كركوك ناو

يمنع المئات من الايزيديين القادمين من سنجار ومناطق نينوى الأخرى سنوياً من عبور نقاط التفتيش التابعة لإقليم كوردستان والتوجه الى معبد لالش لأداء عباداتهم تحت ذرائع مختلفة تتعلق بالمعتقدات السياسية والعسكرية.

حسب متابعات صحفية لـ(كركوك ناو) استندت الى مصادر للمعلومات من فئات وشرائح مختلفة من المجتمع الايزيدي، من ضمنهم أشخاص تعرضوا للمنع، تبين أن "مئات الايزيديين"، بالأخص من سكان سنجار، بيهم ناشطون، صحفيون وحتى رجال دين، يمنعون سنوياً من زيارة لالش.

هذا المنع الذي ينفيه المسؤولون العسكريون والأحزاب الحاكمة في اقليم كوردستان، يتعارض مع الاعلان العالمي لحقوق الانسان، الدستور العراقي، نص القوانين المعمول بها في اقليم كوردستان، منهاج حكومة الاقليم والديانة الايزيدية.

فاخر خلف، أحد خدمة الديانة الايزيدية في سنجار لم يتمكن على مدار ثلاث سنوات متتالية من أداء أي شعيرة دينية في معبد لالش، وقال فاخر لـ(كركوك ناو)، إن "نقاط التفتيش التابعة لإقليم كوردستان تمنع الايزيديين من زيارة لالش منذ ثلاث سنوات، توجد أدلة ومعلومات دقيقة، أنا من بين الذين منعوا رغم كوني شخصية دينية"، وأشار الى أن الشخصيات الدينية العليا في لالش "الأمير والبابا شيخ ينتمون لجهة سياسية معينة".

مؤسسة ادارة شؤون الايزيديين في المجلس الروحاني الايزيدي يترأسه أمير الايزيديين، وتضم المؤسسة كلاً من البابا شيخ، والشيخ الوزير مع رئيس القوالين، وجميع القرارات التي تخص المكون الايزيدي تُصدر من تلك المؤسسة.

خلف أبلغ ممثلي جميع الدول في بغداد عما يحصل، "من واجب الأمير التحدث عن هذه المشكلة، يجب تقديم التسهيلات بالأخص لأهالي سنجار لكي يتمكنوا من زيارة لالش ولا يتعرضوا للمنع".

يعد معبد لالش أهم مزارات الايزيديين الدينية ويقع في منطقة جبلية بقضاء شيخان، 60 كم الى الشمال من مدينة الموصل ويضم مقر المجلس الروحاني الايزيدي في العراق والعالم، يعود تاريخ إنشائه الى القرن الثالث قبل الميلاد. يحج الايزيديون الى المعبد من المحافظات والمدن المختلفة لأداء مراسيمهم وطقوسهم الدينية.

زيارة لالش م المبادئ الرئيسية للديانة الايزيدية الى جانب الصلاة والصوم والعبادات الأخرى. وتقام هذه الزيارة غالباً في المناسبات الكبيرة كرأس السنة الايزيدية "الأربعاء الأحمر" في شهر نيسان أو عيد جما في تشرين الأول م كل عام.

سعيد شمو، ناشط مدني في سنجار، لم يزر لالش منذ خمس سنوات لأنه اسمه وارد ضمن الممنوعين في قوائم نقاط التفتيش، "منذ 2014 وبعد نزوحنا من سنجار الى دهوك، نشرت بعض المقالات والمنشورات التي احتوت على انتقادات، بسبب ذلك تم استدعائي أكثر م 20 مرة للتحقيق من قبل الأجهزة الأمنية، ومنذ عودتنا الى سنجار في 2018، لم أتمكن من العودة الى اقليم كوردستان وزيارة لالش"، حسبما قال شمو لـ(كركوك ناو).

في آب 2014، سيطر مسلحو تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام-داعش" على قضاء سنجار واختطفوا ستة آلاف و417 ايزيدي، لا يزال مصير ألفين و700 شخص مجهولاً، فضلاً عن قتلهم أكثر من ألف شخص ونزوح 360 ألفاً ايزيدي، لم يعد قسم منهم الى ديارهم حتى الآن، وفقاً لإحصائيات مكتب إنقاذ المختطفين الايزيديين التابع لحكومة اقليم كوردستان.

"يعيدونني في نقاط التفتيش، في حين أن أداء شعائري الدينية في لالش حق من حقوقي"، ويدعو شمو لإيجاد حل للمشكلة وإبعاد الموضوع عن الصراعات السياسية، "لالش مزار ديني ومن حق الايزيديين زيارته".

سنجمع كل المعلومات حول حالات منع الزوار لإدراجها ضمن كاب رسمي ومن ثم سنسجل شكوى لكي لا يتعرض أي شخص مستقبلاً للمنع

آخر حادثة منع تعرض لها عدد من الايزيديين، حسب متابعات كركوك ناو،  كانت في الشهر الماضي في نقطة تفتيش سحيلا خلال مراسيم عيد جما الذي يبدأ في 6 تشرين الأول ويستمر سبعة أيام، الآلاف من الايزيديين يجتمعون في لالش بهذه المناسبة لأداء طقوسهم الدينية.

نحو 150 ألف شخص حضروا مراسيم عيد جما هذا العام، ويزور لالش يومياً حوالي 200 شخص، حسب احصائية حصل عليها (كركوك ناو) من القائمين على المعبد.

لقمان محمود، مسؤول إعلام معبد لالش أبلغ (كركوك ناو) عدم علمه بشأن منع الايزيديين من زيارة لالش، "لم يبلغنا أحد ولم تصل شكاوى للمسؤولين هنا بشأن تعرض الايزيديين للمنع، على العكس، معظم زوار المعبد من سكان قضاء سنجار وأطرافه ومن سكان المخيمات".

لكن الأشخاص الذين تحدثوا لـ(كركوك ناو) شددوا على أنهم أوصلوا شكاواهم لجميع الشخصيات الدينية الايزيدية والمسؤولين الايزيديين.

خيري علي، مسؤول منظمة بتريكور لحقوق الانسان في سنجار أوضح لـ(كركوك ناو) فيما يخص تسجيل الشكاوى بشأن التعرض للمنع "سنجمع كل المعلومات حول حالات منع الزوار لإدراجها ضمن كاب رسمي ومن ثم سنسجل شكوى لكي لا يتعرض أي شخص مستقبلاً للمنع".

الدستور العراقي يضمن للأفراد  كافة الحقوق الدينية وحرية المعتقد والممارسات الدينية، كما تلتزم الدولة بتوفير حرية أداء العبادات.

استناداً الى قانون حماية حقوق المكونات في كوردستان رقم 5 لسنة 2015 توجد ثمانية مكونات ومذاهب دينية، من بينها الديانة الايزيدية التي ضمن القانون ممارسة أبنائها لعباداتها وحظر إقصاءها أو تهميشها، ومنحها حرية التعبير والمعتقد والتجمع وتأسيس الجمعيات.

وجاء في الاعلان العالمي لحقوق الانسان إن لكلِّ إنسان حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي.

وقال خيري علي، إن "المنع موجود منذ أحداث 16 أكتوبر 2017، المئات يمنعون سنوياً من التوجه من سنجار إلى لالش في نقطة تفتيش ناوران ونقاط أخرى، من بينهم شخصيات مستقلة وناشطين أو أشخاص تابعين للقوى المختلفة المتواجدة في سنجار".

أغلب مفاصل الحكم في سنجار كانت بيد الكورد/الحزب الديمقراطي الكوردستاني حتى 16 أكتوبر 2017، قبل أن تتأزم العلاقات بين بغداد وأربيل بسبب استفتاء استقلال اقليم كوردستان، حيث أعادت القوات التابعة للحكومة الاتحادية سيطرتها على سنجار وباقي المناطق المتنازع عليها وانسحبت منها قوات البيشمركة.

منذ ذلك الحين نشأت أكثر من إدارتان في سنجار وانتشرت فيها حوالي 10 قوى مسلحة، من ضمنها الجيش العراقي والحشد الشعبي.

(كركوك ناو) حاول على مدار أيام الحصول على تصريحات من المسؤولين الأمنيين والقائمين على نقاط التفتيش بين اقليم كوردستان ونينوى وسنجار، لكن دون نتيجة.

قائد قوات البيشمركة التابعة لإقليم كوردستان في سنجار، ميرزا خلف، أكد لـ(كركوك ناو) أنباء تعرض الايزيديين للمنع وقال، إن "الذين يمنعون في نقاط التفتيش من دخول كوردستان هم مقاتلو حزب العمال الكوردستاني (البككة) والحشد الشعبي، أسماؤهم موجودة عند القوات الأمنية، لذا يتم منعهم في نقاط التفتيش الواقعة بين سنجار واقليم كوردستان".

ويأتي ذلك في حين يعتبر الحشد الشعبي بموجب القانون قوة رسمية في العراق ولا يوجد نص قانوني يعتبر حزب العمال الكوردستاني قوة محظورة.

"العشرات ممن تعرضوا سابقاً للمنع، حلت مشكلتهم عن طريقنا بعد أن خاطبنا نقاط التفتيش، لكنا لا نتدخل فيما يتعلق بمنع أشخاص ينتمون للبككة أو الحشد الشعبي"، على حد قول قائد البيشمركة.

بموجب منهاج الحكومة الحالية لإقليم كوردستان، يمنع محاسبة أي شخص على معتقداته السياسية وانتماءاته الحزبية.

ادريس زوزاني، مسؤول إعلام الفرع الرابع للحزب الديمقراطي الكوردستاني، قال لـ(كركوك ناو) إن "الاجهزة الأمنية تعترض فقط الأشخاص المشبوهين أو المنتمين لمنظمة البككة الإرهابي أو داعش، لذا أمر طبيعي الهدف منه حماية الأمن القومي في إقليم كوردستان".

وتساءل زوزاني "ماذا يفعل عناصر البككة والحشد الشعبي في اقليم كوردستان، لهم مقرات في مناطقهم، إذا جاؤوا الى اقليم كوردستان فإنما يأتون بهدف زعزعة أمن المنطقة، كما يوجد بينهم من سجلت عليهم شكاوى، لذا حين يأتون الى اقليم كوردستان يتم اعتقالهم أو منعهم في إطار الاجراءات القانونية"، دو أن يوضح الى أي إجراء أو قانون يستند الاعتقال.

يرفض قسم من الايزيديين حتى اليوم الاعتراف بأمير وبابا شيخ الايزيدية، نتيجة لذلك أعلن ثلاثة أشخاص أنفسهم أمراء، في تموز 2019، جرى تنصيب حازم تحسين بك "أميراً" لايزيديي العراق والعالم في مراسيم أقيمت بمعبد لالش في قضاء شيخان، كما اعرب عدد من رجال الدين ووجهاء الايزيدية رفضهم لآلية تنصيب البابا شيخ.

وكان كل من "ألأمير" حازم تحسين بك والبابا شيخ علي ألياس قد زارا من قبل سنجار، لكن مساعيهما لعقد المصالحة ولم الشمل الايزيدي لم تثمر عن شيء.

منظمة بتريكور لحقوق الانسان أبلغت المسؤولين العراقيين والمنظمات الدولية عن ملف منع الزوار الايزيديين، ويقول مسؤول المنظمة خيري علي، "أي انسان مما كانت ديانته يجب أن لا يمنع من زيارة أماكنه المقدسة، الأشخاص الذين ذهبوا بقصد الزيارة لا ذنب لهم، يريدون فقط زيارة معبد لالش وأداء عباداتهم".

اضافة الى لالش، يوجد العديد من المزارات الدينية في مناطق مختلفة بنينوى، بعضها تضررت وتم تفجيرها م قبل مسلحي داعش.

تقدر أعداد الايزيديين في العراق بـ550 ألف شخص، تعرض أبناء هذا المكون للنزوح وهاجر أكثر من 100 ألف ايزيدي العراق، وفقاً لإحصائية كشفت عنها المديرية العامة لشؤون الايزيديين في حكومة اقليم كوردستان. ويعيش أغلب الايزيديين في كل من قضاء شيخان (يقع شمال الموصل ويتبع جزء منه محافظة دهو إدارياً والجزء الآخر يتبع نينوى) وقاء سنجار (120 كم غرب الموصل وينبع نينوى إدارياً).