سيتم إنشاء غابة كثيفة من اشجار البلوط في أربيل عاصمة اقليم كوردستان بين شارعين رئيسيين مزدحمين في المدينة، تنتشر فيهما يومياً أدخنة عوادم آلاف المركبات التي تمر بهما.
المشروع ينفذ من قبل منظمة "هسار" على مساحة 180 دونم، و يتم إرواء الأشجار باستخدام المياه الثقيلة بعد تصفيتها، كما يستفاد من الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء. المشروع يهيئ فرص عمل للمئات من سكان القرى.
الهدف هو إنشاء حزام أخضر حول المدينة بزراعة مليون شجرة بلوط. رغم أن مثل هذه المشاريع تقع على عاتق الحكومة، لكن المهمة تولاها مئات الشبان المتطوعين الذين يعملون في إحدى المنظمات وتمكنوا من زراعة 300 ألف شجرة بلوط خلال السنوات الخمس الماضية ويتطلعون لبلوغ 700 ألف شجرة بنهاية 2024.
تحديات كبيرة
حين أطلق رئيسة منظمة "هسار" وفريقها الحملة قبل خمس سنوات، واجهوا صعوبات في البداية.
تقول كشبين بأنه كان عليهم في نفس الوقت التفكير في كيفية تنظيف 180 أرض من النفايات، وكيفية الحصول على شتلات البلوط وكذلك كيفية إروائها وتأمين الطاقة الكهربائية اللازمة بسبل لا تتعارض مع هدف المشروع المتمثل بحماية البيئة.
الشارع يعرف بشارع 120 ويبلغ طوله 38 كيلومتر، وهو من الشوارع الرئيسية المزدحمة التي تم افتتاحها قبل سنوات، دون الأخذ بالحسبان أحد الجوانب المهمة المتعلقة بالمشروع ألا وهو الحزام الأخضر.
حسب تصميم المشروع، من المقرر تنفيذ مشروع حزام أربيل الأخضر على امتداد شارع 120 وشارع 150، بعرض كيلومترين في محيط الشارعين المذكورين.
وأشارت كشبين الى أن أرض المشروع البالغة مساحتها 180 دونم كانت قبل خمس سنوات مكباً للنفايات، لذا فإن الخطوة الأولى كانت تنظيف الموقع ومن ثم تسييجه لمنع رمي النفايات فيه.
وقالت كشبين، إن "500 شاب وشابة يعملون في إطار هذا المشروع"، هؤلاء الشبان شاركوا في تنظيف الأراضي ويعملون الآن على زراعة أشجار البلوط وسقيها يومياً.
حتى الآن الى 300 ألف دولار ووصلت نسبة الانجاز الى 30 بالمائة. مصاريف المشروع تشمل تنظيف الأراضي وتسييجها وشراء شتلات البلوط
زهراء طاهر تطوعت للعمل في بداية المشروع وهي الآن موظفة في المنظمة وتشرف على فريق المتطوعين، تقول زهراء "نعمل مع المتطوعين ليلاً ونهاراً لتشجير هذا الجزء من المدينة".
"أشعر بفرح غامر لأنني أشهد وضعاً من النادر أن يشهده آخرون، لحظة بلحظة تتسع شبكة المتطوعين من الجنسين باختلاف أعمارهم ومعتقداتهم ويجمعنا هدف واحد، وهو بيئة أفضل في كوردستان في مواجهة التغيرات المناخية".
وفقاً لإحصائيات وتقديرات مديرية هندسة حدائق أربيل في 2019، يقترب عدد الأشجار التي تمت زراعتها حتى نهاية أيار الماضي من 450 ألف شجرة، ومن المقرر زراعة 100 ألف شجرة أخرى حتى نهاية العام الحالي، بالأخص في الأماكن التي بحاجة لزيادة نسبة المساحات الخضراء فيها.
وصلت كلفة مشروع منظمة "هسار" حتى الآن الى 300 ألف دولار ووصلت نسبة الانجاز الى 30 بالمائة. مصاريف المشروع تشمل تنظيف الأراضي وتسييجها وشراء شتلات البلوط وأعمال مشروع تصفية المياه المخصصة للإرواء وتوليد الكهرباء وزراعة الأشجار والاعتناء بها.
أربيل ستحظى بغابة بلوط
أشجار البلوط المزروعة وسط مدينة أربيل تنمو تدريجياً، أصبح ارتفاعها يتراوح بين 20 و 40 سنتمتر أو أكثر، هذه هي المرة الأولى التي تزرع فيها اشجار البلوط بهذا النطاق الواسع وسط المدينة.
سنوياً خلال موسم غرس الأشجار، يطلق فريق المتطوعين في المشروع حملة زراعة اشجار البلوط ويحثون سكان القرى على جمع شتلات البلوط وزراعتها.
تمنح المنظمة مبلغاً من المال لسكان القرى مقابل جمع وزراعة اشجار البلوط، موفرةً بذلك فرص عمل للقرى التي توجد فيها اشجار بلوط، بعدها ينقل المتطوعون الشتلات الى أربيل لزراعتها هناك.
ويقول كشبين، "نجمع سكان القرية نوضح لهم أهداف المشروع وبدورهم يساعدوننا... هدفنا الآخر هو الحفاظ على أشجار البلوط من خلال ضمها الى مشروع منظمة هسار".
نظام زراعة البلوط يشبه النظام الطبيعي لغابات البلوط في اقليم كوردستان. المسافة بين اشجار البلوط المزروعة في أربيل قليلة وتتراوح بين 20 و 25 سنتمتراً.
أشجار البلوط زرعت على شكل مجموعات، كل مجموعة تضم 36 شجرة، المسافة بين كل مجموعة واخرى حوالي متران"، بحسب القائمين على المشروع.
المشروع استمد هذه الطريقة من غابات البلوط الطبيعية في اقليم كوردستان ويرون بأنها ناجحة.
شجرة البلوط تنمو ببطء، ارتفاع الأشجار يترواح حالياً بين 20 و 40 سنتمتر، بعضها اعلى وبعضها اقل.
يأمل المشرفون على المشروع أن تكون "الغابة الكثيفة" المستقبلية مفيدة لمواجهة تلوث الهواء في مدينة أربيل التي تعاني من انتشار الأدخنة والانبعاثات الملوثة للهواء.
أكثر من 1100 مولدة أهلية تزود سكان مركز محافظة أربيل بالكهرباء، فضلاً عن مئات المولدات التي تعمل في الأماكن العامة والدوائر الحكومية والشركات، الى جانب المئات من المصانع والمصافي التي تلوث الهواء.
بحسب وزارة الصحة في حكومة الاقليم، يعد التلوث البيئي من اسباب الإصابة بأمراض السرطان، حيث سجلت تسعة آلاف و911 حالة خلال 2023، كانت نسبة 55 بالمائة منها في محافظة أربيل.
علمت بالمشروع عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، الشعور بالمسؤولية وحب الوطن دفعني لدعم المشروع
وتشير إحصائية نشرتها الوزارة في اليوم العالمي للسرطان (4 شباط) الى أن سرطان الرئة ثاني أكثر الحالات شيوعاً.
الدكتور بختيار محمد، خبير بيئي في مدينة أربيل يقول إن 85 بالمائة من تلوث الهواء في أربيل يتعلق بالمصافي التي يقع معظمها غربي وجنوب غربي المدينة.
"تنتج عملية تصفية لتر واحد من النفط الخام في المصافي حوالي 85 كيلوغرام من غاز ثاني أوكسيد الكربون، ويؤدي احتراق لتر واحد من البنزين الى انتاج 2.2 كيلوغرام من ثاني أوكسيد الكربون"، بحسب الدكتور بختيار محمد.
وفقاً لإحصائيات هيئة حماية البيئة في اقليم كوردستان لعام 2018، يعيش مليون و10 آلاف شخص في مركز محافظة اربيل وتبلغ نسبة المساحات الخضراء فيها أكثر من 15 بالمائة.
وتقول رئيسة منظمة "هسار" إن الخطة هي إنشاء غابة بلوط مصغرة وسط أربيل بحلول عام 2030، "هدفنا الاستمرار لحين زراعة مليون شجرة".
17 منظمة محلية ودولية، شركات ومؤسسات حكومية تدعم المشروع بطرق مختلفة، ويدعم 150 عضو دائمي يقيمون داخل وخارج اقليم كوردستان المشروع مالياً.
سنكر آكريي، متطوع مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية يحشد الدعم المالي للمشروع، قال "علمت بالمشروع عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، الشعور بالمسؤولية وحب الوطن دفعني لدعم المشروع، سأواصل دعمي لضمان استمرار المشروع"، واضاف "هذه المشاريع ضرورية لمواجهة التغير المناخي".
الاستفادة من المياه الثقيلة
لترشيد استهلاك المياه، تعيد منظمة هسار استخدام مياه الصرف الصحي لري الغابات بعد معالجتها.
تم نصب أجهزة المعالجة داخل المشروع وتنفذ هذه الخطوة بالتعاون مع مديرية ماء أربيل.
تقول كشبين، "تجرى معالجة المياه الثقيلة لحي بينجي حساروك وسط مدينة أربيل واستخدامها لري اشجار البلوط... تتم يومياً معالجة 300 متر مكعب، خزانات المياه نصبت داخل أرض مشروع زراعة أشجار البلوط".
لمنع هدر المياه تستخدم منظمة "هسار" تقنيات مختلفة لكي تسد حاجة الغابة من الماء.
وأوضحت كشبين بأن "التقنية المستخدمة يطلق عليها نظام الري العميق (Deep Root Irrigation)، مشيرةً الى أن "العملية تتمثل بعمل حفر بجانب الأشجار بعمق 30 سنتمتر وملئها بالحصى أو الحجارة، وخلال الري يوضع الماء في الحفر لكي تصل المياه مباشرة الى الجذور".
يعتمد مشروع منظمة "هسار" كلياً على الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، نظراً لأن نصب المولدات يتعارض مع فكرة المشروع لأنها تلوث البيئة.
جانبا الغابة المتمثلين بشارع 120 متر و شارع 150 متر، تمر فيهما يومياً آلاف المركبات التي تلوث هواء أربيل بأدخنتها.
يوجد في اقليم كوردستان أكثر من مليوني مركبة، القسم الأكبر منها في محافظة أربيل.
الخبير في مجال البيئة، بختيار محمد، قال إن "كمية غاز ثاني أوكسيد الكربون التي تنبعث مع احتراق البنزين، تتراوح بين 2.2 و 2.4 كيلوغرام حسب جودة البنزين، أما بالنسبة لزيت الغاز تتراوح بين 2.6 و 2.9 كيلوغرام. كل شجرة تستطيع تحويل 180 غرام من ثاني أوكسيد الكربون الى أوكسجين".
وأضاف، "لتصفية الغازات السامة التي تنبعث من عوادم المركبات مثل ثاني أوكسيد الكربون والميثان، يتطلب وجود نحو 40 شجرة لكل 2 الى 3 لتر من الوقود الذي يتم حرقه.
لا صلة لنا بمشروع زراعة مليون شجرة بلوط، لذا لا يوجد بيننا أي تعاون أو تنسيق
يعد البلوط من الأشجار القادرة على امتصاص كمية كبيرة من ثاني أوكسيد الكربون وتحويله الى أوكسجين وعل هذا الأساس تم اختيار شجرة البلوط في المشروع.
وأشار الى أن "شجرة البلوط من الأشجار الأصيلة والمعمرة في المنطقة وهي ملائمة لمواجه التغيرات المناخية، تحتاج لكمية قليلة من الماء ولا يكلف شراؤها الكثير، لذا بالإمكان زراعة أعداد كبيرة منها".
عقبات تواجه المشروع
مشروع غابة البلوط في أربيل يواجه بعض العقبات وتقول كشبين "هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها زراعة هذا العدد الكبير من أشجار البلوط داخل المدينة، لذا تواجه مشاكل تتعلق بقابلية التكيف مع بيئة المنطقة ودرجات الحرارة العالية".
مع ذلك يستمر المشروع في إجراء التجارب بهدف تكييف هذه الشجرة مع بيئة المدينة.
إجمالاً تبدو الأشجار اليافعة مهملة، بعضها تغطيها الأحراش، كما جف قسم منها، بعضها تعرضت للضرر بحيث توقفت عن النمو.
دلشاد هيراني، مدير بيئة أربيل قال "لا صلة لنا بمشروع زراعة مليون شجرة بلوط، لذا لا يوجد بيننا أي تعاون أو تنسيق".
أشجار البلوط التي تم زراعتها تعتبر مثالاً على تكاتف المئات من السكان للصمود في وجه التغير المناخي.