الملاعق والأطباق المصنوعة من "نشا الذرة" صديقة للبيئة وتنقذ الانسان من التأثيرات السلبية للبلاستيك، هذه المنتجات آمنة لدرجة كبيرة وبعد أن تصبح نفايات تتحلل بسرعة وتمتزج مع الطبيعة.
أدوات المائدة الصديقة للبيئة متوفرة الآن في أسواق إقليم كوردستان، صاحب الفكرة هو "علي صالح" الذي عمل من قبل في مجالات مختلفة تتعلق بالبيئة بهدف توعية المواطنين وحثهم على حماية البيئة، ما جعله يفكر في تحويل فكرته الى خطوات عملية، والخيار الأفضل بالنسبة له كان طرح بدائل للبلاستيك.
الكثير من المستلزمات المنزلية ذات الاستخدام اليومي أصبحت تصنع من البلاستيك، كعبوات المياه، الدلاء، الملاعق، الأواني والقدور وغيرها، والتي تنعكس سلباً على البيئة والصحة العامة.
"فكرة صنع الأواني والمستلزمات الأخرى من نشا الذرة امتداد للطريق الذي سلكته من أجل توعية المجتمع، هذا المشروع أول خطوة عملية لحماية الناس والتربة والبيئة"، حسبما قال علي صالح، نائب مدير شركة (كي بوند) وصاحب فكرة أدوات المائدة السفرية الصديقة للبيئة والتي تدعى "آميلون". كل همه هو حماية البيئة في اقليم كوردستان، لكنه "اضطر" لنقل مصنعه الى دولة أخرى.
التصدي لغزو البلاستيك والذي تشجع عليه منظمة الأمم المتحدة باستمرار، يأخذ وتيرة متصاعدة في العالم، حيث يُنتج سنوياً 460 مليون طن من البلاستيك. خلال هذا العام، حذر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة من أنه بحلول عام 2050 قد تحتوي المحيطات على كميات من البلاستيك تفوق ما في باطنها من أسماك، ما لم يتوقف الناس عن استخدام المواد البلاستيكية التي تستعمل لمرة واحدة، مثل الأكياس والزجاجات البلاستيكية.
وجود هذه المستلزمات البلاستيكية في أسواق كوردستان كارثة، لأنه حتى الآن لا تجرى فحوص للبلاستيك في المنافذ الحدودية
معركة غير متكافئة
المبادرة التي أطلقها علي صالح، رغم صغرها أمام الكميات الهائلة للبلاستيك، لكنه يتطلع بأمل لنجاحها.
"بعد ثمان سنوات من الخدمة واكتساب الخبرة يمكنني القول بأن ترحيب الناس بالمبادرة ليس بالمستوى المطلوب، البعض لا يؤمنون بها إطلاقاً"، ولكن ما يهم علي هو أن منتجات آميلون تصنع من نشا الذرة وتتوافق مع المعايير العالمية الحديثة.
بدأ المعمل بضخ منتجاته الى الأسواق منذ عام 2016، وتشمل بدائل لكافة أدوات المائدة السفرية (تستعمل لمرة واحدة)، بأشكال وأحجام مختلفة، وتتراوح أسعارها بشكل عام بين ألف و ألف وخمسمائة دينار.
الى جانب قلة كلفة الانتاج وسهولة استيرادها من الخارج، وجود العديد من معامل انتاج الأدوات والمستلزمات السفرية المصنوعة من البلاستيك أو النايلون يسهل عملية الحصول عليها، وفقاً لمتابعات (كركوك ناو)، سعر الأطباق أو الأكواب السفرية البلاستيكية في اقليم كوردستان لا يصل لربع سعرها في الدول الأوروبية.
لشكر حميد، مهندس أغذية، قال إن "وجود هذه المستلزمات البلاستيكية في أسواق كوردستان كارثة، لأنه حتى الآن لا تجرى فحوص للبلاستيك في المنافذ الحدودية".
استخدام المنتجات البلاستيكية لسفرية له تأثيران سلبيان، الأول من الجانب الصحي لأن المواد لكيمياوية المستخدمة في صناعتها تتفاعل مع الأطعمة التي توضع فيها وتؤدي الى الإصابة بالأمراض، كما يؤثر سلباً على عناصر الماء، الهواء والتربة ويؤدي الى تلوثها، حيث أن المواد البلاستيكية يستغرق تحللها في التربة مئات السنين.
الجزء الأعظم من الأواني البلاستيكية المتوفرة في الأسواق مصنوع من البلاستيك المعاد تدويره، ما يجعلها تحتوي على بعض المعادن الثقيلة كالكادميوم والرصاص، كما أن أغلب العلب البلاستيكية التي تحفظ فيها الألبان مصنوعة من نفايات طبية"، لشكر حميد أجرى بنفسه الفحوص المختبرية وتبين له بأن نسبة المعادن الثقيلة الموجودة في هذه المنتجات البلاستيكية أعلى بنسبة 100 بالمائة بالمقارنة مع معيار كوديكس.
كوديكس معيار عالمي يطبق في كافة أنحاء العالم لتحديد نسبة المعادن في المنتجات والتي في حال تجاوزها تسبب أضرار صحية للإنسان.
المتحدث باسم هيئة حماية البيئة في اقليم كوردستان، عبدالرزاق خيلاني، أعلن دعمه للمنتجات الصديقة للبيئة وشدد على أن الهيئة تؤيد "حظر المواد البلاستيكية التي تستخدم لمرة واحدة ومنع استيرادها أو فرض ضرائب كبيرة عليها لتفادي سهولة وصولها الى المستهلك".
منظمة طبيعة كوردستان المعنية بمجال البيئة قدمت في عام 2021 مشروع قانون لبرلمان كوردستان ينص على زيادة الضرائب على البلاستيك المستورد بنسبة 100 بالمائة والبلاستيك المنتج محلياً بنسبة 75 بالمائة، لكن مشروع القانون لم يدرج ضمن جدول أعمال البرلمان لحين انتهاء عمر الدورة البرلمانية الخامسة".
ويقول لشكر حميد إن "أفضل طريقة لتقليل استخدام المنتجات البلاستيكية هي زيادة الضرائب لكي ترتفع أسعارها على المستهلك، الى جانب تعزيز السيطرة النوعية في المنافذ الحدودية ومنع استيراد المنتجات البلاستيكية ذات الجودة المنخفضة التي تؤثر على صحة الانسان وتلوث البيئة".
من أجل مائدة صحية
كلاويز محمود، سيدة في الـ56 من العمر، منذ أن سمعت بمضار دلاء اللبن والأواني البلاستيكية للصحة، قررت التوقف عن استخدامها. الآن أصبحت تبحث في برادات السوبر ماركت عن الألبان المحفوظة في عبوات صديقة للبيئة.
"في السابق، كنت أشتري اللبن الكوردي الذي كان يحفظ في دلاء بلاستيكية، لكن بعد أن علمت بالأضرار الصحية والبيئية المترتبة على استخدامها، امتنعت عن شرائها وبتت أتنقل من محل الى آخر بحثاً عن اللبن الكوردي الذي يحفظ في عبوات صديقة للبيئة، حيث يمكن التعرف عليها من لونها"، بحسب كلاويز.
تشجع كلاويز الناس على التوقف عن استخدام البلاستيك، "اتخاذ هذا القرار سهل ويجب علينا أن نعطي الأولوية للصحة والبيئة"، كلاويز تمنع أطفالها أيضاً من استخدام البلاستيك لأنها تعتبر إلحاق الضرر بالبيئة جريمة.
الأطباق السفرية التي تصنع من نشا الذرة صحية جداً وصالحة للاستخدام لأنها لا تتآكل ولا تمتزج مكوناتها مع الأطعمة التي توضع فيها
المنتجات المصنوعة من نشا الذرة تتحمل درجات حرارة تصل الى 100 درجة سيليزية دون أن تحدث فيها تفاعلات كيميائية أو تغيرات فيزيائية.
يخشى علي صالح من أن تباع المنتجات المصنوعة من المواد البلاستيكية للمواطنين تحت اسم المنتجات المصنوعة من نشا الذرة، بتقليد شكلها وتصميمها، "للأسف بعض التجار يقلدون منتجاتنا ويصنعون مثلها من مواد بلاستيكية معادة تدويرها ويبيعونها على أنها طبيعية وصديقة للبيئة".
تسعى منظمة الأمم المتحدة لخفض التلوث بالبلاستيك على مستوى العالم بنسبة 80 بالمائة بحلول عام 2040، باللجوء الى ثلاث طرق وتحولات هي تعزيز خيارات إعادة الاستخدام، بما في ذلك الزجاجات القابلة لإعادة التعبئة، إعادة التدوير و إعادة التوجيه والتنويع عن طريق الاستعاضة المتأنية للمنتجات مثل الأغلفة البلاستيكية والأكياس والمنتجات الجاهزة بمنتجات مصنوعة من مواد بديلة قابلة للتحلل كالورق.
سلار فائق (20 سنة)، تعمل ضمن أحد الفرق البيئية على نشر الوعي بين المواطنين على شبكات التواصل الاجتماعي لحثهم على عدم استخدام الأواني والأدوات البلاستيكية الأخرى التي تستخدم لمرة واحدة، وتقول سلار، "يجب أن نعيد تنظيم اسلوب حياتنا ونبتعد عن استخدام البلاستيك بكافة أنواعه، هذه الطريقة ستوفر لك المال وتمنع تلوث البيئة بالنفايات البلاستيكية".
البيئة هم مشترك ومن واجب الجميع حمايتها، على هذا الأساس تعمل سلار وتشجع المواطنين على استخدام المنتجات الصديقة للبيئة.
البلاستيك يؤثر على عملية التخصيب والنشاطات الهرمونية والدماغ كما أن حرق النفايات البلاستيكية يلوث الهواء وذلك وفقاً لتحذيرات منظمة الأمم المتحدة، حيث تشير إحصائيات لمنظمة الى أن أكثر من 400 مليون طن من النفايات البلاستيكية تنتج سنوياً في العالم، 50 بالمائة منها تصلح للاستخدام لمرة واحدة وأقل من 10 بالمائة منها يعاد تدويرها واستخدامها.
تحتوي الأطباق البلاستيكية على مواد كيمياوية سامة مثل (الايبيكلوروهايدين و البيسفينول) التي تذوب في الماء وتدخل جسم الانسان وتؤدي الى ضعف المناعة وانخفاض نسبة الفيتامينات، كما تتسبب بالإصابة بمرض سرطان الرئة والعجز الكلوي وأمراض الجهاز التناسلي. إضافة الى ذلك تؤدي الى زيادة افراز هرمون الاستروجين الذي يؤدي الى إصابة النساء بالعقم، وفقاً لما ذكره مهندس الأغذية، لشكر حميد.
عن بدائل البلاستيك قال لشكر إن "الأطباق السفرية التي تصنع من نشا الذرة صحية جداً وصالحة للاستخدام لأنها لا تتآكل ولا تمتزج مكوناتها مع الأطعمة التي توضع فيها، وبذلك لا تسبب أضرار صحية"، وأشار الى أنها من الناحية البيئية تتحلل خلال فترة قصيرة وتعود عناصرها للتربة.
قسم كبير من النفايات البلاستيكية في العراق يتم حرقها وهناك علاقة مباشرة بين تلوث الهواء والتلوث بالبلاستيك، وذلك في الوقت الذي كشفت فيه (آكيو ئير)، وهي شركة سويسرية تعمل في مجال تكنلوجيا جودة الهواء، أن هواء العراق من "الأكثر تلوثاً" بين دول العالم.
هيئة حماية وتحسين البيئة في اقليم كوردستان مطلعة على الأضرار التي تسببها النفايات البلاستيكية، لكن كل ما تستطيع فعله هو نشر التوعية لتحذير الناس من مخاطر استخدام البلاستيك واللجوء لمنتجات صديقة للبيئة. يقول المتحدث باسم الهيئة، عبدالرزاق خيلاني، "حاولنا مراراً منع استيراد المنتجات البلاستيكية لتي تستعمل لمرة واحدة، وجهنا كتب رسمية للجمارك والجهات المسؤولة لكن لم نجد آذاناً صاغية، بحجة أن منع دخولها أو زيادة الضرائب المفروضة على استيرادها سيضعف الحركة التجارية".
"معوقات كثيرة ودعم محدود"
التحديات التي واجهت علي صالح كانت أكثر من الدعم الذي حظي به، لذا قرر نقل معمله الى ايران، حيث تصنّع منتجاته الآن هناك وتسوّق في أسواق اقليم كوردستان.
صاحب مشروع آميلون للأطباق وأدوات المائدة السفرية قال، "فكرنا كثيراً في إنشاء معمل في كوردستان ونخطط لذلك، لكن بسبب غياب الدعم لم نستطيع اتخاذ هذه الخطوة حتى الآن"، وأضاف بأنه في الوقت الذي تخدم منتجاته البيئة، يخلقون له معوقات ولا يقدمون الدعم اللازم له داخل الاقليم.
وفقاً لإحصائية نشرتها غرفة تجارة السليمانية، تم تسجيل 4320 معمل في اقليم كوردستان يقع 34 ألف منها في محافظة السليمانية، لكن 30 منها مستمرة في العمل والبقية أوقفت نشاطاتها بسبب تعرضها للخسائر.
رئيس لجنة الصناعة في غرفة تجارة السليمانية، آرام بابان، ضم صوته لصوت علي صالح وقال إن "وضع الاستثمار في اقليم كوردستان يرثى له والحكومة لا تدعم الانتاج المحلي، المسؤولون يتآمرون طول الوقت ضد الانتاج المحلي لأنهم وعدوا دول الجوار بعدم السماح للصناعة في الاقليم بالتطور، لكي يصبح سكان الاقليم مستهلكين لا منتجين".
وأوضح بأن الهدف من افتتاح أي معمل في اقليم كوردستان هو تسويق منتجاته في عموم العراق، لكن حكومة الاقليم تمنع تصديرها لمناطق وسط وجنوب العراق، "ما يؤدي الى تكبد أصحاب المعامل خسائر كبيرة".
33 بالمائة من معامل العراق تقع في السليمانية وتشكل 61 بالمائة من معامل اقليم كوردستان، لذا فإن محافظة السليمانية تأتي في المرتبة الأولى في التصنيع على نطاق العراق، حسب احصائية لمديرية استثمار السليمانية.
ويرى مدير عام الاستثمار في السليمانية، عزيز سعيد، بأن الظروف في اقليم كوردستان ملائمة بنسبة 100 بالمائة للاستثمار، بسبب التسهيلات الموجودة فيما يتعلق بمنح الاجازات، الإعفاء من الضرائب لـ10 سنوات، منح قطع أراضي للمشاريع بأسعار تشجيعية، عدم فرض ضرائب على استيراد معدات وأجهزة المعامل كما أن المواد الأولية المستخدمة في المعامل معفاة من الضرائب لخمس سنوات.
قانون الاستثمار في اقليم كوردستان رقم 4 لسنة 2006 ينص على تشجيع وتطوير قطاعات الصناعة، الزراعة، السياحة، التجارة، التربية، الصحة وغيرها.
ويشدد عزيز سعيد على أن القانون يحتاج للتعديل عن طريق تغيير بعض فقراته بهدف تشجيع الاستثمار، على سبيل المثال، منح مزيد من الامتيازات للمستثمرين وخفض فاتورة الكهرباء الى جانب تقديم تسهيلات تخص تسويق وتصدير المنتجات ومنع استيراد منتجات مماثلة لتفادي تعرض المستثمرين للخسائر.