عملها.
وتتناول المعلومات التي تجمعها الأوضاع الاجتماعية داخل الأسرة النازحة، حالتهم النفسية، الظروف والمشاكل التي عاشوها، نوع الضغوطات، وهنالك بعض الأسئلة لا يستوعبها بعض النازحين فتقربّها لهم بصيغة أمثلة.
واغلب النازحين في محافظة دهوك هم من المكونات الايزيدية والمسيحية والأقليات الأخرى التي كانت تسكن محافظة نينوى، نزحوا بعدما شن تنظيم الدولة "داعش" حملة عسكرية قام من خلالها بمصادرة ممتلكاتهم وقتل واختطاف من وقع بيده منتصف عام 2014.
وتذكر انها صادفت حالة واحدة في باعذري، قامت العائلة بطردها، حينها سألت المريضة "لماذا لاتريدين التحدّث إليّ؟ أنا مثل أختك". قالت المريضة: "كل منظمة تأتي وتسألني عن وضعي، أدوخ وأسقط أرضاً".
فقامت ريتا بزيارة العائلة مجدداً بعد يومين، فإعتذروا حال رؤيتها قائلين، "لم نكن نعرف أنتِ من منظمة وادي"، فقبلوا بمقابلتنا للمريضة وأمها أيضاً التي لم تكن في حال "جيدة". وعن اغلب الحالات التي تواجهها، تقول ريتا "لدينا نازحات تعاني من الأرق، تفكر بالتعليقات التي تنهال عليها من المحيطين بها من قبيل (مرتاحة تعيشين حياتج وأولادج وزوجج بيد داعش! تروحين وتجين وتاكلين وتشربين!) فينزون في البيوت ولا يخرجون كي يتجنبّوا سماع التعليقات".
وتضيف "عند العودة الى البيت أبدأ بالتفكير بالحالة وإيجاد حل للمشكلة، ألجا حتى إلى الإنترنيت، أضع نفسي مكان الحالة وأفكر كيف يجب أن أتصرف عند سماع التعليقات النابية، وكيف أواحه أصحابها، وألجاَ إلى الطبيبة المشرفة من هارتلاند فتصبح الأمور سهلة".
وأوضحت المديرية العامة لشؤون الإزيدية التابع لوزارة أوقاف حكومة إقليم كوردستان، في 3 كانون الاول 2017، عن أعداد الناجيات والناجين من قبضة “داعش” أن المجموع الناجين يبلغ 3207 شخصا، منهم 1137 أمراة و 335 رجلاً، في حين كان اعداد الناجين من الأطفال (الإناث 904) و(الذكور 831).
واختتمت ريتا حديثها بأنها "سعيدة" بعملها على الرغم من الصعوبات ولكن دافعها الانساني يحفزها على تقليل ولو الشي اليسير من معانات الناجيات.