يستعد أوس عدنان، للالتحاق بالصف السادس الابتدائي في مدرسةٍ أهلية في تلعفر بعد النتائج المتقدمة التي أحرزها في السنتين الدراسيتين الماضيتين في المدرسة نفسها.
"الدروس هنا تختلف عن الدروس في المدرسة الحكومية التي قضيتُ فيها ثلاث سنوات دراسية بأنها تُقدم بأساليب مختلفة باستخدام وسائل إيضاح كانت غائبة هناك، إلى جانب الفعاليات الرياضية والترفيهية اليومية" يقول أوس، 12 سنة.
ويسترسل والابتسامة تعلو على شفتاه "بكلّ صراحة كنت سابقاً أقصد المدرسة مضطراً ولولا الحاح والديّ لكنتُ تركتها، أما الآن فالأمر مختلف تماماً حيث ينتابني الحزن أيام الجمع والعطل وافتقد مدرستي وزملائي والأوقات السعيدة التي نقضيها معاً".
ويضيف لـ(كركوك ناو) قائلاً إن "التعليم الالكتروني بعد تفشي جائحة كورونا ساهم أيضاً في انتشار المدارس الأهلية بعد أن لجأت المدارس الحكومية إلى التعليم الالكتروني الذي للأسف ساهم في تدني مستويات التلاميذ الدراسية ما أدى إلى ضعف ثقة أولياء الأمور بالمدارس الحكومية".
في تلعفر خمس مدارس أهلية، يتراوح عدد تلاميذ كل مدرسة بين 200 إلى 300 تلميذ، ما يشكل في مجموعها نحو 1250 تلميذاً
ويقع تلعفر على بُعد 69 كم شمال غرب الموصل، وجميع سكان مركزها من القومية التركمانية، فيما ينتشر العرب والكورد في بعض النواحي والقرى التابعة له، مثل ربيعة، وزمار، والعياضية.
110 مدارس حكومية و4 أهلية لنحو 51 ألف طالب في تلعفر
"مركز قضاء تلعفر يضم 110 مدرسة حكومية، 80 منها ابتدائية و30 ثانوية ومتوسطة واعدادية، تحتضن هذه المدارس 50028 طالباً وتلميذاً، منهم 33633 في المدارس الابتدائية، و16395 في المدارس المتوسطة والاعدادية والثانوية، بينما هناك 44 مدرسة ابتدائية في ناحية العياضية و82 في ناحية زمار و73 في ناحية ربيعة و41 مدرسة متوسطة واعدادية وثانوية موزعة على النواحي الثلاث وتحتضن مدارس النواحي لمختلف المراحل نحو 35 ألف تلميذ وطالب" بحسب مصدر في تربية تلعفر.
وبشأن المدارس الأهلية أوضح المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه لـ(كركوك ناو) أن "في تلعفر خمس مدارس أهلية، يتراوح عدد تلاميذ كل مدرسة بين 200 إلى 300 تلميذ، ما يشكل في مجموعها نحو 1250 تلميذاً، منتشرة في أحياء العروبة (شمالاً) والخضراء (جنوباً) والمعلمين (وسط)، وهي تجربة جديدة في تلعفر انطلقت العام الدراسي 2018/2019 لا سيما بعد جائحة كورونا وتوجه المدارس الحكومية الى التعليم الالكتروني، إلى جانب رياض أطفال ومعاهد تتولى إقامة دورات سريعة لمختلف المراحل الدراسية".
قلة أعداد التلاميذ في الصفوف وتوفر وسائل التكييف ووجود وسائل نقل مريحة
من جانبه يقول مجيد سليمان مدير مدرسة أور الأهلية "عدد تلاميذ مدرستنا للعام الدراسي السابق كان 268 تلميذاً، ونتوقع الزيادة هذا العام، بعد نسب النجاح الكبيرة التي تحققت، فالصفوف الأولى حتى السادسة كانت نسبة نجاحها 100% بينما السادس الابتدائي بين 80 الى 90% باعتبار أن هناك تلاميذ سيؤدون امتحانات الدور الثاني لذا فالنتائج غير محسومة بشكل دقيقة حتى الآن لهم".
ويضيف لـ(كركوك ناو) إن "قلة أعداد التلاميذ في الصفوف وتوفر وسائل التكييف ووجود وسائل نقل مريحة، الى جانب التواصل مع الأهالي عبر مجموعات الكترونية وتنظيم نشاطات لا صفية والزي الموحد وتعاون الأهل أبرز ما يميز المدارس الأهلية".
بعد تحرير تلعفر من سيطرة داعش، في أب 2017، عاد نحو 60% من النازحين التركمان إلى مدينتهم بينما ينتشر الاخرون، الذين فضّلوا عدم العودة، في عددٍ من المحافظات الجنوبية والوسطى، لا سيما النجف وكربلاء وبابل، إلى جانب إقليم كوردستان، وكركوك وتركيا. وتسعى الادارة المحلية في تلعفر بالتعاون مع المنظمات الدولية العاملة في القضاء إلى اعادة اعمار البنى التحتية وتقديم الدعم اللازم للسكان بغية تشجيع النازحين للعودة إلى منازلهم.
ظاهرة حضارية ينبغي مراقبتها لئلا تتحول الى مشاريع تجارية
ويرى محمد عبد المنعم، تربوي متقاعد، أن "المدارس الأهلية خطوة إيجابية وحضارية فهي تساهم في دعم الواقع التربوي وتخفف الزخم في المدارس الحكومية، في ظل ضعف الإمكانيات المالية لاستحداث مدارس حكومية جديدة تقلل من حجم الزخم، كما تساهم في توفير فرص عمل للخريجيين الذين لا تتوفر لهم فرص التعيينات في المدارس الحكومية، فبالتالي سيعززون من امكانياتهم وخبراتهم ويوفرون لقمة العيش الكريمة لعوائلهم".
ويستدرك في حديثه لـ(كركوك ناو) قائلاً "على وزارة التربية أن تعمل على متابعة تلك المدارس باستمرار وتراقب عملها عن كثب من حيث طبيعة المكان وملائمته لئن يكون مؤسسة تربوية والالتزام بالمناهج الدراسية والتعليمات المركزية والا تتحول إلى مشاريع تجارية بعيدة عن التربية والتعليم".
ولي أمر التلميذ حين يدفع أقساط إلى المدرسة الأهلية يكون أكثر حرصاً على نجاح ابنه ويتابعه باستمرار أكثر
بينما يعتقد خليل علي أن "بيئة المدارس الأهلية واهتمام اداراتها بالنظافة ووسائل الوقاية من الأوبئة والأمراض والالتزام بالزي الموحد ورغبتها في التنافس مع المدارس الأخرى بنسب النجاح، واهتمامها بالتلميذ ومتابعتها الواجبات مع أولياء أمورهم عبر التواصل معهم، واستخدامها وسائل تعليم حديثة غير متوفرة في الحكومية، إلى جانب مواد دراسية تساهم في تنمية قدرات التلاميذ وذكائهم وبرامج رياضية وترفيهية، دفعت البعض من الأهالي إلى اللجوء للمدارس الأهلية".
"ولي أمر التلميذ حين يدفع أقساط إلى المدرسة الأهلية يكون أكثر حرصاً على نجاح ابنه ويتابعه باستمرار أكثر، وبدلاً من اللجوء الى الدروس الخصوصية في نهاية السنة، أرى من الأفضل التوجه إلى المدارس الأهلية منذ البداية، ونتائج العام الدراسي 2021/2022 شاهدة على تدهور الواقع التربوي في المدارس الابتدائية الحكومية" برأي علي، وهو ولي أمر أحد التلاميذ.
الزخم الكبير في أعداد التلاميذ في المدارس الحكومية، والخبرة العالية التي يمتلكها معلمو وادارات المدارس الأهلية حيث أن أغلبهم من المتقاعدين
وشهدت مدينة تلعفر خلال السنوات 2004-2010، أعمال عنف ذات طابع طائفي، خلفت آلاف الضحايا، والمهجرين في صفوف سكانها التركمان، قبل أن تسقط كلياً على يد عناصر داعش صيف عام 2014.
"نعم أنا على يقين أن المدرسة الأهلية أفضل بكثير من الحكومية ولكن الإمكانيات المادية ربما تحول دون الدفع بأطفالنا تجاهها" يقول عدنان، فيما يصرُّ أوس أن يلتحق شقيقه الأصغر أحمد -ذي الستة أعوام- معه بمدرسته رغم قلق والده من إمكانية دفع الأقساط المالية عنهما. "اعتقد أن أحمد سيعشقُ المدرسة مثلي إذا التحق معي وسنحقق أحلامنا معاً في افتتاح مستشفى أهلي حيث سيتولى مهمة الطبيب فيما سأكون صيدلياً" يقول أوس متحدثاً عن أمنيته المستقبلية.
"الزخم الكبير في أعداد التلاميذ في المدارس الحكومية، والخبرة العالية التي يمتلكها معلمو وادارات المدارس الأهلية حيث أن أغلبهم من المتقاعدين الذين لديهم باعٌ طويل في مجال عملهم، إلى جانب كونهم ذوي اختصاص على عكس المدارس الحكومية ففيها خريجو كليات الزراعة والقانون والمعاهد يتولون تدريس مناهج لا تمت بصلة لتخصصهم" هكذا يختصر عدنان، والد التلميذ أوس، دوافع تحويل ابنه من مدرسة حكومية إلى أهلية.
