كانت روناك تعيش حياتها الطبيعية مع زوجها ويتشاركان معا في تَوَلّي مسؤولية تأمين لقمة العيش لأطفالهما، ولكن حَدَث ما لم يَأتِ يوماً في حسبانها، فجأةً انقلب كل شيءٍ في حياتها رأساً على عَقِب، وتغيرت حياتها بصورة من الصعب على الكثيرين التأقلم معها.
روناك (40 سنة)، كانت أُم لخمسة أطفال وحاملاً بمولود جديد عندما توُفّي زوجها قبل خمسة أعوام بسبب جلطة قلبية مفاجِئة.
كانت تلك العقبة الأولى التي واجهت روناك في حياتها، بعد ذلك حَمَلت على عاتقها مسؤولية رعاية أطفالها، ومما زاد من وطأة الأمر عليها العراقيل التي وضعها المجتمع أمامها وخصوصا من قِبَل ذويها الذين أصرّوا على أن تغادر القرية التي تعيش فيها.
روناك ذات العينين الزرقاوين والشعر الفاتح والخدود والشفتين الُمتَيَبّستَين تعيش في احدى قرى منطقة كرميان، وقد أصرّت بسبب ضغوط أهلها على عدم ذكر اسمها الحقيقي أواسم القرية التي تسكن فيها، ولكنها رغم ذلك تَكتُبُ وبكل ثقة قصة نجاحها وتجاوزها للمعوقات التي اعترضت طريقها.
"كان لدي خمسة اطفال وكنت حاملا بالسادس، في هذه القرية النائية، وقعت مسؤولية اعالة ستة أطفال على كاهلي"، وأضافت روناك "أقاربي ومعارفي غادروا وتركونا حالَما انتهت مراسيم عزاء زوجي، لَبِستُ الثوب الأسود ومنذ ذلك اليوم خَيَّمَ الصمت على منزلنا المتواضع."
كان لدي خمسة اطفال وكنت حاملا بالسادس، في هذه القرية النائية، وقعت مسؤولية اعالة ستة أطفال على كاهلي
لم يمر وقت طويل قبل أن تواجه روناك معضلة اخرى، " أهلي وبعض سكان القرية أخبروني بأن الحياة في القرية غير ملائمة لأرملة شابة، وطلبوا مني أن أذهب للمدينة عند اخواني وأتولى مهمة اعالة أطفالي هناك."
بجانب أَساها على فقدان زوجها، تقول روناك بأنها كانت تفكر على الدوام في كيفية اعالة أطفالها وفي نفس الوقت مواجهة نظرة المجتمع لها. "قَرَّرتُ أن أبقى في القرية وأُكمِلَ عمل زوجي دون أن ألتَفِتَ لأقاويل الناس."
هذا القرار الجريء كان بداية قصة بالغة الأهمية، تُمَثّلُ فيها روناك دور البطولة وربما ستتمكن من أن تصبح مثالا يُحتذى به من قبل عشرات النساء اللواتي قد يواجهن نفس العراقيل والصعوبات في المستقبل.
القرار الذي توصلت اليه روناك أبعدَها عن أهلها المقربين بحيث قاطعوها وامتنعوا عن زيارتها اِذ أنهم كانوا يتوقعون من روناك أن تَمتَثِل لرغبتهم.
كانت روناك ي سن العشرين حين تزوجت، وتركت الحياة في قضاء دربنديخان لتسكن مع زوجها في هذه القرية النائية.
بعد مضي عدة شهور على وفاة زوجها، رُزِقَت روناك بمولودها الجديد، ظلت روناك لفترة طويلة تعاني من الاجهاد وفقدت قدرتها على الأكل. "الأطباء كانوا يواجهون صعوبة في أخذ عينة دم من جسدي."
بعد مرور أشهر قليلة على ولادة طفلها السادس، كان لزاما على روناك أن تؤمن لقمة العيش لأطفالها وأن تسدد ديون زوجها التي بلغت خمسة ملايين دينار كان زوجها قد اقترضها لأعمال الزراعة.
"بدأتُ بمزاولة الزراعة وتربية المواشي، جَلبتُ عدة رؤوس مواشي وبدأت بتربيتها وتقسيم أرباحها مناصفةً مع أصحابها. بعد مرور عامين على وفاة زوجي تمكنت من تسديد ديونه البالغة خمسة ملايين دينار"، تقول روناك مفتخرةً.
بعد مرور عامين على وفاة زوجي تمكنت من تسديد ديونه البالغة خمسة ملايين دينار
بعد ذلك باعت روناك جَرّار زوجها واستخدمت المال اضافة الى مبلغ آخر من اجل التخلص من بيتهم المبني من الطين والذي كان آيلاً للانهيار، فاجتازت تلك المهمة ايضا بنجاح.
كانت روناك في سن الخامسة والثلاثين حين فقدت زوجها، ابنها الأكبر كان يبلغ 13 عاماً ولم يكن باستطاعته مساعدة والدته، ولكنه الآن يمثل عوناً كبيراً لها.
عاهدت روناك نفسها على أن تُؤَمّنَ لأطفالها اكمال تعليمهم لأن ذلك كان أمنية زوجها.
قصة النجاح هذه لم تتحقق بسهولة، تَكَبّدَت روناك آلاماً ومَصائبَ جَمّة، وتقول "مررت بأيام كان اطفالي فيها مرضى وكنت مضطرة حينها الى قطع عدة كيلومترات مشياً على الأقدام لكي أصل الى الشارع العام وأستقل مركبة لأخذهم الى الطبيب."
تذهب روناك شهريا الى المدينة لشراء مستلزمات بيتها واطفالها، أهلها وأقاربها لا يزالون يقاطعونها منذ وفاة زوجها، القطيعة شملت أيضا ذويها، ما عدا أختها التي تزورها في الأعياد فقط.
سأُكافِحُ من أجل أطفالي ما دَمتَ حَيّة، أريدهم أن يكملوا تعليمهم وأن يكون لهم مستقبل باهر، ولا يَلقَوا نفس مصير والدتهم."
في أحد الأيام صَفَعَ معلم احد ابنائها، فتوجهت روناك الى المدرسة وقالت لهم "لم أربي اطفالي بالعنف ولا أريد أن يتكرر هذا مستقبلاً."
رغم كل شيء، فاِن روناك قد وصلت الى مرحلة تجاوزت فيها صعاب الماضي، صدمة فقدان زوجها بدأت تَخِفَ، هي باستطاعتها الآن اعالة أطفالها وتنشئتهم، مع ذلك أثبتت لأهلها واقاربها وللمجتمع بأنها كانت على الطريق الصحيح. تقول روناك "اتَّخِذ قراركِ واعتمدي على نفسكِ، بهذه الطريقة ستتمكنين من النجاح."
ترفع روناك يديها الى السماء شاكرة وتبتهل قائلة "يا ربّي، تَوَكلتُ عليك واستطعت أن اتجاوز كل المحن برأس مرفوعة."
ليلى أحمد- كركوك ناو