إناء غسيل وبعض قطع القماش الخام مع جهاز لتقطيع الورق، كانت هذه قصة ولادة مشروع في السليمانية تشرف عليه فتاة تعيد من خلاله تدوير ما لا يقل عن 100 كيلوغرام من نفايات الورق شهرياً.
مشروع "براف" هو مشروع لتدوير الورق بهدف حماية البيئة وتقليل آثار صناعة الورق، حيث أن انتاج طن واحد من الورق يتطلب قطع 24 شجرة، فضلاً عن استهلاك كمية كبيرة من الطاقة والمياه، بحسب صاحبة المشروع بسوز محمد.
صناعة الورق لها علاقة مباشرة بتلوث البيئة. يشير تقرير للصندوق العالمي للطبيعة (WWF) الى أن أكثر من 80 بالمائة من الغابات الموجودة حالياً في العالم تواجه خطر الزوال بسبب النشاطات البشرية من بينها صناعة الورق الذي يعد المحرك الرئيسي لعملية الزوال.
الصندوق العالمي للطبيعة منظمة غير حكومية تعنى بحماية الحياة البرية وتقليل الأنشطة والفعاليات التي تؤثر سلباً على البيئة.
الجامعة كانت مصدر الفكرة
تقول بسوز محمد بأنها حين كانت طالبة في كلية الفنون الجميلة بجامعة السليمانية، كانت تشعر بالاستياء من منظر نفايات الورق التي تملأ سلات النفايات.
"النشاطات المتعلقة بكليتنا كانت تستدعي استخدام كميات كبيرة من الورق، لذا قررت مع صديق لي اسمه سهند التفكير في طريقة ما لمعالجة هذه المشكلة"، وتضيف بسوز، "في البداية فكرنا في الاستفادة من الأوراق الصالحة للاستعمال وإعادة استخدامها، لكننا شعرنا بأن هذا ليس كافياً". لذا فكرنا في أن إعادة تدوير الورق هو الحل الأفضل للمشكلة.
واصل الاثنان مشاوراتهما الى أن ولد مشروع "براف ريسايكل" في عام 2021، وتقول بسوز بأن المشروع يعد "أول مركز لإعادة تدوير الورق في اقليم كوردستان".
يعمل المشروع على تقليل نفايات الورق عن طريق جمعها من الدوائر والمؤسسات الحكومية، الشركات وبعض الأماكن الأخرى ومن ثم إعادة تدويرها، الى جانب تنظيم ندوات وحملات توعية لحث المواطنين على الحفاظ على البيئة.
بسوز محمد من أهالي بلدة قلعة دزة لكنها تقيم في مدينة السليمانية، يعتبر مشروعها صديقاً للبيئة، حيث أن معظم خطوات عملية التدوير يدوية باستثناء تقطيع الورق عن طريق جهاز صغير يستهلك كمية قليلة من الكهرباء.
بعد تقطيع الورق يتم مزج الأوراق المقطعة بالماء داخل إناء كبير (طشت) ليتحول الى عجينة توضع بعدها داخل قالب يحدد حجم الورق الذي يعاد انتاجه، بعدها يوضع القالب على قطعة من القماش الخام لامتصاص الماء وبعد التجفيف يتم تشكيل لفات الورق.
خطوات العملية بأكملها تحرى داخل غرفة صغيرة، ويمكن استخدام الأصباغ لتغيير لون الورق.
تعد صناعة الورق خامس أكبر مستهلك لموارد الطاقة في العالم، وهي مسؤولة عن انبعاث 5 بالمائة من غاز ثاني أوكسيد الكربون.
خذوا نفايات الورق الى المشروع واحصلوا على خصومات
مشروع براف ريسايكل يتولى في معظم الأحيان جمع نفايات الورق بنفسه، لكن أحياناً تصلهم من المواطنين.
في حال أحضرت الشركات أو الدوائر والمؤسسات نفايات الورق الى براف سيحصلون على خصومات على منتجات "براف ريسايكل"، تتراوح بين 15 و 20 بالمائة.
مشروع "براف" طرح مؤخراً منتجاً جديداً عبارة عن أوراق تحتوي على بذور. وأوضحت بسوز "توجد داخل الورق بذور بعض أنواع الزهور لكي تساهم في زيادة المساحات الخضرء في حال رمي الورق".
بشكل عام، منتجات "براف ريسايكل" تتألف من دفاتر الملاحظات، ورق الكانسن الذي يصلح للرسم بالأصباغ المائية والزيتية كذلك.
يعيد المشروع حالياً تدوير 100 كيلوغرام من نفايات الورق.
ويتولى أيضاً نشر الوعي البيئي بين المواطنين وتعريفهم بكيفية إعادة تدوير الأنواع المختلفة من النفايات عن طريق الندوات والدورات.
"نريد أن تكون هناك وقفة موحدة لمواجهة التغير المناخي الذي يشمل العالم بأسره"، بحسب بسوز.
إحدى الندوات نظمت لأطفال دار اليوغا الفني حول إعادة تدوير نفايات الورق. لاونا كوردين، من الأطفال الملتحقين بدار اليوغا قالت، "لم أكن أعرف من قبل أن نفايات لورق يمكن إعادة تدويرها... قررت من الآن فصاعداً عدم رمي الأوراق وجلبها لمشروع براف ريسايكل".
دار اليوغا الفني مشروع تعليمي للأطفال، وهو مزيج من الرياضة والاهتمام بالتشجير، الهدف هو تقوية الجانب الجسدي والنفسي للأطفال وتنظيم فعاليات بيئية متنوعة.
تنتج السليمانية يومياً أكثر من ألف طن من النفايات يشكل الورق نسبة غير محددة منها، ويعد ذلك جزءاً من أزمة التعامل مع النفايات ومعالجتها في اقليم كوردستان، حيث يتم حرق وطمر كميات كبيرة منها.
ويأتي ذلك في الوقت الذي كشفت فيه (آكيو ئير)، وهي شركة سويسرية تعمل في مجال تكنلوجيا جودة الهواء، أن هواء العراق من "الأكثر تلوثاً" بين دول العالم.
بسوز محمد هي فنانة تشكيلية، تعرض للناس عن طريق الفن، كفنّ النحت بعض المشاكل البيئية، على سبيل المثال تأثير تلوث الهواء على مصادر المياه والحيوانات.
كما تتضمن أعمالها الحفاظ على التراث الكوردي، وتصمم أغلفة الكتب بقماش الـ"هوري" واليشماغ.
الباحث في مجال البيئة، خالد سليمان، أوضح بأن النفايات الورقية لا تلحق بالبيئة نفس الأضرار التي تسبب بها النفايات البلاستيكية، "يصنع الورق من الأشجار ويتحلل في التربة"، لكنه أشار الى أن "أضرار الورق للبيئة تكمن في مراحل انتاجها، لأن صناعة الورق تتطلب قطع أشجار الغابات الطبيعية، بالرغم من وجود غابات اصطناعية خاصة بصناعة الورق".
وأضاف، "كما يحتاج انتاج الورق الى استهلاك كمية كبيرة من الطاقة ومصادر طبعية وموارد بشرية وينتج عنها انبعاث بعض الغازات كثاني أوكسيد الكربون، أي بصورة عامة تؤثر مراحل صناعة الورق على النظام البيئي وتغير المناخ".
كشاو فاضل، مدربة لكوادر عدد من مدارس السليمانية تقول إن نسبة كبيرة من أوراق الدفاتر والكتب المدرسية يتم رميها يومياً، "يقولون بأن الورق ليس مضراً للبيئة، متناسين الأضرار التي تنتج عن صناعة الورق".
مبادرة براف مفيدة لكنها بداية الطريق
إعادة تدوير 100 كيلوغرام من نفايات الورق شهرياً مبادرة جديدة ومفيدة، لكنها البعض يرى بأنها ليست الحل لأكوام النفايات الورقية التي ترمى يومياً كالكتب المدرسية، أوراق الامتحانات، كتب الدوائر والشركات والكميات الهائلة من الكرتون والورق المقوى الذي تخلفه الأسواق.
مشروع "براف" غير قادر على استلام وتقطيع الورق المقوى لأنها أكثر صلابة، وليس لديه القدرة على صنع دفاتر كبيرة كالتي يستخدمها الطلاب في مدارسهم.
يقول خالد سليمان، "للتقليل من استخدام الورق في العالم يتم الاعتماد على الأنظمة الالكترونية، حتى أن الكتب المدرسية والمناهج الدراسية اصبحت متوفرة الكترونياً، لكن إعادة تدوير النفايات الورقية تعتبر أيضاً حلاً مهماً ومفيداً لتقليل الأضرار التي تؤثر على النظام البيئي والغابات جراء عملية انتاج الورق".