قصتي

أمال ابراهيم تنشئ مركز لإعادة تأهيل الاطفال المشردين

  • 2023-01-12

سُلمٌ هزيل، وبابٌ عتيق، ولافتةٌ رُسمت عليها أحلامٌ لأطفال، من هُنا بدأت حكايةُ آمال مع مشروعها، الذي بدا كمركز ثقافي ليتحول فيما بعد مركزا لتأهيل أطفال الشوارع من المشردين والباعة الجوالين فهي تؤمن وبحسب قولها أن "الأطفال بيئة خصبة، وأن الطفولة ارضٌ صالحة لزراعة كل شيء، حتى وأن عانت هذه الأرض من الإهمال لفترةٍ ما، إلا أنها قابلة للإصلاح دائما."

آمال ابراهيم 51 عاماً، تحمل شهادة البكالوريوس الاحياء المجهرية في جامعة بغداد، لكنها لم تتخذ من شهادتها الجامعية وسيلةً لتحقيق ما تطمح له، فلجئت إلى افتتاح مركزاً ثقافياً مع أحد زملائها المختصين في مجال الادب الحديث واللغة.

أقامت أمال ورش تدريبية لطلاب المدارس لتعلم القصص، او الرسم او اللغة، تقول "من خلال الورش التي اقمتها، لاحظت أن مستوى التعليم في العراق اصبح هزيلاً، قد يكون هذا ما دفعني لأنشاء مشروع خاص بالأطفال، خاصة واني ام لأربعة اطفال فانا اشعر بمسؤولية دائمة تجاه الطفولة."

الخلافاتُ الطائفية، وغرس مفاهيمها في عقول بعض الاطفال بسبب بيئتهم التي انحدروا منها، فضلاً عن المشاكل الاخلاقية، والمشاكل التعليمية، وغيرها من العادات السيئة كل هذا واجه فريق آمال حين كانوا يزورون تلك المدارس.

 بعد عام 2014 بدأت فكرة انشاء (مركز لتعليم الاطفال) تتبلور لدى امال، تقول "بعد تجاوب العديد من الاطفال، فكرت بعمل مشروع صغير بالتنسيق مع الوزارات المعنية بالثقافة والتعليم، وفاتحتهم بالأمر كما فاتحت عدد من السياسيين ووجدت تشجيعاً على الفكرة، لكن من دون تقديم شيء يذكر فغياب التمويل والدعم كان العذر الحاضر ألسنة السياسيين."

69506142_2644093945622704_4451370986805133312_n
Caption

البحث عن تمويل

بدأت امال ببحث جاد عن منحٍ صغيرة لتحقيق المشروع، وبالفعل حصلت على منحة مقدمة من منظمة أسترالية صغيرة لأطلاق المشروع، وبدأت من هنا بالبحث عن موقع لإقامة المركز، اول صعوبات التي واجهتها "مشكلة الإيجارات الباهظة الثمن."

وتقول امال "بعد زيارتي الى المركز الثقافي في شارع المتنبي، والذي كان يضم العديد من القاعات لتقديم الجلسات والندوات الثقافية والفنية، وقاعاتٌ اخرى تستخدم كمتاحف ومكاتب، طرحت فكرتي على مدير المركز طالب عيسى، وحين وجدته مستمع جيد لي، تفاءلت."

عيسى تجاوب مع آمال ومنحها مهلة ثلاثة أشهر لأثبات نجاح مشروعها هذا، لينطلق المشروع في قاعةٍ صغيرة تتواجد تحت السُلم المؤدي الى الطابق الثاني لبناية المركز الثقافي البغدادي في شارع المتنبي.

"خلف الباب العتيق لهذه القاعة قررتُ أن ارسم للأطفال شيئاً يُشبه الحلم ومن امكانياتٍ بسيطة، وتغاضيت عن مظهر القاعة من الخارج، السلم الهزيل والباب العتيق، ووضعت لافتة مليئة بالألوان والرسوم التي تعد الاطفال خيراً وكتب على هذه اللافتة (مركز المتنبي الصغير)."

انطلق المركز بتعليم الاطفال اللغتين العربية والانكليزية والفنون والاعمال اليدوية وبعض الالعاب، فضلاً عن مكتبة للقراءة، وفتحت آمال الابواب لكل من يرغب بتقديم ورش تعليمية للأطفال من زائري هذا المركز الذي كان مفتوحاً وبحسب قولها "لجميع الاطفال من دون استثناء."

نقطة تحول

في شارع المتنبي يتواجد بعض الاطفال المشردين، ومنهم الباعة الجوالين، والذين كانوا يتجمعون احيانا عند باب قاعة مركز المتنبي الصغير للتلصص على العاب الاطفال هناك، إلا انهم كانوا يواجهون بالطرد من قبل حرس البناية.

في هذه اللحظة؛ قررت آمال التدخل وتقول "اتفقت مع حرس البناية بعدم التدخل بشؤون هؤلاء المشردين وتركهم لي، وحين سألت أحدهم إن كان يرغب بالانضمام الى المركز كان يجيبني بسؤال آخر وهو (وهل تقبلين انتِ بإدخالنا؟)، هُنا ايقنت ان اطفال كهؤلاء يرغبون بتغيير حياتهم إلا أن لا احد حتى الآن مدّ يده اليهم."

قررت امال افتتاح مركزها لأطفال الشوارع من المشردين او الباعة الجوالين، وقالت "في حال رفضي لإدخال هؤلاء الاطفال وضمهم الى المركز، سأكون واحدة من الاف الاشخاص الذين ينبذون هذه الفئة من المجتمع، وإذا لم نحتويهم نحن فسنساهم باتخاذهم سُبُل سيئة."

43050719_2237327659868442_8517725767868612608_n
Caption

صعوبة التعامل مع الأطفال المشردين

واجهت آمال صعوبة كبيرة بتوظيف سلوكيات اطفال الشوارع، ودمجهم مع الاطفال الاخرين، تقول "كانت سلوكياتهم في بادئ الامر عشوائية جداً، يفتتحون علب الاطعمة ويسرقون بعضها ويتناولون البعض الاخر، حتى انهم يأخذون بعض الالعاب خلسةً، في بادئ الامر تغاضيت حتى وجدت سبيلاً لتوجيههم، تجاوب معي الكثير منهم واصبح بعضهم يجلب الى المركز اطعمة، والعاب مما يستطيع جلبه ووفق امكاناته، ليشارك بها اطفال المركز."

صعوبة التعامل مع الاطفال المشردين لم تواجه امال فحسب، بل التعامل مع أهالي هؤلاء الاطفال كان الامر الاصعب، تقول "الكثير من أهالي هؤلاء الاطفال تهجموا على المركز ولأكثر من مرة واتهموني بأني الهي ابنائهم عن العمل، وأن الاطفال بدأوا يهتمون بتفاصيل لا تُشبع البطون ولا تُجني الاموال ومن هنا تكونت لدي فكرة عرض مبيعات الاطفال من الباعة الجوالين الى البيع اثناء بقائهم للتعليم في المركز."

قامت امال بعرض بضائع الاطفال من الباعة الجوالين للبيع في احدى زوايا مركز المتنبي الصغير، بالمقابل يستمر هؤلاء الاطفال بحضورهم دروس اللغة والعلوم والفنون والالعاب، تقول آمال " بدأت عوائل هؤلاء الاطفال بالتجاوب معي، شعرت اني استطعت كسب فئة كانت منبوذة من المجتمع سواء بالنسبة للاطفال او لأسرهم، وهذه كانت مسؤولية كبيرة بالنسبة لي كما انها خطوة تدل على نجاحي."

أكثر من 80 طفل مشرد استطاعت امال دمجهم في مركزها، فضلا عن الف طفل اخر، تقول امال "رغم نجاحي مع الكثير من هؤلاء الاطفال لتجاوبهم معي، الا اني فشلت مع اثنين من المشردين وذلك بسبب تعرض احدهم لعنف جنسي، بينما ينتمي الاخر لعائلة مكونة من عصابات وقد شهد حالات قتل وخطف وتعنيف ما جعله وحش صغير، فشلت بمعاملته، واضطررت الى استبعاده لحماية الاطفال الاخرين."

فكرة آمال التي كان بأمكانها أن تكون واحدة من المشاريع الحكومية في العراق لضم المشردين واعادة تأهيلهم ودمجهم بالمجتمع لم تُلاقي اي عناية من قبل اي جهة حكومية او سياسية حتى الان، حالياً تعمل آمال على تطوير مركزها المصغر، ليتحول خلال الاشهر القليلة المقبلة من قاعة صغيرة تحت سُلم المركز الثقافي البغدادي، الى قاعتين كبيرتين تتناسبان وعدد الاطفال والفعاليات التي ينظمها المركز.

أكثر

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT