"الإعاقة الحقيقة هي إعاقة القلب والعقل وليس الجسد" شعار ترفعه الموصلية ابتهال محمد ذات الـ 28 عاما، بعد ان فقدت من نصف جسدها الأيمن (العين، والساق) ، وفقدت زوجها وأباها ومنزلها، خلال محاولتها النجاة والوصول من ضفة الظلم ابان سيطرة داعش على الموصل، الى ضفة الامل التي كانت بعيدة عن المدينة حينها.
"الألم يصنع الاعجاز" رسالة ابتهال عبر كركوك ناو
الابتسامة لا تفارق مُحيا ابتهال محمد وهي تقف باستقامة شامخة كنخلة عراقية، لا تهتم لمنغصات الحياة وقساوتها، كاشفة عن قدمها الاصطناعية، لتقول من خلال (كركوك ناو)، " رسالتي الى العالم اجمع هي ان" الألم يصنع الاعجاز والانجاز فقدمي الاصطناعية هذه لا اخفيها لأنها ليست عيبا انما هي فخرٌ".
ذكريات بطعم العلقم
تستذكر ابتهال ماضيها قبل دخول داعش الى الموصل وعند الدخول اليها، قائلة والدموع تتساقط من عينها السليمة اليسرى "قبل تنظيم داعش كانت حياتي طبيعية، متزوجة من الشخص الذي احببته وأحبني لفترة ست سنوات، انهيت دراستي الجامعية (البكالوريوس) تربية بنات جامعة الموصل بدرجة امتياز، وقدمت على دراسة الماجستير وتم قبولي، واثناء التحضيرات لبدأ المرحلة الدراسية الجديدة، هاجم التنظيم المدينة وسرعان ما امسك بقبضته عليها".
تتوقف ابتهال عن الكلام لثواني معدودات ثم تعصر بقوة على هاتفها المحمول الذي تمسكه بيدها اليمنى لتواصل سرد قصتها " كان حلمي النجاح لا الخضوع، ؤفقررت الهرب عن داعش، وكانت الخيارات معدومة للخروج الا عن طريق التهريب، والسبب ان التنظيم وكما يعلم الجميع كان يتهم كل من يحاول الفرار من "دولة خلافته المزعومة" بالخيانة ويقدم على قتله بالحال".
تتابع ابتهال الحديث، كان قرار الهرب الذي اتخذته بعد التشاور مع زوجي (سيف) لا عودة فيها، وكانت الطريقة هي الحصول على تأييد طبي مزيف يحمل ختم التنظيم وشعاره، وكان لي ما اردت، فقدت حصلت على تأييد طبي، وغادرنا انا وزوجي الموصل ليل 26 كانون الثاني-يناير ٢٠١٥.
تُخفض رأسها وتوجه نظراتها نحو الأرض، لتعيد شريط ذكرياتها موضحة "الطريق البري من الموصل نحو سوريا، كان يستغرق أياما، لصعوبة الوضع والقصف الجوي، والعمليات العسكرية، فضلا عن خطر الجماعات المسلحة، فكانت الرحلة مخيفة وبعد ساعات من السير في العجلة، أصبح كل شيء حالك الظلام، وتخالطت الأصوات، والضجيج كان يسود المكان، فلم اقاوم اغماض عيني، والدخول في غيبوبة، لأصحو وانا في مركز صحي على الحدود بين نينوى وسوريا!،، فعلمت ان قصفا جويا استهدفنا وفقدت على أثره ساقي، وإحدى عيني، وزوجي.
أيام عجاف
رجعُت الى منزلنا في الموصل وهذه المرة وحيدة دون زوجي، كانت جدران المنزل موحشة، والالم كبير، وحالتي الصحية تتدهور، لذا حاولت الخروج من الموصل للعلاج فعلا هذه المرة، الا ان داعش رد على طلبي بالرفض لمحاولة فراري السابقة، واستمر الحال على ما هو عليه، لغاية ٣ نيسان_ابريل ٢٠١٦.
هنا وفور ذكر التاريخ بدأت الدموع تتساقط من عين ابتهال مجددا، مؤكدة، ان" هذا التاريخ قاسي عليّ، فهو تاريخ فقدان اخر سند لي والدي الذي توفي بحادث مروري خلال محاولته الهرب من تبادل القصف العشوائي بين القوات العسكرية والتنظيم في الموصل".
الشمس تشرق من جديد
تعود الابتسامة الى محيا ابتهال وترفع رأسها من جديد والبريق يملأ عينها لتقول "نعم تحررت منطقتي البعث في الساحل الايسر للموصل بتاريخ ٢٨ كانون الثاني ٢٠١٧، فكان عليّ واجبا النهوض بسرعة والتحرك نحو هدفي والايفاء بالوعد الذي قطعته لابي وزوجي ونفسي، ان احقق ما بدأت لأجله.
"فأجريت عملية تجميلية لعيني والتي هي عبارة عن تفريغ محتوى ووضع عدسة اصطناعية بدلا عن الاصلية، ثم واصلت الدراسة وحصلت على شهادة الماستر في اختصاص علم النفس الايجابي لذوي الاحتياجات الخاصة على مستوى العراق بدرجة امتياز، ومن ثم حصلت على القلادة الذهبية من قبل وزارة الشباب والرياضة".
المحاولة وراء نيل المراد
لم تكتفِ ابتهال بذلك بل قررت العمل، وبعد نحو ٣٠ محاولة للعمل التي كانت تجابه بالرفض لأعاقتها الجسدية، استطاعت الظفر بفرصة عمل في احدى منظمات المجتمع المدني، كمستشارة لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لمن يعاني من إعاقة جسدية.
ابتهال… نبتة عنيدة في ارض موصلية اصلية
تزيد ضربات القدر من عزيمة الانسان وتحديه في مواجهة الحياة، ابتهال رغم صغر سنها لم تستطع المتاعب ان تقهرها، فبعد موت زوجها ووالدها وقفت وحيد تصارع رياح الإعاقة الجسدية… لم تهرب ...لم تنكسر ... ظلت نبتة عنيدة مغروسة في ارض أجدادها الحدباء.