لم يُكمل أطفال سليمة حميد الـ13 الصف السادس الأساسي، حيث سرعان ما اتجه الأولاد للأعمال الشاقة وزُوِّجت بناتها في عمر مبكر.
سليمة حميد، وهي من سكنة قرية سيد حسين بقضاء كفري، بررت ترك أبنائها الدراسة بعدم وجود مدرسة في قريتها وصعوبة تحمل تكاليف الدراسة في منطقة أخرى في حال نقلهم الى المدينة.
توجد مدرسة في هذه القرية منذ عدة سنوات، في البداية كانت الدراسة فيها من الصف الأول الى السادس الأساسي ومنذ عام فقط أصبحت الدراسة فيها حتى الصف التاسع.
"جميع اطفالي درسوا حتى السادس، لأن الدراسة هنا كانت حتى الصف السادس وكان يتوجب علينا نقلهم الى مدارس المدينة لاستكمال دراستهم، وهو ما كان ما يثقل كاهلنا"، هذا ما قالته سليمة (55 سنة) لـ(كركوك ناو)، سليمة أم لتسع بنات وأربعة أولاد، مصدر عيشهم تربية المواشي.
قلت لأمي ساعديني لأعود للدراسة بعد أن أصبحت الدراسة في القرية حتى الصف التاسع، لكنها رفضت
تعيش 37 عائلة في قرية سيد حسين، يوجد العشرات من الأطفال في القرية لم يكمل أي منهم دراستهم لما بعد المرحلة السادسة، جميعهم منشغلون بتربية المواشي والزراعة، بحسب متابعات (كركوك ناو) كافة فتيان وفتيات القرية تم تزويجهم في سن مبكرة.
هيرو اسماعيل (17 سنة) فتاة فارعة الطول ذات عينين زرقاوين وشعر اشقر، يبدو من طريقة تحدثها بأنها فتاة واعية، هيرو لم تخف رغبتها الشديدة باستكمال الدراسة رغم انقطاعها منذ سنوات، ولا زالت تحلم بأن تصبح معلمة لغة انجليزية.
سكان القرية من المكون العربي، لكنهم لا يجيدون اللغة العربية، دراستهم والزي الذي يرتدونه واللغة التي يتحدثون بها هي الكوردية، معظمهم شقر، عيونهم زرق وبشرتهم بيضاء أو حنطية.
"قلت لأمي ساعديني لأعود للدراسة بعد أن أصبحت الدراسة في القرية حتى الصف التاسع، لكنها رفضت وقالت أنتي الآن بعمر المعلمين، حتى لو أكملت الصف التاسع يجب أن تتركي الدراسة"، بحسب هيرو. قبل سنوات مكثت عند جدها بقضاء كفري لكي تتمكن من الالتحاق بالمدرسة، لكنهم رحلوا عن كفري فاضطرت للعودة الى قريتها محبطة.
هيرو لديها ثلاث شقيقات وشقيقان اثنان لم يكمل أي منهم الدراسة، هيرو لا تجيد الكتابة والقراءة، وشقيقاتها تزوجن بين سن الـ15 والـ19.
(كركوك ناو) لم تتمكن من الحصول على احصائيات بعدد الأطفال الذين تسربوا من الدراسة في قرية سيد حسين ومناطق أخرى في كفري عن طريق المسؤولين الإداريين أو تربية القضاء، لكن إجمالاً، ترك أكثر من 20 ألف طالب وطالبة الدراسة في محافظة السليمانية التي تضم قضاء كفري التابع لإدارة كرميان خلال العام الدراسي (2022-2023)، وفقاً لإحصائيات المديرية العامة للتربية.
اسماعيل سمين، مدير تربية قضاء كفري قال لـ(كركوك ناو)، "حصلنا على إحصائية بعدد الأطفال المنقطعين عن الدراسة والأميين، أعدنا عدداً كبيراً منهم للدراسة"، وذلك في إطار حملة للتشجيع على العودة للدراسة، كانت عبارة عن برنامج ميداني تم تنفيذه عن طريق عدة لجان في جميع مناطق كفري، لكن سمين قال "لا نستطيع الكشف عن الاحصائيات لأن ذلك من شروط البرنامج".
المشروع الذي يطلق عليه (العودة للدراسة) تشرف عليه منظمة اليونيسيف، بالتنسيق مع وزارة التربية في حكومة اقليم كوردستان وعدد من المنظمات غير الحكومية، بهدف إعادة الأطفال الذين انقطعوا لأسباب مختلفة الى الدراسة، المشروع انطلق منذ 2020 ولا زال مستمراً.
أبناء وبنات سليمة لم يفقدوا الشغف بالدراسة لكن أسرتهم لا يريدون أن يعودوا الى المدرسة، فالأولاد يربون المواشي والبنات تم تزويجهن حين كن في الـ14 أو الـ15 من العمر.
"بناتي ربات بيوت ويربين الماشية كذلك، لا زلن يطلبن مني أن أخبر والدهن لكي يسمح لهن بالعودة الى المدرسة، لكننا نرفض ذلك، لأنهن وصلن سن البلوغ ولن تفيدهن الدراسة بشيء، لا نستطيع إرسالهن الى المدينة للدراسة، كما أننا زوجناهن في سن الـ14 والـ15"، بحسب سليمة حميد.
إذا كان أطفال هذه القرى يرغبون في المجيء للمدينة واستكمال دراستهم الاعدادية، سنفتح لهم أقسام داخلية
بموجب القوانين المعمول بها في العراق يؤذن بزواج من بلغ الخامسة عشرة من العمر وفق عدة شروط.
طه رشيد، مسؤول مكتب تكفل الأطفال في فرع كرميان لمنظمة حماية الأطفال –كوردستان، قال لـ(كركوك ناو) إن "الأطفال الذين انقطعوا عن الدراسة ويعودون الى المدرسة، نتكفل بتأمين مصاريفهم لكي يستكملوا دراستهم ولا يضيع مستقبلهم".
منظمة حماية الأطفال، وفرت في إطار المشروع المساعدات المالية والرعاية لـ121 فتى وفتاة داخل كفري والقرى التابعة للقضاء، حيث تقدم مساعدة مالية كل شهرين لكل عائلة محتاجة من أجل إكمال الدراسة.
يقول رشيد إن العدد الأكبر من الأطفال المنقطعين عن الدراسة يعيشون في القرى، ويرى أن من الضروري على الحكومة أن تعمل بالتعاون مع المنظمات من أجل إعادتهم للمدارس.
وفقاً للقوانين والتعليمات التربوية في اقليم كوردستان، الدراسة من الأول الى التاسع الساسي إلزامية، كما ينص الاتفاق العالمي لحقوق الطفل على أن لكل طفل حق التعليم.
مدير تربية كفري يقول إن مشكلة ترك الأطفال للمدارس موجودة في معظم القرى، "إذا كان أطفال هذه القرى يرغبون في المجيء للمدينة واستكمال دراستهم الاعدادية، سنفتح لهم أقسام داخلية، إذا أراد أطفال قرية سيد حسين الالتحاق بمدارس مركز القضاء يمكنهم تأجير حافلة وسأقدم لهم التسهيلات اللازمة"، بحسب اسماعيل سمين.
تربية كفري تشرف على 90 مدرسة تم إنشاؤها في القرى، الدوام كان متوقفاً فيها حتى ما قبل اسابيع بسبب إضراب التدريسيين عن الدوام منذ بدء العام الدراسي (2023-2024) احتجاجاً على عدم صرف رواتبهم.
العام الماضي فقط شهد تسجيل 35 ألف طفل ممن تركوا الدراسة في اقليم كوردستان، أعيد 12 ألف منهم للمدارس، من ضمنهم أطفال اللاجئين، وذلك في إطار مشروع العودة للدراسة، بحسب احصائيات اليونيسيف، فضلاً عن أن أكثر من ثلاثة ملايين طفل عراقي لم يلتحقوا بالدراسة.
لكن بحسب إحصائيات وزارة تربية الاقليم، تمت إعادة ستة آلاف و579 طالب منقطع الى الدراسة للعام الدراسي (2022-2023) في إطار مشروع العودة للدراسة، فيما كان عدد الطلاب العائدين في (2021-2022) أكثر من أربعة آلاف و600 طالب، وفي العام الدراسي (2020-2021) وصل عددهم لثمانية آلاف طالب.
سليمة حميد، أمية انشغلت بمسؤوليات رعاية بأسرتها منذ سن مبكرة، تقول بأن أطفالها يعاتبونها بسبب انقطاعهم عن الدراسة وعدم تحقيق أحلامهم لكي يتخلصوا من مصاعب الحياة في القرية، "أنا ايضاً حزينة لأنهم لم يكملوا دراستهم ويحصلوا على شهادة تؤهلهم للحصول على وظيفة وراتب"، وتطالب الحكومة بفعل ما يمكن من أجل ضمان عدم ضياع مستقبل أطفال قرية سيد حسين والمناطق الأخرى.