"أفكرُ بالهجرة الى المدينة وترك الزراعة، فلم تعد مصدراً يمكن الاعتماد عليه في اعالة عوائلنا، كما أنه ليس هناك أي دعم حكومي على الرغم من توفر عوامل الخصوبة ووفرة الإنتاج في أراضينا" بحسرة وحزن واضح يقولها سالم قاسم، فلاح.
ويكشف قاسم في حديثه لـ(كركوك ناو) أن "الكثير من الفلاحين وسكان القرى المحيطة بتلعفر هجروها إلى المدن، وإذا لم تسارع الحكومة بدعم الفلاحين والمزارعين وتوفير أنظمة الري الحديثة لمواجهة الجفاف سوف تزول هذه القرى وتبقى صحراء لا حياة فيها".
بعد تحرير تلعفر من سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام "داعش"، في أب 2017، عاد نحو 60% من النازحين التركمان إلى مدينتهم بينما ينتشر الاخرون، الذين فضّلوا عدم العودة، في عددٍ من المحافظات الجنوبية والوسطى، لا سيما النجف وكربلاء وبابل، إلى جانب إقليم كوردستان، وكركوك وتركيا.
الأضرار التي سببها احتلال داعش لمناطقنا ومن ثم المخلفات الحربية المتروكة في حقول بعض الفلاحين إلى جانب العواصف الترابية والحرائق والجفاف وعدم وجود خطط حكومية
"الفلاح يحتاج إلى مرشات وأسمدة وبناء سدود ودعم مستمر وهذا الدعم غائب كلياً عنا، بل أن الفلاح لا يستلم المبالغ التي يستحقها جراء تسويقه للمحاصيل الزراعية الى الصومعات، هذا الأمر سيقود الكثير من الفلاحين إلى ترك أراضيهم ومحاصيلهم والاعتكاف عن الزراعة في وقت يتحدث الاعلام عن أزمة غذائية تلوح في الأفق" بحسب وعد عابد، فلاح.
ويضيف في حديثه لـ(كركوك ناو) أن "الأضرار التي سببها احتلال داعش لمناطقنا ومن ثم المخلفات الحربية المتروكة في حقول بعض الفلاحين إلى جانب العواصف الترابية والحرائق والجفاف وعدم وجود خطط حكومية كفيلة لمعالجة الواقع الزراعي المتردي تدعو إلى لجوء الفلاحين إلى أعمال أخرى غير الزراعة، مما يترك نتائج سلبية على الزراعة وعلى الثروة الحيوانية واقتصاد البلد بشكل عام".
وبدأت سايلوات محافظة نينوى السبعة الخاصة باستلام محاصيل الحبوب، من ضمنها سايلو تلعفر باستلام محصول الحنطة من المزارعين، وحددت مبلغ 850 ألف دينار لكل طن، حسب قرار وزارة التجارة العراقية.
ويؤكد علي محمد صالح، مهندس زراعي، في حديث لـ(كركوك ناو)، أن "الجفاف وقلة الأمطار وعدم وجود أنظمة متطورة لري المحاصيل الزراعية لا سيما محصولي الحنطة والشعير، اثرّ بشكل كبير على تراجع الإنتاج الزراعي في مناطق تلعفر، وينبغي العمل على إيجاد بدائل للحفاظ على هذه الثروة الاقتصادية الكبيرة والتي لا تقل أهمية عن النفط".
مدير زراعة نينوى، ربيع يوسف الياس، قال أن "وزارة الزراعة تولي اهتماماً خاصاً بنينوى، نظراً لأن المحافظة تنتج 60 بالمائة من محصول الحنطة والشعير في العراق".
وأضاف الياس، في مقابلة أجراها معه (كركوك ناو) في شباط الماضي "نحن ندعم المزارعين من خلال تأمين الأسمدة الكيمياوية وتوفير التسهيلات لنقل منتجاتهم الى محافظات أخرى، الى جانب دعمهم للحصول على المعدات الحديثة وتقنيات الري المعاصرة".
وأكد مصدر مسؤول في سايلو تلعفر أنه "لا شك هناك تراجع كبير جداً في مستوى الإنتاج الزراعي في تلعفر والقرى القريبة منها فيما يخص محصولي الحنطة والشعير الموسميين الزراعيين الأخيرين".
ولفت قائلاً إن "موسم الحصاد الحالي اقتصر على الأراضي التي تروى بنظام المرشات، أما الأراضي التي يعتمد أصحابها على مياه الأمطار فلم يحصد منها شيء".
أن تترك حقلاً قضيتَ فيه ستة عقود من عمرك، ليس أمراً هيناً، فالأرض بمثابة الأم والانفصال عنها أشبه بالموت
وأضاف المصدر، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، لـ(كركوك ناو)، أن "شحة الأمطار واهمال الأنظمة الحديثة للري سببان رئيسيان في هذا التراجع".
وتابع أن "معدلات إنتاج تلعفر من الحنطة والشعير لا يذكر مقارنة بالسنوات السابقة"، محذراً من "تأخر إكمال مشروع ري الجزيرة الذي يوفر المياه لمشاريع زراعية عملاقة".
وبلغ حجم إنتاج العراق من محصول القمح خلال الموسم الشتوي للعام 2021، وفق الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط العراقية، 4 ملايين و234 ألف طن، مسجلا تراجعا بنسبة 32% عن إنتاج عام 2020 الذي بلغ 6 ملايين و238 ألف طن.
"أن تترك حقلاً قضيتَ فيه ستة عقود من عمرك، ليس أمراً هيناً، فالأرض بمثابة الأم والانفصال عنها أشبه بالموت، ولكن البقاء بحضنها في الوقت نفسه، في ظل هذه المعاناة، ضربٌ من مصارعة الموت أيضاً" يقول قاسم متحسراً.