في قرية نائية بمنطقة كرميان، يسكن طفل اشقر نحيف البنية، يصرخ بصوت عالي من على حائط مدرسة قريته وينادي على المعلمين ويقول "اريد ان ادرس والعب مع هؤلاء الاطفال، لماذا تمنعوني من الدراسة والجميع يدرسون ويتعلمون بدون مشاكل؟".
لاوند حسيب، يبلغ من العمر تسعة اعوام، ولكن لا احد يجيب على صرخاته، مما اجبره ذلك على تخطي الحائط ودخول المدرسة والتشبث بأرجل المدير وانهاله بالبكاء.
هكذا يتكرر مشاهد لاوند حسيب اليومي في قرية شاوازي التابعة لناحية ميدان بقضاء كلار، على الرغم من انفكاك عائلته وابتعاد والدته، الا ان والده وتعليمات وزارة التربية اصبحا عائقا امام تسجيل في المدرسة.
ليلى احمد، مراسل (كركوك ناو) وعضوة فريق منظمة وادي الالمانية في كرميان، شاهدت للمرة الاولى الطفل لاوند في عام 2018، وقبله مدير المدرسة انذاك كطالب مستمع في المدرسة بعدل طلب من فرق منظمة وادي.
بدأ باللعب انذاك، وجلس في الصف مع الطلاب واستلم الدفاتر والكتب مع الاقلام، وكان طالبا طبيعيا ويستمع الى المعلمين.
في العام الدراسي 2018، وبجهود فرق منظمة وادي الالمانية وبعد اقناع مديرية تربية كرميان، تم قبول لاوند كطالب مستمع في مدرسة قريته، الا ان مشاكله عادت للواجه في العام الدراسي الحالي مرة اخرى.
بعد تغيير عدد من المعلمين، لم تقبل الادارة الجديدة للمدرسة بالطفل لاوند كمستمع في المدرسة، وعاد لاوند مرة اخرى يشاهد المدرسة من على الحائط، ان اكبر مشاكل لاوند هو عدم امتلاكه لهوية الاحوال المدنية، وان وزارة التربية لا تسمح بدخول الطلاب الى المدرسة ما لم يسجل فيها رسميا.
يعيش لاوند حياة صعبة في قريته، في حين يقضي والده اغلب اوقاته خارج القرية وينشغل بتربية المواشي ويرجع الى المنزل فقط في الليل.
بعدما زواج والدته مع والده في عام 2003، وانجابهما طفلة، شقيقة تكبره عمرا، الا ان حياتهم الزوجية انتهت بالطلاق، وكان لاوند انذاك عمره شهرا واحد فقط.
ومنذ ذلك الحين عاش لاوند في قريته بصحبة جده وجدته، الا ان شقيقته ذهبت بصحبة والدته ولم يشاهدا بعضهما البعض منذ ذلك الوقت وبعد اعوام فقد لاوند جده وجدته واصبح حياته اصعب بكثير مقارنة بالفترة الاخيرة.
ويقضي لاوند اغلب اوقاته مع والده خارج القرية، ويختلط قليلا بالاطفال خلافا لزملائه الذين يقضون اغلب اوقاتهم في المدرسة واللعب فيما بعد مع بعضهم العبض داخل القرية.
منظمة وادي الالمانية ومحامي متطوع من منظمة ولاء، يبذلون جهودا في المحاكم لاستصدار هوية الاحوال المدنية للطفل لاوند، الا ان مشكلة هذا الطفل هو ان والده لا يعتني باستصدار الهوية له ويقضي اغلب اوقاته بتربية المواشي واعماله اليومية.
كاوة عبدالله، احد المعلمين في مدرسة القرية والذي حاول كثيرا مع لاوند على ان لا يضيع دراسته قال في حديث لـ (كركوك ناو) ان "قرار ابعاد لاوند من المدرسة يتعلق بعدم امتلاكه للهوية الاحوال المدنية، ووالده لا يهتم باموره وبدلا من ذلك جاء وهددنا ويعتقد بأن المدرسة مذنبه في قضية ابنه".
والده لا يهتم باموره وبدلا من ذلك جاء وهددنا ويعتقد بأن المدرسة مذنبه في قضية ابنه
وبعد تهديدات والد لاوند، وفي بداية العام الدراسي الحالي، تدخلت قوات اسايش ناحية ميدان واحتجزت الطفل لاوند ووالده لعدة ساعات، هذا بحسب ما قاله كاوة عبدالله.
ويقول حسيب علي، والد لاوند بأنه لا يستطيع مراجعة الدوائر المعنية بهدف اصدار هوية الاحوال المدنية وتربية ابنه لاوند بسبب انشغاله بامور الحياة.
"العام الماضي وبناءا على طلب من فرق منظمة وادي، تم قبول لاوند كسامع في المدرسة، ولكن العام الحالي وبعد فترة وجيزة من افتتاح المدارس ابوابها، اخرجوا لاوند من المدرسة"، واضاف حسيب بأن ابنه تعلم العام الماضي القرأة وكتابة بعض الحروف.
واضاف والد الطفل لاوند بأن "تعامل المعلمين العام الحالي مع ابنه لم يكن جيدا، وعلى اثر ذلك اشتبكت معهم... لانهم ضربوا أبني وطلبوه بتقليد اصوات الحيوانات".
بعد العراك مع المعلمين واخراج ابنه من المدرسة، ويفكر حسيب بترك القرية ويقول "المدرسة ليست ملكا لوالدهم، وهي ملك جميع الاطفال، لا اريد ان يEضيع مستقبل ابني كما ضاع مستقبلي".
ووافق حسيب بناءا على طلب منظمة وادي بزيارة المحاكم لاستصدار هوية الاحوال المدنية لابنه، ومن المقرر ان يمتلك لاوند هويته الخاصة نهاية الشهر الجاري.
كاوة عبدالله والذي كان يراعي لاوند كثيرا عندما كان مستمعا في المدرسة يقول "لا استطيع ان انادي عليه كالسابق، ولا اريده ان يعود الى المدرسة بسببي ويتعرض للمشاكل كما تعرض له بداية العام الدراسي الحالي".
وبحسب الميثاق العالمي لحقوق الاطفال، التعليم حق من حقوق الاطفال وحرمان الطفل من التعليم تعتبر انتهاكا لحقوقهم.
ويقضي لاوند الان اغلب اوقاته في الجبال برفقة والده، ويعود في وقت متأخر من اليوم الى منزله في القرية ويعود الى مكانه في اليوم التالي لرعي المواشي.
التعامل القاسي الذي يتعرض له الطفل لاوند، يأتي بالتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الانسان والذي يصادف اليوم الثلاثاء 10 كانون الاول من كل عام، والذي يؤكد فيه اغلب الدول على تحقيق حقوق الانسان.
مستقبل الطفل لاوند ليس واضحا، الاشخاص الذين كانوا يتهمون به اصبحوا يتخوفون على مستقبله بسبب مخاوف تعرضه من انفجار الالغام عليه اثناء انشغاله بتربية المواشي.
عندما علمت بان لاوند يعيش في ظروف خاصة، كنت اهتم به كثيرا
كاوة عبدالله يقول "المنطقة مليئة بالالغام، توفي شاب كان يبلغ من العمر 33 عاما قبل 10 ايام بسبب انفجار الالغام عليه ولا نعلم ما الذي يتعرض له هذا الطفل مستقبلا".
اهالي القرية، يرجعون جزءا من المشاكل لوالد لاوند ويقولون لا يتهم كثيرا باستصدار الهوية لابنه، ولا يختلط باهالي القرية بعد عودته من العمل، مما ادى ذلك الى الدفع بمصير لاوند الى المجهول ومعلقا لغاية اليوم، الا ان بعضا منهم يساعدون الطفل لاوند ويقدمون له الطعام والمستلزمات اليومية.
"لاوند احد ضحايا الطلاق، يشعر بالجوع والبرد يوميا ولا يمتلك الملابس كافية لفصل الشتاء، كما ولا يوجد شخصا يطعمه طعاما طازجا، ومنزلهم بارد جدا وفارغ من المستلزمات ويدفئ نفسه عن طريق حرق الحطب، كما وان عدد من اهالي القرية لا يسمحون لاطفالهم بالاختلاط مع لاوند"، كلاويز محمد، من اهالي القرية قالت ذلك لـ (كركوك ناو).
تلك المشاكل جعلت من لاوند عدم معرفة التعامل مع الاطفال الاخر، عندما كان مستمعا في المدرسة وهذا ما زاد الطين بلة.
المعلمة سكالا ازاد والتي كانت محاضرة مجانية في مدرسة القرية تقول "عندما علمت بان لاوند يعيش في ظروف خاصة، كنت اهتم به كثيرا، ولكنه لم يكن يعلم الية التعامل داحل المدرسة وكان يتعارك مع جميع الطلاب، ويضربونه باستمرار كان ذلك مشكلة بالنسبة للمعلمين".
مها كانت المشاكل، لم يدفئ احد يدي لاوند اثناء برده، ولا يمكنه مشاهدة المدرسة الا من على الحائط ولا يتمكن من اللعب مع زملائه ولم يصل بعد مناداته الى اذان المسؤولين عن وضعه.