أعداد كبيرة من أطفال الموصل يتركون المدارس ويتجهون للعمل في السوق لمساعدة عوائلهم في خطوة لمجابهة الفقر.
صفوان، أحد الأطفال الذين تركوا المدرسة، يبيع الجوارب النسائية في سوق مكتظ في الجانب الأيسر من الموصل، منذ الصباح الباكر حتى المساء، ويكسب من عمله خمسة الى ستة آلاف دينار يومياً.
"بسبب تردي الوضع المعيشي لعائلتي اضطررت لترك الدراسة"، هذا ما قاله صفوان أحمد (14 سنة)، مشيراً الى أن والده مسنّ وغير قادر على العمل، لذا يتوجب عليه المساعدة لتأمين لقمة العيش.
صفوان ترك المدرسة منذ أن كان في الصف الخامس الابتدائي حسبما ذكر لـ(كركوك ناو)، عائلته ليس لديها راتب والحكومة لن تقدم لهم العون لذا اختار العمل بدل التعليم.
7 بالمائة من أطفال نينوى يعملون في بيئة خطرة، ويشمل ذلك 74 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين 5 و 17 سنة
نسبة ترك الدراسة في محافظة نينوى تتفاوت حسب المراحل التعليمية من 20 الى 76 بالمائة، وفقاً لإحصائية رسمية حصل عليها موقع (كركوك ناو).
ويأتي ذلك في حين تنص فيه بنود الاتفاقية العالمية لحقوق الطفل، على أن لكل طفل الحق في التعليم و العيش الكريم ويحق للأطفال الحصول على الحماية بدل القيام بالأعمال الخطرة أو الأعمال التي تمنعهم من الحصول على التعليم أو تضر بصحتهم أو نموهم.
نوفل سليمان، مدير الإحصاء في محافظة نينوى قال لـ(كركوك ناو)، إن "نسبة الالتحاق بالدراسة في المرحلة الابتدائية 80 بالمائة، لكن هذه النسبة تقل في المرحلة المتوسطة الى 60 بالمائة وتصل الى 24 بالمائة في المرحلة الاعدادية".
وأوضح أن من الاسباب الرئيسية لترك الدراسة الرسوب، يليه تردي الأوضاع المعيشية لسكان نينوى ما يجعل الأطفال يضطرون للمساهمة في تأمين لقمة العيش لأسرهم، كما لا تتوفر بيئة ملائمة تشجع الأطفال على العودة للدراسة.
في محافظة نينوى التي يصل عدد سكانها الى أكثر من اربعة ملايين و133 ألف، كان عدد طلاب المرحلة الابتدائية 614 ألف والثانوية 225 ألف، حسب احصائية للجهاز المركزي للإحصاء للعام الدراسي (2019-2020).
"7 بالمائة من أطفال نينوى يعملون في بيئة خطرة، ويشمل ذلك 74 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين 5 و 17 سنة"، ويقول مدير الإحصاء أن هذه النسبة كبيرة مقارنة بالدول الأخرى -27 بالمائة من سكان نينوى تتراوح أعمارهم بين 5 و 13 سنة-.
بموجب قانون العمل العراقي، لا يجوز تشغيل الأحداث من الجنسين قبل إتمام سن الخامسة عشرة و مخالفة هذا القانون تترتب عليه عقوبات، ولمن أتموا هذه السن، لا يجوز أن يكون العمل مرهقاً وخطراً وأن لا يؤثر سلباً على سلوكه أو دراسته.
انتهاك هذا القانون يظهر جلياً في أسواق الموصل حيث العشرات من الأطفال دون الخامسة عشرة يمتهنون أعمال مختلفة، بعضهم يبيعون قناني المياه أو الأكياس البلاستيكية، وبعضهم يعملون في المحال، دون أن يكون معهم أفراد أكبر سناً من عوائلهم أو أقاربهم.
علي جاسم، مدير منظمة النجدة الشعبية في نينوى قال لـ(كركوك ناو) إن توجه الأطفال للعمل في نينوى أصبح قضية شائعة بسبب الظروف التي مرت بها المنطقة، على رأسها الحرب ضد تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام-داعش" ما اجبر العديد على العوائل على تشغيل اطفالهم بسبب فقدان مصادر العيش.
"تواجد الأطفال في التقاطعات المرورية والشوارع بحجة بيع قناني المياه أو المناديل الورقية ظاهرة خطيرة ومشكلة تهدد الأمن المجتمعي، أعداد هؤلاء الأطفال في تزايد دون أن تكون هناك رقابة وقد يكون هناك اشخاص آخرون يقفون وراء ظاهرة عمل الأطفال"، واقترح جاسم أن تكون الجهات الأمنية أكثر يقظة وتحقق في الأمر.
برامج المنظمة تشمل دعم حقوق الأطفال والمراكز التعليمية لتهيئة فرص التعليم والعودة الى المدارس
أكثر من ثلاثة ملايين طفل عراقي ممن هم في سن الدراسة لم يلتحقوا بالمدارس، حسب إحصائيات منظمة اليونيسيف التي ترى بأن الصراعات التي شهدتها المنطقة خلال الأعوام الماضية ألقت بظلالها على الواقع التعليمي وتسببت بزيادة نسبة ترك الدراسة بسبب تردي الأوضاع المعيشية والنزوح.
وقال مدير إحصاء نينوى إن "نسبة الفقر تبلغ 38 بالمائة وفقاً لإحصائية تعود لعام 2019 وهي نفسها الآن بل زادت بسبب تدهور الوضع المعيشي للمواطنين وانعدام المشاريع الاقتصادية التي تلعب دوراً في رفع المستوى المعيشي".
"نسبة البطالة في نينوى 32 بالمائة، وهي أعلى نسبة مقارنة بمحافظات العراق الأخرى"، بحسب نوفل سليمان.
نسبة الأطفال العاملين في العراق ممن تتراوح أعمارهم بين 6 و 14 سنة هي 2.7 بالمائة، وفقاً لتقديرات الجهاز المركزي للإحصاء لعام 2016.
مسؤول منظمة النجدة الشعبية التي تعنى بالحقوق العامة يقول إن برامج المنظمة تشمل دعم حقوق الأطفال والمراكز التعليمية لتهيئة فرص التعليم والعودة الى المدارس.
حسب تعليمات وضوابط وزارة التربية العراقية، في حال انقطاع الطالب عن الدراسة لعامين يجب عليه الدوام في مدرسة مسائية، أما في حال انقطاعه عن الدراسة لأربعة أعوام لن يتم السماح له بالدوام في المدارس الصباحية والمسائية أيضاً، ويتوجب عليه حينها الالتحاق بمدارس التعليم المسَرّع.
يوجد في العراق نظام التعليم المسَرّع للأشخاص الذين انقطعوا عن الدراسة لأسباب متنوعة، وتوجد في الموصل ثلاثة أو أربعة مدارس مشابهة افتتحت قبل عدة أعوام.
لم يفقد صفوان أحمد شغفه بالدراسة والتعلم، لكنه سيضطر للالتحاق بمدرسة مسائية كونه انقطع عن الدراسة منذ ثلاث سنوات، وهذا الأمر مرهون بتحسن الوضع المعيشي لأسرته.