حتى الكلاب السائبة اتعبت إدارة كركوك.. حملات قتلها توقفت والمحمية لا تسعهم

كركوك/ متطوعون يلتقطون الكلاب السائبة من الأروقة ويعتنون بها في مأوى   الصورة أرسلت لـ(كركوك ناو)

ليلى أحمد – كركوك

غيرت إدارة كركوك طريقة تعاملها مع مشكلة انتشار الكلاب السائبة، حيث أوقفت حملات قتلها ببنادق الصيد وقررت وضعها في مأوى، لكنه يعاني العديد من المشاكل ومعظمها تنفق هناك.

حتى منتصف الشهر الجاري (كانون الثاني)، اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد تصفية الكلاب في كركوك بحجة الاستجابة لاحتجاجات الأهالي ضد ازدياد أعداد الكلاب السائبة والخطر الذي يشكله على سلامة الأطفال وحتى الكبار، وبعد أيام من بدء الحملة تصاعدت الاحتجاجات ضد الطريقة المتبعة في معالجة المشكلة وقررت الإدارة وقف عمليات قتل الكلاب ببنادق الصيد.

"حالياً تم منع استخدام الرصاص لقتل الكلاب بقرار من المحافظ، الحملة انطلقت بعد مهاجمة عدد من الكلاب السائبة لطفل ما أدى الى وفاته"، بحسب عمار حميد، رئيس لجنة تنظيم المدينة في قائمّقامية كركوك.

فرق المكافحة بدأت بالبحث عن الكلاب السائبة في عدد من أحياء ومناطق كركوك وكانت تقتلها باستخدام بنادق الصيد أمام أعين السكان، ومن ثم تنقل جثثها إلى مكان آخر لدفنها.

الحملة جاءت بعد أيام قليلة من وفاة الطفل ألند أيمن رمزي (8 سنوات)، حيث هاجمته مجموعة من الكلاب السائبة في مجمع "جوان سيتي" السكني في 11 كانون الثاني الجاري وفارق الحياة بعد نقله إلى المستشفى وفشل الأطباء في إسعافه.

أيمن رمزي، والد الضحية، قال "رغم أنني فقدت ابني بسبب الكلاب السائبة، لكنني لست أبداً مع قتلها ولا أعتبر ذلك حلاً"، بينما كان رمزي يتحدث لـ(كركوك ناو) أخبر المراسلة بأن هناك خمسة كلاب سائبة حالياً أمام باب منزله.

غالباً ما تموت الجراء بسبب البرد، مات خلال هذه الفترة 15 كلباً، منذ بداية العام الحالي، نفق 300 جرو نتيجة للبرد

"ألند" كان طالباً في الصف الثالث الابتدائي، بعد عودته من المدرسة وابتعاده مع زملائه مسافة 400 متراً، بدأ باللعب معهم بجوار حفرة مخصصة للمجاري قرب مجموعة من الكلاب السائبة، وحين حاولوا الهرب تعثر "ألند" ووقع في الحفرة قبل أن تهاجمه الكلاب.

"الكلاب هاجمت ابني وقامت بعضه"، يقول أيمن بأنه لم يتواجد في المكان أي شخص لينقذه ، متهماً المدرسة والحافلة التي كانت تنقل ابنه وحارس المجمع السكني بالتقصير، لذا سجل دعوى ضدهم، "لم يكترثوا لإبني، انتهى من أداء الامتحان وخرج عبر بوابة المدرسة، سائق الحافلة مسك يده ثم تركه على بعد مسافة من المدرسة وغادر المكان، بدلاً من أن يضعه داخل الحافلة ويراقبه".

المتهمون في الحادث اعتقلوا من قبل الأجهزة الأمنية للتحقيق معهم، لكن تداعيات ما حدث لا زالت تشغل مواقع التواصل الاجتماعي. الحادث دفع للبحث عن حل لمشكلة انتشار الكلاب السائبة في الأحياء والمناطق، مشكلة تعاني منها أغلب محافظات العراق وإقليم كوردستان.

دارا شفيق، من سكنة حي شوراو، يقول في بعض الأحيان تجتمع ثمانية كلاب في أحد الأزقة، لذا لا يجرؤ الأطفال ولا الكبار على التنقل. دارا يدعو لإيجاد حل لكنه يرفض فكرة القتل، "كنت أعتني بكلبة في أحد متنزهات شوراو منذ ثلاث سنوات، وبعد أن وضعت جراء جاءت لجنة وقامت بقتلها، شعرت بحزن كبير".

دارا شفيق شهد بنفسه العديد من حوادث مهاجمة الكلاب لسكان المنطقة، لذلك يرى أن على إدارة المحافظة إيجاد حل مناسب، كفتح مأوى لجمع الكلاب وتعقيمها.

توجد خيارات أخرى بدل القتل أو الابعاد، منها تعقيم الكلاب السائبة والذي يؤيده الكثير من ناشطي الرفق بالحيوان، فيما يؤيد آخرون فتح مأوى كبير لها.

يوجد في كركوك مأوى للكلاب السائبة، لكن معاناة الكلاب فيها ليست أهون بكثير من قتلها. بحسب المشرف على المأوى، ينفق يومياً عدد من الكلاب بسبب الحر أو البرد أو الجوع أو الأمراض.

نورجان سعاد (42 سنة)، خريجة كلية الشريعة الاسلامية، تدير المأوى بشكل تطوعي، حيث أنها موظفة في دائرة أخرى. تزور نورجان المأوى غالباً بعد الظهر لكي تعتني بالكلاب السائبة وتقدم العلاج للمريضة منها.

في عام 2018، تبرع لها شخص بقطعة أرض أنشأت عليه الملجأ لجمع ومعالجة الكلاب السائبة والمصابة، بعد فترة تقدمت بطلب لإدارة محافظة كركوك التي خصصت لها قطعة أرض بمساحة 5 دونمات.

"غالباً ما تموت الجراء بسبب البرد، مات خلال هذه الفترة 15 كلباً، منذ بداية العام الحالي، نفق 300 جرو نتيجة للبرد"، حسبما قالت نورجان لـ(كركوك ناو). يوجد حالياً في المأوى 400 كلب بالغ و200 جرو.

 فيديو: حملة أطلقتها إدارة كركوك للتخلص من الكلاب السائبة  / كانون الثاني 2025

يستوعب المأوى ألف كلب، في الوقت الذي يصل فيه عددها بحسب تقديرات ومتابعات فريق نورجان إلى حوالي أربعة آلاف.

وفقاً لمتابعات (كركوك ناو)، ناقشت إدارة كركوك خلال السنوات الثلاث الماضية ظاهرة انتشار الكلاب السائبة في عدة اجتماعات رسمية تمخضت عنها قرارات مختلفة، لكن الملف بقي دون حلول.

"لدينا مأوى للكلاب ويجب أن تنقل إلى المأوى لكي لا تؤذي الناس، حيث أن أعدادها ازدادت لدرجة تشاهدها في كل شارع ومنطقة، وهي تهاجم المواطنين بشكل يومي"، حسبما قالت الناشطة البيئية في كركوك، شكوفه محمد، التي أشارت إلى أن المأوى "مساحته صغيرة ولا يسع لأعداد كبيرة من الكلاب".

تطوع شكوفه لزراعة 350 شجرة في المأوى، لكنها تضررت بسبب الكلاب، وتطالب شكوفه بإيجاد حل للملف مع مراعاة حقوق الحيوان.

حملات التطهير ضد الكلاب السائبة دائماً ما تواجه انتقادات من المنظمات المدافعة عن حقوق الحيوان والتي تطالب باتخاذ إجراءات بديلة، مثل جمع الكلاب والحيوانات الضالة الأخرى في مكان خاص بعيد عن المناطق السكنية.

ويقول المسؤول في قائمّقامية كركوك بأنه لجانهم تقوم الآن بجمع الكلاب ونقلها إلى المأوى، بعد قرار الإدارة بوقف قتلها ببنادق الصيد، "أمسكنا بـ600 إلى 700 كلب ونقلناها إلى المأوى... لا يجب قتل الكلاب كلها، بعضها غير مؤذية".

بموجب قانون الصحة الحيوانية رقم 32 لسنة 2013، تُشَكّل في كل محافظة لجنة بالتعاون مع القوات الأمنية للقضاء على الكلاب السائبة.

رئيس لجنة تنظيم المدينة في قائمّقامية كركوك، عمار مجيد، قال "لدينا نواقص كثيرة في المأوى، نحتاج إلى عمال وأسلحة تخدير وأطباء بيطريين وسيارات، طلبنا رسمياً توفير طبيب بيطري للملجأ لكننا لم نحصل على أي رد"، اللجنة لديها أربعة عمال وسيارة واحدة، وتحتاج إلى ستة عمال ومزيد من السيارات لجمع الكلاب.

sagi be nawa kirkuk 2025 (1)

كركوك/ 2025/ مجموعة من الكلاب داخل  ملجأ ليلان للكلاب السائبة  تصوير: المستشفى البيطري

بحسب بيان للمستشفى البيطري في كركوك نشر قبل اسبوع، تم تشكيل لجنة بيطرية تتألف من عدد من الأطباء تتولى زيارة المأوى مرتين في الأسبوع.

وتقول مديرة مأوى الكلاب السائبة بأنها تعتني بالمكان لوحدها وأحياناً تتلقى المساعدة من بعض الناشطين وفرق المنظمات المدنية، "أوفر لها الطعام والأدوية على نفقتي الخاصة، وهذا يثقل كاهلي... صرفت حتى الآن 50 مليون دينار من جيبي الخاص للاعتناء بالكلاب"، حتى مياه الشرب تؤمنها للكلاب بصهاريج متنقلة لأن ماء البئر الموجود في المأوى مالح ولا يصلح للشرب".

نورجان سعاد غير واثقة فيما إن كان المأوى رسمياً وتابعاً لإدارة كركوك أم لا، مشيرة بالقول"لم أتلق المساعدة من أي طبيب أو دائرة بيطرة، نحن بحاجة ماسة لخدماتهم لكي يتم تعقيم الكلاب، أعدادها في المأوى تزداد بشكل مستمر"، نورجان قدمت مطالبها لإدارة المحافظة وتنتظر الرد.

في الفترة ما بين عامي 2017 و 2018، قامت إدارة كركوك عن طريق عدة حملات بالتخلص من ثلاثة آلاف كلب سائب.

"اللجنة تقول إنها قتلت 400 كلب، لكن البيانات التي حصلت عليها تشير إلى أنها قتلت نحو 2600، حتى أن بعض المواطنين يقومون بقتل الكلاب بأنفسهم عن طريق تسميمها"، بحسب نورجان.

هناك بعض الأمراض التي تُنقل للإنسان من الكلاب، من بينها الأكياس المائية وداء الكلب، أحياناً تكون هذه الأمراض مميتة.

عباس خالد، طبيب بيطري، قال لـ(كركوك ناو) إن "الكلاب تحمل مجموعة من الأمراض التي قد تنقلها إلى الانسان، أحد هذه الأمراض وأخطرها هو داء الكلب الذي قد يؤدي الى موت الإنسان إذا لم يتم إسعافه بسرعة".

بعض الكلاب المتواجدة في الأحياء والأزقة مصابة بالجرب، وهو مرض يشكل خطراً على الإنسان، "يجب العمل على تقليل أعداد الكلاب الضالة بطرق مدروسة، لأن هذه الكلاب تحافظ على التوازن البيئي ويجب أن لا تتعرض للتطهير باستمرار، يجب تأمين مأوى مناسب لها".

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT