كان من المتوقع ان يكون منزل عبدالله الواقع بقضاء تلعفر مفخخا بعد استعادته من قبضة داعش، وكان الجميع يخشون من الدخول اليه، الا أحد أبنائه اقترح بزجّ شقيقه المصاب بمتلازمة داون، إلى وسط الدار، والانتظار لبضع الوقت للتأكد من خلوها من المتفجرات.
لم يجابه المقترح رفض افراد العائلة، ومن ضمنهم والدهم عبدالله، وطلب مباشرة من ابنه المصاب بمتلازمة داون بالدخول الى المنزل واحراك بعض الموجودات، للتأكد من خلوها من المتفجرات.
سلمت عائلة عبدالله مصير ابنها المصاب بمتلازمة داون للقدر، حيث كان من المتوقع ان ينفجر المنزل في حال كان مفخخا، لذا ابتعد جميع اعضاء العائلة من المنزل بعد دخول ابنهم (فارس) الى داخله.
ومن الغريب أن الأب استحسن الفكرة، وأقدم على الطلب من ابنه ذي الـ18 عاماً بالدخول إلى المنزل وتحريك بعض الأشياء من أماكنها، الأمر الذي نفذه "فارس" الشاب الذي لا يعي ما يقدم عليه. وقضى في المنزل نحو ساعة، حيث حالفه الحظ، وخرج بعدها، لترجح العائلة خلوه من المتفجرات، بعد تردد وحذر.
وقعت هذه القصة في شهر تشرين الاول 2017، بعدما استعادت القوات الامنية العراقية السيطرة على قضاء تلعفر من قبضة مسلحي تنظيم داعش ولم تتمكن القوات الامنية حينها من تطهير المنطقة من العبوات والمخلفات الحربية.
خططوا بزجّ ابنهم المصاب بمتلازمة داون، إلى وسط الدار
وفي غضون العاميين الماضين، اسفرت انفجار العبوات الناسفة والمخلفات الحربية التي زرعها تنظيم داعش عن مقتل اكثر من 70 شخصا في قضاء تلعفر.
احتارت عائلة عبد الله، حين عادت إلى منزلها في قضاء تلعفر غرب الموصل، بعد استعادها من سيطرة داعش، أن تجازف في الدخول إلى المنزل خوفا من تفخيخه من قبل التنظيم، الا انهم خططوا فيما بعد بزجّ ابنهم المصاب بمتلازمة داون، إلى وسط الدار، والانتظار لبضع الوقت للتأكد من خلوها من المتفجرات، بحسب مصدر مقرب من العائلة طلب عدم ذكر اسمه.
"فارس"، وهو اسم مستعار لشاب ذي 18 عاما من سكنة تلعفر ويعيش مع عائلته المكونة من سبعة أفراد، لا يجيد الحديث سوى بلغة الإشارة، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة كونه مصابا بمتلازمة داون.
متلازمة داون (Down syndrome) هي مجموعة من الصفات الجسدية والنفسية الناتجة عن مشكلة في الجينات تحدث في مرحلة مبكرة ما قبل الولادة. يكون الأولاد الذين يعانون من متلازمة داون ذوي ملامح مميزة في الوجه، شكلهم الجانبي (بروفيل) مسطح والرقبة قصيرة. كما يعاني هؤلاء، غالبا، من التخلف العقلي بدرجة معينة. وتتفاوت حدة علامات المرض من مريض إلى آخر، لكنها تترواح، بشكل عام، ما بين الخفيفة جدا والمتوسطة.
يصادف يوم 3 كانون الاول من كل عام، اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة، الا ان تلك الطبقة تعيش في ظروف صعبة بسبب عدم اهتمام الحكومة بتلبية احتياجاتهم.
وتوجد قرابة مليون وخمسائة الف شخصا من ذوي الاحتياجات الخاصة في العراق، بحسب احر احصائية لمركز الاحصاء والذي صدر عام 2016 باستثناء محافظتي نينوى وانبار ومحافظات اقليم كوردستان، وبحسب الاحصائيات غير الرسمية وبعد انتهاء الحرب ضد داعش، ارتفعت الاحصائية الى اكثر من ضعف.
بعدما غاب عن المنزل في إحدى المرات، قامت العائلة بربطه وسجنه داخل المنزل
فارس هو احد الامثلة لذوي الاحتياجات الخاصة كما يتحدث عنه عائلته، ويعيش في ظروف معيشية صعبة.
وعن تفاصيل حياة فارس، يقول الشخص المقرب من عائلته انه "يقضي يومه خارج المنزل دون أن يسأل أحد أفراد عائلته عنه أو يكلف نفسه في الاطمئنان عليه".
ويضيف "فارس نفسه ينتقل من جارٍ إلى جارٍ ومن محل إلى آخر، وينتشل من وسط النفايات قطع الحديد والألعاب المكسرة".
ويتابع "بعدما غاب عن المنزل في إحدى المرات، قامت العائلة بربطه وسجنه داخل المنزل، إلا أنه يمتاز بقوة أهلته لكسر القيود والفرار منهم".
القريب لعائلة عبدالله، يتحسر على حال فارس المصاب بمتلازمة دوان ويقول "كان على الحكومة العراقية أن تأخذ هذه الشريحة بنظر الاعتبار وتوفر لهم مراكز خاصة ومنح رعاية اجتماعية".
قانون رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة رقم 38 لسنة 2013، عرّف الإعاقة بأنها تقييد أو انعدام قدرة الشخص بسبب عجز أو خلل في أداء التفاعلات مع محيطه، كما عرّف ذوي الإعاقة بأنهم أولئك الذين فقدوا القدرة كلياً أو جزئياً، المشاركة في حياة المجتمع نتيجة عاهة بدنية أو ذهنية أو حسية.
"لا برامج ولا خطط لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة، بل لا تأمين لمتطلباتهم العلاجية
الحقوقي جمال جاسم اشار الى قانون رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة ودعا إلى "ضرورة دمج أولئك الأشخاص مع شرائح المجتمع الأخرى، وعدم تمييزهم نتيجة عوقهم، وتأمين الحياة الكريمة لهم، بل وإيجاد فرص عمل لهم في القطاعات العامة والخاصة على حدٍ سواء".
ودعا جاسم إلى "ضرورة دمج أولئك الأشخاص مع شرائح المجتمع الأخرى، وعدم تمييزهم نتيجة عوقهم، وتأمين الحياة الكريمة لهم، بل وإيجاد فرص عمل لهم في القطاعات العامة والخاصة على حدٍ سواء".
ويقع قضاء تلعفر على بُعد 70 كم شمال غرب مدينة الموصل، سيطر عليه داعش في حزيران 2014، قبل أن تعاود القوات الأمنية في استعادتها في أب 2017.
بدوره يرى الناشط سلام عدنان، أن "لا برامج ولا خطط لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة، بل لا تأمين لمتطلباتهم العلاجية والاجتماعية والنفسية، من قِبل المؤسسات الحكومية ولا منظمات المجتمع المدني".
ويضيف لـ(كركوك ناو)، أنه "في قضاء كتلعفر، نفتقر في الأصل إلى قاعدة بيانات عن أعداد المعاقين واحتياجاتهم، كما نفتقر إلى مراكز التأهيل والمدارس الخاصة في ظل غياب الدور الحكومي والمنظمات".
وأشار عدنان في محضر حديثه إلى أن تلعفر تضم أعداداً كبيرة من المعاقين، فقد شهدت المدينة مئات التفجيرات التي خلفت ألاف المعاقين في صفوف المدنيين والعسكريين، إلى جانب من يعانون الاعاقة لأسباب عضوية ووراثية.