في الوقت الذي تعاني فيه ناحية "بازيان" بمحافظة السليمانية من تلوث البيئة وتغيير جنس أراضيها الزراعية الى صناعية، تسعى شيماء للحفاظ على البيئة الطبيعية للمنطقة بطرق ومشاريع متنوعة.
افتتحت شيماء حمدالله (26 سنة) مشتلاً لبيع الزهور والنباتات بأسعار زهيدة، لتشجع من خلاله المواطنين على زيادة المساحات الخضراء ونشر بذور أشجار الصنوبر في المناطق المرتفعة بأطراف بازيان، اضافةً الى نشر الوعي البيئي عن طريق تسنمها مسؤولية قسم مهم في منظمة معنية بالبيئة.
تخرجت شيماء من قسم علوم الزراعة، الى جانب مواجهتها تلوث هواء وبيئة المنطقة، تمكنت من تأمين لقمة العيش لأسرتها من خلال عملها كمستشارة زراعية في المنطقة.
تقع "بازيان" جنوب مدينة السليمانية شمالي العراق، وكانت تعد منطقة زراعية مهمة بالأخص لإنتاج الخضروات والفواكه، وكانت من بين أهم منتجي الرز، لكن منذ 2003 بدأت عملية تغيير جنس الأراضي من زراعية الى صناعية، بحيث أصبحت بازيان مقر 30 بالمائة من الصناعات العراقية في عام 2022.
شيماء متحمسة كثيراً لحماية البيئة الزراعة، فإضافة الى تأسيس معمل لإنتاج الفطر، افتتحت هذا العام مشتل (بخشين)، "هدفي من تأسيس المشتل تأمين دخل لعائلتي وفي نفس الوقت زيادة نسبة الخضرة"، وأضافت، أن "أسعار الشتلات والنباتات هنا أرخص لكي أشجع الناس على زراعتها والاعتناء بها، أركز على النباتات التي لديها القدرة على التكيف مع الأجواء الحارة والجافة، لكي تتمكن من مواجهة التغير المناخي".
دخان المعامل والمخلفات الصناعية أضرت بالبيئة، لكن نتيجة ضغوط سكان المنطقة أجبرت معظم المصانع على ايتخدام المرشحات
سعر الشتلة أو النبتة يتراوح بين 1000 و 1500 دينار، هذا التخفيض يشمل الأشخاص المهتمين بزيادة المساحات الخضراء.
"تهتم السيدات أكثر بشراء الزهور لتزيين منازلهن. الخضرة وتنوع ألوان الزهور سواء وضعت داخل أو خارج المنزل ضرورية من أجل بث طاقة ايجابية للسيدات وإبعادهن عن الضغوط والمشاكل النفسية، كما تؤدي الى تقليل الاختلالات الهرمونية وتلوث الهواء".
تتعامل شيماء كجزء من عملها مع مزارعين يكافحون من أجل الحفاظ على بيئة "بازيان" كمنطقة زراعية، وتعمل شيماء مستشارة زراعية وتقدم لهم المساعدة عن طريق إعطائهم الإرشادات التي تتعلق بكيفية استخدام أفضل الطرق لزيادة الانتاج الزراعي.
برنامج الغذاء العالمي منح هذا العام بيتاً بلاستيكياً لشيماء لتتمكن من انتاج المزيد من النباتات والمحافظة عليها من الحرارة وأشعة الشمس.
بالرغم من أن البيوت البلاستيكية ليست صديقة للبيئة، لكنها أصبحت شائعة في بازيان، حيث كان عدد البيوت البلاستيكية في بازيان عام 2005 ثمانية بيوت فقط، أما الآن فوصل عددها الى 1500، تعود لـ800 مزارع، حسب احصائية لزراعة بازيان.
مدير زراعة بازيان، زانيار توفيق، يقول بأن بازيان تحولت كلياً من منطقة زراعية الى صناعية، "أكبر المصانع العراقية توجد حالياً في بازيان"، وشدد على أن شح المياه، صعوبة تسويق المحاصيل، عدم توفر الطاقة الكهربائة اللازم لإضاءة وتهوية البيوت البلاستيكية أدت الى تراجع الزراعة.
واشار الى أن "دخان المعامل والمخلفات الصناعية أضرت بالبيئة، لكن نتيجة ضغوط سكان المنطقة أجبرت معظم المصانع على ايتخدام المرشحات (الفلاتر) لتقليل الانبعاثات الضارة".
وقال رئيس بلدية بازيان، نوزاد جلال أن "اللجان تتفقد المعامل باستمرار للتأكد من عدم تلويثها للبيئة. بصورة عامة، توفر هذه المصانع فرص عمل ومصادر دخل قليلة لسكان بازيان، من الأفضل إلزام المصانع وفق قانون بتخصيص نسبة من الإيرادات لتقديم الخددمات للمنطقة وتوفير فرص عمل لسكانها".
ترغب شيماء بالمضي بعيداً في خططها لزيادة المساحات الخضراء لكن هناك عراقيل من بينها شح المياه، عدم توفر مساحات كافية من الأراضي، لكن الأهم هو أنها لم تقف عاجزة إزاء هذه التحديات التي تواجه النساء في المجتمع خلال ممارسة بعض الأعمال.
انتاج الفطر الطبيعي ، مشروع آخر أسسته شيماء، "بعد تخرجي من الجامعة تبين لي أن المشروع مثمر ومربح، وكانت لدي القدرة على تنفيذه، لذا فإن المشروع الذي خصصت له الطابق السفلي لمنزلنا ما زال مستمراً".
شيماء حمدالله تنشط أيضاً على شبكات التواصل الاجتماعي عن طريق نشر الوعي البيئي والتحذير من تداعيات التغير المناخي، تتولى شيماء مسؤولية قسم العلاقلت في منظمة آينده (المستقبل) لحماية البيئة، تتركز فعاليات المنظمة داخل محافظة السليمانية.
ترى شيماء بأن بيئة بازيان مناسبة لزراعة أشجار الصنوبر لأنها لا تحتاج لكميات كبيرة من الماء، لذا تصاحب هواة تسلق الجبال في رحلاتهم لنشر بذور الصنوبر وأشجار الفاكهة في المناطق الجبلية، "هدفنا الحفاظ على البيئة وزيادة نسبة المساحات الخضراء".
لا تتوفر في اقليم كوردستان أرقام رسمية ودقيقة تحدد نسبة الخضرة في المحافظات والمدن، لكن مسحاً أجرته وزارة الزراعة عام 2015 وتعتمدها هيئة حماية البيئة، أشار الى أن نسبة المساحات الخضراء في الاقليم تبلغ 12 بالمائة، في حين أن المعايير الدولية حددت النسبة بحوالي 30 بالمائة.
تقول شيماء، "نسعى لزيادة نسبة الخضرة في بازيان، أهم شجرة بإمكاننا زراعتها لمواجهة التغير المناخي وحماية البيئة هي شجرة الأوكالبتوس، لكن بطرقمناسبة كإنشاء الغابات وليس بزراعتها في الجزرات الوسطية أو على أرصفة الشوارع أو أمام المنازل".
"هذه الشجرة تمتص الهواء الملوث وتجمعه في خلاياها وتنتج كمية كبيرة من الأوكسجين، تحتاج للقليل من الماء في السنة الأولى من زراعتها لأن أوراقها زيتية، الأشجار التي تكون أوراقها زيتية تحتاج لكمية قليلة من الماء".
وشددت شيماء على ضرورة إيلاء اهتمام أكبر بالأشجار الأصيلة، "أفضل أنواع الأشجار لحماية البيئة عبراة عن الصنوبر، التوت والجوز لأنها أشجار معمرة وقادرة على التكيف مع مناخ اقليم كوردستان".