من البیئة

جهود "كبيرة" لإنقاذ كركوك من كارثة بيئية.. الشباب يعملون وينتظرون دور الحكومة

  • 2024-12-08
جهود "كبيرة" لإنقاذ كركوك من كارثة بيئية.. الشباب يعملون وينتظرون دور الحكومة
كركوك/ 2024/ عباس مجيد، المشرف على فريق كركوك خضراء التطوعي وعدد من الطلاب يشاركون في فعالية تشجير تصوير: خاص بـ(كركوك ناو)
ليلى أحمد

لا يدعون ساحة مدرسة أو مسجد أو مكان عام في المدينة دون أن يتركوا بصمتهم فيها من خلال حملات التشجير.

توحي إليك إنجازات فريق كركوك خضراء التطوعي بأنه تشكل قبل سنوات وليس أشهر، الفريق صبّ تركيزه على المدارس وأماكن العبادة والمؤسسات الصحية بهدف تشجير جزء من مدينة كركوك وتهيئة الآلاف من أصدقاء البيئة في المجتمع.

عباس مجيد، صاحب المبادرة والمشرف على الفريق، تخرج من معهد النفط ويدرك جيداً التأثيرات الكارثية لإنتاج النفط الخام على مدينته، "لاحظت أن تأثيرات التغير المناخي تتفاقم ونسبة الخضرة تتراجع عاماً بعد عام، لذا قررت أن أساهم في تشجير مدينتنا".

يضم الفريق كافة مكونات كركوك العرقية والدينية من فئات وشرائح المجتمع المختلفة، الهمّ الوحيد الذي يجمعهم هو تشجير المدينة ومكافحة التصحر.

نسبة المساحات الخضراء في كركوك لا تتعدى 2 بالمائة حسب الاحصائيات التي حصل عليها (كركوك ناو) سابقاً من الدوائر الحكومية، في الوقت الذي حددت المعايير العالمية النسبة بأن لا تقل عن 30 بالمائة. الخطر يكمن في وجود خمسة حقول نفطية رئيسية في كركوك، تُعَد مصادر لتلوث الهواء والبيئة جراء انبعاثاتها الضارة.

   

من صحراء الى خضراء

فريق كركوك خضراء التطوعي تأسس في آب 2024 بمبادرة من عباس مجيد وإسهام العديد من شبان المدينة، حيث يخدم حالياً 46 متطوعاً من الجنسين بيئة مدينتهم في إطار هذا الفريق.

"أعداد الملتحقين بالفريق البيئي تزداد يوماً بعد آخر"، بحسب عباس مجيد.

هذه المواقع هي أكثر الأماكن حاجةً للتشجير في كركوك، لذا قررنا جمع التبرعات لشراء الشتلات وزراعتها هناك

مع انطلاق كل الفعالية والاعلان عنها على مواقع التواصل الاجتماعي، ينضم الكثيرون للحملة رغبةً منهم بالمشاركة في التشجير، بينهم معلمون، منتسبو شرطة، مهندسون، مزارعون، أصحاب مشاتل، كسبة وعمال بلدية.

محمد أحمد، تطوع للعمل في الفريق عن طريق أحد أصدقائه، يقول "خلال الأشهر القليلة الماضية حولنا منطقتنا وساحة مدرستنا الى بقعة خضراء"، أعضاء الفريق يتحملون تكاليف هذه الحملات بأنفسهم أو من قبل بعض الخيرين، لكن الفريق يضع دائماً نصب عينه أن تُنفذ حملات التشجير بطرق علمية وهندسية.

الأشجار والخضرة من المكونات الرئيسية للبيئة وحماية التربة والهواء من التلوث، كما أنها تقلل من آثار التغير المناخي. منظمة الأمم المتحدة تشدد على أن الحياة لا يمكن أن تستمر بدون الأشجار والخضرة، زراعة الأشجار والنباتات تقلل من انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون، حيث أنها تمتص الغازات السامة وتنتج الأوكسجين.

كل شجرة متوسطة العمر تمتص يومياً 1.7 كيلوغراماً من ثاني أوكسيد الكربون وتنتج 120 لتر من الأوكسجين. محو التأثيرات الضارة والتلوث الذي تخلفه مركبة واحدة يتطلب زراعة سبع أشجار.

منى نصيف، مهندسة في البلدية ومتطوعة ضمن الفريق تقول بعد أن شاهدت فعاليات المجموعة على منصة (فيسبوك)، "كنت أعرف بأن هناك مخاطر تتعلق بتغير المناخ، لذا دأبنا على الاجتماع من أجل وضع الخطط وتحديد المواقع التي تحتاج للتشجير".

الفريق التطوعي يتواجد في كل مكان، الشرط الوحيد هو أن يكون المكان بحاجة الى أشجار، سواءً كانت مدرسة، مسجد أو أرصفة شوارع عامة، "هذه المواقع هي أكثر الأماكن حاجةً للتشجير في كركوك، لذا قررنا جمع التبرعات لشراء الشتلات وزراعتها هناك"، وتقول منى إن هدفهم إنقاذ كركوك من مخاطر التصحر والحفاظ على نظافة المياه والهواء.

يحقق الفريق الى جانب زيادة المساحات الخضراء، أهدافاً أخرى من ضمنها تهيئة أصدقاء للبيئة، بالأخص الأطفال، عن طريق تعويدهم على الاعتناء بالأشجار، كما يشجع الفريق سكان الأحياء والمناطق المختلفة على زراعة الأشجار والاعتناء بها.

منى نصيف ملمة بتأثيرات التغير المناخي وفي الوقت نفسه تعطي بصفتها مهندسة في البلدية التعليمات والإرشادات لأعضاء الفريق حول المواقع المناسبة لزراعة الشتلات والأصناف المفضلة.

 

التربية هي الأساس

مدارس كركوك كانت المحطة الأولى لفعاليات فريق عباس التطوعي، حيث يقوم الفريق في الوقت نفسه بزراعة الأشجار وإعطاء دروس عملية للطلاب.

"حدائق معظم المدارس جفت وأصبحت أشبه بصحراء، لذا بدأنا بتشجير 21 مدرسة ابتدائية ومتوسطة وإعدادية بالتعاون مع المدرسين والطلاب، لكي تصبح الحملة تربية بيئية تفيدهم في المستقبل"، بحسب عباس مجيد.

نشاطات الفريق بدأت بالتوسع، في جزء آخر من المرحلة الأولى، نفذ خلالها الفريق التطوعي حملات تشجير في عدد من دوائر كركوك ، الكلية التقنية، حي باجوان، شركة نقل المسافرين وعدة أماكن أخرى.

sawzkrdni kirkuk (2)

كركوك/ 2024/ نصب أسيجة لحماية الأشجار المزروعة حديثاً   تصوير: خاص بـ(كركوك ناو) 

مهمة الفريق لا تنتهي عند زراعة الأشجار، بل يأخذون تعهداً من الأماكن التي يتم تشجيرها بمواصلة الاعتناء بها. كما أن الفريق يتولى على نفقته الخاصة تسييج الشتلات التي تزرع من أجل حمايتها.

مدير مدرسة "راز" الابتدائية، سركوت عمر، يقول مشيداً بجهود الفريق، "جلبوا 40 شجرة لزراعتها في حديقة مدرستنا، الطلاب والمعلمون ساعدوا المتطوعين في زراعة الأشجار وقررنا الاعتناء بها وسقيها باستمرار".

المدرسة بدوامين، ويبلغ مجموع طلابها 600 طالب وطالبة، لكنها كانت تفتقر للخضرة، "لم تكن هناك أشجار ليقضي الطلاب أوقاتهم تحت ظلها، لم يكن بمقدور الكادر التدريسي تشجير المدرسة، حدائق معظم المدارس تعاني من الإهمال"، ويقول سركوت عمر بأن المدرسة كانت تخطط لإلزام ذوي الطلاب الذين يتم تسجيلهم في المدرسة بزراعة شجرة أو نبتة، لكن خطتهم لم يكتب لها النجاح.

جهود فريق "كركوك خضراء" لا تزال في مراحلها الأولية، لكن الفريق تمكن خلال فترة قصيرة من زراعة أكثر من 530 شجرة في مناطق مختلفة، الأشجار من أنواع مختلفة، بينها الزيتون، البيزيا، الكالبتوز وأكاسيا.

"قمنا بالتحقق من قدرة تلك االأشجار على التأقلم مع مناخ كركوك، مواطنو المدينة يتصلون بنا ليطلبوا منا زراعة الأشجار في مناطقهم"، بحسب محمد أحمد، الذي يقول بأن الفريق مستمر في متابعة وتفقد الأماكن التي زرعوا فيها الأشجار للتأكد من الاعتناء بها.

تتألف محافظة كركوك من أربعة أقضية، وتبلغ مساحتها تسعة آلاف و600 كيلومتراً مربع. يقدر عدد سكان المحافظة بأكثر من مليون و700 ألف نسمة. توجد في المحافظة العديد من الآبار النفطية التي تلوث الهواء بانبعاثاتها الغازية والتي تشكل خطراً على صحة السكان وتسبب أمراضاً مختلفة كضيق التنفس والسرطان.

في عام 2023، تم تشخيص ألفي حالة إصابة بالسرطان من مجموع 35 ألف حالة في كركوك.

 

استراحة في ظل الأشجار

ربما سيكون بمقدور طلاب مدرسة "سابات" التمتع بظلال الأشجار الي زرعت في حديقة المدرسة حديثاً. فريق "كركوك خضراء" التطوعي بادر بزراعة 15 شجرة كخطوة أولى لمساعدتهم على التخلص من الأتربة وإضفاء منظر جميل للمدرسة.

"حديقتنا جفت منذ سنوات، مديرية التربية لم توفر لنا أية شجرة أو شتلة لنزرعها"، حسبما قال مدير المدرسة، سوران عزالدين.

وطالب مدير المدرسة التي يداوم فيها 260 طالباً على وجبتين الفريق التطوعي بتنفيذ حملات تشجير في المدارس الأخرى لأنها معرضة للإهمال من الجانب البيئي.

عملهم منظم ومدروس، قبل اسبوع يحددون المسافة الواجب مراعاتها بين شجرة وأخرى، آخذين أيضاً بنظر الاعتبار نوع الأشجار والتربة

وأشار سوران الى أن المدرسة أعدت خطة للاعتناء بالأشجار من قبل لجنة تشكلها المدرسة بالتعاون مع الفريق، الى جانب نشر الوعي البيئي، "المعلمون والطلاب سعداء جداً بهذه الحملة، سارعنا لنصب منظومة تقطير لسقي الأشجار".

تصف منظمة الأمم المتحدة الأشجار والخضرة بأنها إلى جانب إضفاء الجمال تساعد الحفاظ على صحة الرئة والكبد والقلب، وتساهم في تأمين حياة صحية آمنة ومستدامة، نظراً لأنها تحسن جودة الهواء، وفي حال تم توزيعها بشكل استراتيجي في المدن، ستسهم في تلطيف درجات الحرارة وخفض معدلاتها بنحو درجتين الى ثمان درجات مئوية.

تعمل الأشجار كمرشحات للهواء تنقّيها من الغازات السامة والغبار والأتربة، إلى جانب فوائدها  البيئية الأخرى. وفقاً للدراسات التي أجرتها منظمة الأمم المتحدة، العيش بالقرب من المساحات الخضراء يحسن الصحة الجسدية والنفسية للإنسان عن طريق تقليل ضغط الدم والضغوط النفسية.

وتقول مديرة إعدادية "السومرية" للبنات، سونكول علي، إن المدرسة تملك حديقة كبيرة وساحة واسعة زرعت فيها عن طريق الفريق التطوعي 12 شجرة البيزيا ونينيا، "هذه الخطوة مفيدة لصحة الطالبات والكوادر التدريسية لأنها توفر لهم بيئة أجمل".

حماس الفريق التطوعي لخدمة البيئة شجع "سونكول" على شراء شتلات وأشجار على نفقتها الخاصة، "عملهم منظم ومدروس، قبل اسبوع يحددون المسافة الواجب مراعاتها بين شجرة وأخرى، آخذين أيضاً بنظر الاعتبار نوع الأشجار والتربة".

يتعاون طلاب وكوادر المدرسة على الاعتناء بالأشجار، كل صباح تعطي المديرة الطالبات نبذة مختصرة عن البيئة والوعي البيئي.

مدير بلدية كركوك، أحمد عمر، دعا للتنسيق بين الفرق التطوعية في تنفيذ الفعاليات البيئية وأشاد بعملها الدؤوب من أجل زيادة المساحات الخضراء ونشر الوعي البيئي، "دعونا لنشر الوعي البيئي بالتنسيق مع البلدية، لذا نظمنا معاً عدة فعاليات ويمكننا نشر المزيد من الوعي ومواجهة المشاكل البيئية وتغير المناخ معاً".

البلدية أبدت استعدادها لتوفير الشتلات للفرق التطوعية وتقديم المساعدة في زراعتها ، "إذا احتاجوا لآليات ومعدات سنوفرها لهم"، بحسب أحمد عمر.

توجد 200 حديقة ومتنزه حكومي في كركوك، مساحة عدد قليل منها تبلغ عدة دونمات، أما البقية فمساحتها صغيرة، فضلاً عن ذلك توجد 81 جزرة وسطية على امتداد يترواح بين كيلومتر واحد وخمسة كيلومترات.

"كركوك تعج بالمعامل والشركات النفطية، نسبة الخضرة فيها قليلة جداً وإذا زرعنا مليون شجرة في سنة واحدة ستصل النسبة الى المعيار العالمي بعد 15 سنة"، حسبما أوضحت الناشطة البيئية شكوفه محمد، وأضافت بأن كركوك بحاجة ماسة لجهود شبابها لحل المشاكل البيئية.

وأشارت الى أن الفريق التطوعي استهدف في عمله المدارس بدرجة أولى كونها تعاني من الاهمال من هذا الجانب، "المدارس كانت أشبه بمناطق صحراوية".

 

العملية بحاجة لمزيد من الخبرة والدقة

حملات التشجير في كركوك تتطلب مزيداً من الخبرة والدقة والوعي، هذه الأمور تشكل تحديات ولن تكون حملات التشجير بدونها ذات فائدة بل ستضر بالبيئة.

تقول شكوفه، التي تنفذ منذ سنوات حملات تشجير في مناطق مختلفة من كركوك، إن المشكلة الكبرى هي أن بعض الفرق التطوعية ترتكب أخطاءً في عملها لافتقارها للخبرة اللازمة فيما يتعلق باختيار أنواع الأشجار الملائمة لبيئة المنطقة وكيفية زراعتها بشكل يضمن عدم تعرضها للجفاف.

sawzkrdni kirkuk (10)
كركوك/ 2024/ عمل حفر لزراعة الأشجار بالقرب من إحدى المدارس   تصوير: خاص بـ(كركوك ناو)

"يجب أن لا تقل المسافة بين الأشجار والشتلات عن ثلاثة أمتار. يجب على الفرق التطوعية أن تنسق مع البلدية والجهات ذات الصلة، لأن هذه الفرق غير مطلعة على التصميم الأساسي للمدينة والمشاريع التي تخطط البلدية لتنفيذها".

إلى جانب عدم وفاء الحكومة المحلية بوعودها فيما يخص زيادة المساحات الخضراء في المدينة خلال العقدين الماضيين، فشلت جهود العديد من المنظمات والفرق التطوعية  في إحداث تغيير ملموس في واقع المدينة نحو الأفضل.

مدير البلدية جدد مطالبته بالتنسيق لأن بعض الفرق التطوعية أهملت هذا الجانب، "بعض الفرق تسبب لنا مشاكل لأنها تزرع الأشجار في أماكن تفتقر لمصادر المياه، كما أن بعض الأنواع التي يختارونها لا تلائم مناخ المنطقة ولا تزرع بطرق هندسية وعلمية"، ولفت الى أن البلدية لديها مهندسين بإمكانهم تقديم النصح والارشاد.

فريق "كركوك خضراء" التطوعي يسعى باستمرار لتعلم الأساليب العلمية في الزراعة، كما أنه يختار مواقع مناسبة لحملاته، لوجود خبراء ومهندسين زراعيين وفلاحين ضمن الفريق.

وقال عباس مجيد، "نواصل نشر الوعي البيئي، لأن مشكلتنا الكبرى هي أن المواطنين لا يتعاونون ولا يؤمنون بالبيئة وأهمية المساحات الخضراء"، ويرى أيضاً بأن غياب الدعم المالي وعدم تطبيق الإجراءات التي تردع قطع الأشجار من التحديات الأخرى.

أكثر

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT