جبل كويزة أو ما يطلق عليه بـ"رئة السليمانية" دخل مرحلة التنشيط من أجل إعطاء هواء نقي وبيئة خضراء لمدينة السليمانية من خلال زراعة 22 ألف شجرة ونبتة مختلفة على مساحة 200 دونم. المبادرة خليط من الزام شركات الاتصالات وحملة تشجير في جبل كويزة، لكن هذه المساعي تواجه بعض العقبات.
يقع جبل كويزة في الجزء الشمالي الشرقي من المدينة، تتمتع المنطقة بمنظر خلاب، فضلاً عن أهميتها لبيئة وهواء السليمانية، وكونها مرفقاً سياحياً.
توجد علاقة مباشرة بين تلوث الهواء وزيادة نسبة المساحات الخضراء، فزراعة المزيد من الأشجار حل بدائي وبسيط بمواجهة تلوث الهواء، وذلك في الوقت الذي كشفت فيه (آكيو ئير)، وهي شركة سويسرية تعمل في مجال تكنلوجيا جودة الهواء، أن هواء العراق من "الأكثر تلوثاً" بين دول العالم.
تضم محافظة السليمانية 31 بالمائة من الصناعات العراقية، وذلك وفقاً لأحدث متابعة ودراسة أجرتها منظمة آزادبون للتنمية المستدامة في النصف الأول من هذا العام، إضافةً الى وجود 600 ألف مركبة وأربعة آلاف مولدة كهرباء.
مسؤول هيئة مراقبة وتسجيل تلوث الهواء في فريق منظمة آزادبون، آسو جوهر، قال إن "هذا يعد السبب الرئيسي لتلوث الماء والهواء والتربة في المنطقة.. فهي تنشر ثاني أوكسيد الكربون، النتروجين، الهيدروكربونات و العديد من الغازات السامة الأخرى التي تشكل خطراً على البيئة وصحة الانسان".
مبادرة لتنشيط رئة المدينة
في حزيران 2020، أطلقت شركة آسيا سيل للاتصالات بالتعاون مع منظمة التنمية المدنية (CDO) مشروع تشجير جبل كويزة على مساحة 200 دونم.
مدير العلاقات العامة في شركة آسيا سيل قال لـ(كركوك ناو) إن "هذا أكبر مشروع لشركة آسيا سيل في العراق واقليم كوردستان لتشجير جبل كويزة في السليمانية، وقد تم تخصيص مليون دولار للمشروع".
بحسب المسؤولين في منظمة التنمية المدنية التي تشارك آسيا سيل في تنفيذ المشروع، تم حتى الآن زراعة 22 ألف شتلة مثمرة وغير مثمرة.
وقال مسؤول المنظمة، "زرعنا 12 صنفاً من الأشجار ، من بينها الصنوبر، البلوط، البلالوك، الأرخوان، الفستق، الزيتون، التوت، الكلاديشيا وغيرها"، وأضاف، "سنواصل العمل والاعتناء بالأشجارمن اجل تحسين البيئة".
المشروع جاء بعد أن أعلن قائمقام السليمانية، آوات محمد، في 2018 حملة لتشجير حبل كويزة بعد نشوب حريق التهم معظم أشجار المنطقة. الحملة كانت موجهة بشكل رئيسي للشركات.
مدير شرطة غابات السليمانية، طارق حمه غريب، الذي شهد إعلان الحملة، قال إن " آسيا سيل للاتصالات كانت من بين الشركات التي تقدمت للمشاركة في حملة التشجير التي دخلت طور التنفيذ في عام 2020".
المساحة الإجمالية المخصصة للتشجير في جبل كويزة في إطار الحملة كانت 200 دونم، ويقول طارق، "100 دونم مقابل نصب الشركة برج اتصالات على جبل كويزة، والـ100 دونم الأخرى جزء من حملة التشجير التي أعلنها القائمقام وقبلت آسيا سيل المشاركة فيه".
وتنص التعليمات رقم 2 لسنة 2023 لهيئة حماية وتحسين البيئة في اقليم كوردستان بخصوص متابعة المخالفات البيئية على أن نصب أبراج الاتصالات الخلوية، الانترنت وأبراج الاتصالات الأخرى بدون موافقة الجهات المعنية بالبيئة يترتب عليه عقوبات تصل لحد وقف المشروع.
كما تم إلزام الشركات بتخصيص مساجات خضراء ضمن المشاريع، حيث تحدد البلدية مواقع تلتزم الشركات بتشجيرها.
سواره محمد، عضو الهيئة المؤسسة لحملة "إحم كويزة" قال إن "زراعة الأشجار واجب الجميع، حين تلوث بعض الشركات البيئة، يتوجب على الحكومة أن تخصص لهم مساحات لتشجيرها"، بالاستناد الى القوانين المعمول بها.
حملة "إحمِ كويزة" تأسست في 30 أيار 2024 بمبادرة من فريق البيئة بمنظمة آزادبون، بعد تعرض أجزاء من جبل كويزة للتجريف من قبل شركة استثمارية محلية تخطط لبناء وحدات سكنية في المنطقة.
المتحدث باسم دائرة بيئة السليمانية، مصطفى جمعة، أعرب عن دعمه للمشروع، لكنه قال، "يجب على الشركات تعويض البيئة، كويزة أصبحت خضراء بفضل دعمنا.. على أي شخص أو شركة أو مستثمر ينشئ مشاريع تشوه أو تلوث البيئة، أن يعوض الأضرار التي تسبب بها ويتم تخصيص مساحة له ليقوم بتشجيرها".
وأوضح، "إذا لم تتوفر للمشروع مساحة للتشجير سنحدد لها موقعاً لكي تتولى تشجيره".
تقنيات جديدة لإنجاح المشروع
تُتّبع في الغابة التي تم إنشاؤها تقنيات زراعية جديدة لسقي الأشجار والحفاظ عليها بغية ضمان نجاح المشروع.
مدير العلاقات العامة في شركة آسيا سيل شدد على أن المبلغ المخصص للمشروع -مليون دولار- يتوزع على كافة مراحل المشروع. "الى جانب إنشاء الغابة، تم نصب أنظمة ري بطرق هندسية إضافة الى خزانات كبيرة مدفونة لخزن المياه"".
وأضاف، "يستخدم مشروعنا أحدث تقنيات الزراعة والري.. نصبنا تحت كل شجرة جهازاً يرسل الينا تنبيهات بشأن نسبة الرطوبة في التربة، لمعرفة حاجة الشجرة للماء من عدمها".
كما تم نصب منظومات إطفاء الحرائق لحماية الغابة أثناء وقوع أي حريق.
يتمتع جبل كويزة بمنظر رائع وخلاب في كافة فصول السنة، لكنه يتعرض سنوياً للحرائق، آخرها كانت في آب 2024، حيث تسبب الحريق بالقضاء على المئات من أشجار الصنوبر المعمرة.
وفقاً للعاملين في منظمة التنمية المدنية (CDO)، تم نصب نظام التقطير للمشروع ويتم سقي الأشجار عن طريق خزان يسع لـ15 ألف لتر من الماء، كما نصبت 39 صمام إطفاء لحماية الغابة من الحرائق".
تقول كل من شركة آسيا سيل ومنظمة التنمية المدنية بأنهما يعملان بأسلوبين مختلفين لزيادة المساحات الخضراء والحفاظ على البيئة.
واشار مدير شرطة غابات السليمانية الى عزمهم الإعلان عن حملة أخرى لتجير كويزة لتعويض الأشجار التي احترقت هذا العام.
تستطيع كل شجرة ناضجة أن تنتج يوميا كمية أوكسجين تكفي لتنفس أربعة أشخاص بالغين، وذلك وفقاً لتقرير لوزارة الزراعة الأمريكية التي شددت على أن الأشجار تعد أكبر مصنع للأوكسجين على وجه الأرض، وجاء في التقرير إن " حجم إنتاج الأشجار للأوكسجين يعتمد على عوامل عدة مثل نوع الشجرة وحجمها والظروف البيئية المحيطة بها".
لا تتوفر أرقام دقيقة حول نسبة المساحات الخضراء في السليمانية أو عدد الأشجار الموجودة فيها، لكن وفقاً لتقديرات الحكومة المحلية، تصل النسبة الى 15 بالمائة، وهي اقل من المعيار العالمي الذي يشترط أن لا تقل النسبة عن 30 بالمائة.
وقال سواره محمد إن "زراعة الأشجار تلعب دوراً مهماً في زيادة انتاج الأوكسجين وتنقية الهواء".
"الدولة نفسها لا تولي أهمية كبيرة للبيئة، بل تتسبب أحياناً بزيادة نسبة التلوث في الهواء عن طريق جلب عشرات المصانع والشركات"، تماماً كالذي يحدث الآن في السليمانية التي أصبحت مقراً لأكثر من 31 بالمائة من التصنيع العراقي.
توجد في السليمانية 506 حديقة ومتنزه تم إنشاؤها حتى عام 2024، بينها سبعة متنزهات كبيرة و 85 جزرة وسطية، وفقاً لإحصائيات مديرية الحدائق.
وتقول وزارة الصحة في حكومة اقليم كوردستان إن التلوث البيئي أحد اسباب الإصابة بأمراض السرطان، حيث سجلت تسعة آلاف و911 حالة إصابة بالسرطان خلال 2023، وتشير الاحصائيات الى أن سرطان الرئة ثاني أكثر الحالات شيوعاً.
سقي الأشجار... التحدي الأكبر
تأمين المياه اللازمة لمشروع تشجير جبل كويزة لا يزال يعتمد على الطرق التقليدية المتمثلة باستخدام الصهاريج المتنقلة، وهذه أحد التحديات التي تواجه المشروع.
بعض أصناف الأشجار تحتاج للسقي لحين نموها، لكن المياه لا تزال تنقل لخزانات مياه المشروع عن طريق الصهاريج. خلال أشهر الصيف تسقى الأشجار مرة واحدة فقط في اليوم.
القائمون على المشروع اشاروا الى عدم نجاحهم في تنفيذ أحد المقترحات المتمثلة بمد شبكة مياه للمشروع من منطقة قلاجوالان.
"العام الماضي بدأنا بتنفيذ هذه الفكرة وهي مد شبكة مياه من بحيرة قلاجوالان، لكننا تخلينا عن لفكرة"، دون أن يوضح أسباب الفشل.
ويرى الناشط البيئي، سواره محمد، أن أحد المشاكل الأخرى التي تواجه مثل هذه المشاريع هي عدم تنفيذ القوانين والتعليمات المتعلقة بحكاية البيئة كما هي، لذا غالباً ما تتضرر الغابات بسبب اندلاع الحرائق أو بسبب قطعها.
قانون حماية الغابات في العراق رقم 30 لسنة 2009، يفرض غرامات على قطع الأشجار تتراوح بين 25 ألف و مليون دينار، لكن قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، حدد عقوبة الحبس لسنتين وغرامة مالية على قطع الأشجار.
"القوانين جيدة، لكنها لا تنفذ، كناشطين بيئيين طالبنا الحكومة بدعم تنفيذ القانون، لإلزام الشركات والمنظمات بالحفاظ على البيئة".
أشجار جبل كويزة صغيرة وفي مرحلة النمو، لم تندلع حرائق في المنطقة ولم تستخدم المنظومة التي تم نصبها لمواجهة الحرائق.
المتحدث باسم دائرة بيئة السليمانية شدد على دعم أي منظمة ومشروع يتعلق بزيادة المساحات الخضراء وقال، "بإمكانهم تقديم الطلبات لكي نحدد لهم مواقع للتشجير".
وفي هذا الإطار، "ألزمنا المعامل والمدارس الأهلية وحددنا لهم أماكن لتشجيرها".
لكن سواره محمود يقول، "إن ذلك غير كاف، يجب أن تكون هناك ايضاً توعية بيئية، يجب على الحكومة أن تبدأ بنشر الوعي البيئي في قطاع التربية والمدارس وأن تعيد صياغة المناهج الدراسية بالشكل الذي يصب في صالح البيئة لكي تصبح حماية البيئة ثقافة".