"هل علينا أن نعيش في حالة حربٍ دائمة مدى الحياة، فبعد سنوات الصراع والمواجهة مع إيران ثم الكويت ثم القاعدة، وداعش، ها نحن اليوم ربما سنواجه صراعاً آخر مع تركيا" يتساءل المواطن التركماني محمد حيدر، 59 عاماً.
ويرى حيدر في حديثٍ لـ(كركوك ناو) أن "مواقع التواصل الاجتماعي، والبعض من محبي الفتن الذين تعودوا على الدماء والحروب بدوا يهلهلون لاجتياحٍ تركي لمناطقنا بحجة انتهاء مفعول معاهدة لوزان والقضاء على حزب العمال الكردستاني المعارض".
وتناقل مواطنون تركمان خلال هذا الأسبوع أحاديث عن مخططٍ تركي لاجتياح بعض المدن العراقية القريبة من الحدود العراقية-التركية ومنها تلعفر، ذات الأغلبية التركمانية، كما عبّر بعضهم عن مخاوفهم عبر منشورات على حساباتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، حتى باتت هذه الشائعات حديث الشارع.
"ما تتداوله بعض وسائل الاعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي عن اجتياح محتمل للجيش التركي إلى مدينة تلعفر، أمرٌ عارٍ عن الصحة، هدفه ارباك الوضع الأمني والاجتماعي في المدينة التي تعيش استقراراً واضحاً بعد نحو عقدين من الاضطرابات الأمنية والعمليات الإرهابية" يقول قائممقام تلعفر قاسم محمد شريف.
وأضاف شريف في حديثه لـ(كركوك ناو) أنه "نود أن نطمئن المواطنين وندعوهم إلى عدم تناقل هذه الشائعات ومحاربتها والمضي في مزاولة حياتهم بشكل طبيعي".
ويقع تلعفر على بُعد 69 كم شمال غرب الموصل، وجميع سكان مركزها من القومية التركمانية، فيما ينتشر العرب والأكراد في بعض النواحي والقرى التابعة له، مثل ربيعة، وزمار، والعياضية.
ويبيّن السياسي التركماني اياد عبد القادر أنه "في معاهدة أنقرة 5 حزيران 1926 تم تحديد ولاية الموصل ضمن المجال الحيوي لتركيا، وهذا يعني، إذا شعرت تركيا بالخطر والتهديد على مصالحها القومية، فمن حقها التدخّل العسكري، بعد التنسيق مع الدولة العراقية".
ويؤكد في حديثه لـ(كركوك ناو) أنه "لا وجود لأي احتلال أو تدخل أو استحواذ تركي للمنطقة وأن الاتراك ملتزمين بمبادي حسن الجوار، وأن ما يشاع غير صحيح وناتج عن عدم المعرفة الكافية بالخلفية التاريخية للمعاهدات الدولية، وناتج عن سوء فهم لنوايا الجارة تركيا التي لم تتحدث عن هذا الأمر سياسياً أو إعلامياً".
ومعاهدة لوزان هي اتفاق سلام تم توقيعه في مدينة لوزان السويسرية في 24 تموز 1923 بين الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، وعلى رأسهم بريطانيا وفرنسا، من جانب؛ وحكومة الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا، من جانب آخر، أعقاب حرب الاستقلال التركية ضد الحلفاء، وتم من خلالها تسوية أوضاع الأناضول والقسم التركي الأوروبي من أراضي الدولة العثمانية، بعد إلغاء معاهدة سيڤر التي كانت قد وقعتها الدولة العثمانية في 10 أب 1920، تحت ضغوط الحلفاء.
فتوى المرجعية الدينية العليا ما زالت سارية المفعول في مواجهة أي تحدٍ أمني يهدد أمن وسلامة البلاد
من جانبه أشار الدكتور إبراهيم العلاف، أستاذ التاريخ المتمرس في جامعة الموصل، أن "تركيا تنازلت عن حقوقها في ولاية الموصل والتي كانت تحت السيادة العثمانية وفقا للمادتين الثالثة والسادسة من معاهدة لوزان في 24 تموز 1923 وبقي تنازلها معلقا حتى اصدر مجلس عصبة الامم قراره في 16 كانون الاول 1925 بتأكيد عراقية ولاية الموصل، وقد تعزز هذا في معاهدة 1926 اي المعاهدة العراقية -الانكليزية -التركية التي وقعت في 5 حزيران 1926 بين العراق وتركيا وبضمانة دول العالم الكبرى آنذاك".
ويستدرك العلاف قائلاً "نعم توجد احزاب تركية لا تزال تطالب بالموصل، وتوجد اشارات مشابهة وفي اماكن متعددة، لكن لا الموصليون ولا العراقيون يقبلون ان يُقطع رأس العراق -الموصل- أبداً، لذا فمن الخطأ والسذاجة والجهل بالتاريخ ان نردد ما يُقال في الفيسبوك ومن اطراف جاهلة بما يجري ومريبة ومتخلفة".
من جانبه شدّد الشيخ هاشم خلف، رجل دين، أن "فتوى المرجعية الدينية العليا ما زالت سارية المفعول في مواجهة أي تحدٍ أمني يهدد أمن وسلامة البلاد".
وأكد في حديثه لـ(كركوك ناو) أن "الحشد الشعبي الذي واجه عصابات داعش الإرهابية بكل بسالة واقتدار إلى جانب القوات الأمنية الأخرى، قادرة على حماية سيادة وأمن العراق من كل خطرٍ وتهديد".
وتتعرض مدينة سنجار، ذات الأغلبية الايزيدية، 55 كم غرب تلعفر، إلى هجمات تركية متكررة، بذريعة استهداف حزب العمال الكردستاني، كان أخرها استهداف مقر مجلس الادارة الذاتية في ناحية سنوني شمال سنجار، الأربعاء 15 حزيران 2022، عن طريق طائرات مسيرة، أسفر عن مقتل أربعة اشخاص، بينهم طفل في الـ 12 من العمر.
بدوره ذكر الشيخ فيصل جولاق، شيخ عشيرة، أن "العراق بلد ذا سيادة ويمتلك جيشاً وحشداً بإمكانهما درء أي اعتداء على أراضيه".
وأضاف في حديثٍ لـ(كركوك ناو)، أن "العراقيين على اختلاف أديانهم وقومياتهم وطوائفهم يرفضون أي تدخل خارجي في شؤونه الداخلية أو الاستيلاء على أي بقعةٍ من أراضيه".
ويروج منذ سنوات، في أوساط تركية وعربية، حديث عن إعادة تركيا ضم ما كانت قد طالبت به، وخصوصا الموصل، حيث يبدو أن الأتراك يشعرون أن المعاهدة قلصت حجم جغرافية الدولة العثمانية لتغدو بحجم تركيا الحالية، وإجبارها على التخلي عن مناطق كبيرة كانت تابعة لها.
"الأمر بدأ يأخذ حيزاً أكبر مما يستحق، فعلى الرغم من كونه مجرد شائعات لا قيمة لها، الا أن ذلك بدأ يترك أثره على الجانب الاجتماعي والاقتصادي" بحسب سالم عدنان، مواطن من تلعفر.
أنا على يقينٍ أن تركيا لن تجرؤ على خطوةٍ كهذه، والا أين دور الأمم المتحدة والدول الداعمة للعراق
وأفاد في حديثه لـ(كركوك ناو) أن "بعض الناس أخذ يتخوف من شراء العقارات خشية تركها كما حدث حين اجتياح داعش، وبالتالي فإن هذا الأمر سيساهم في الركود الاقتصادي وانخفاض أسعار العقارات".
بعد تحرير تلعفر من سيطرة داعش، في أب 2017، عاد نحو 60% من النازحين التركمان إلى مدينتهم بينما ينتشر الاخرون، الذين فضّلوا عدم العودة، في عددٍ من المحافظات الجنوبية والوسطى، لا سيما النجف وكربلاء وبابل، إلى جانب إقليم كوردستان، وكركوك وتركيا. وتسعى الادارة المحلية في تلعفر بالتعاون مع المنظمات الدولية العاملة في القضاء إلى اعادة اعمار البنى التحتية وتقديم الدعم اللازم للسكان بغية تشجيع النازحين للعودة إلى منازلهم.
"أنا على يقينٍ أن تركيا لن تجرؤ على خطوةٍ كهذه، والا أين دور الأمم المتحدة والدول الداعمة للعراق، وأملي من الجميع التهدئة والكف عن ادخال الرعب في نفوس النساء والأطفال" يقول حيدر.