حملة تنظيف وتشجير شبابية على جبل "زاوا" في دهوك وفرت فرص عمل للمئات من سكان المحافظة وحولت المنطقة من مكب قاحل للنفايات إلى موقع سياحي جذاب، كما تم تزيين بعض الأكشاك الموجودة على الجبل بمواد أعيد تدويرها.
الحملة بدأت في عام 2017 بمشاركة العشرات من الشبان، وبعد سبع سنوات أصبحت ثمار الحملة محل إشادة السياح وسكان المنطقة والحكومة.
يقع جبل "زاوا" جنوب غربي مدينة دهوك، ارتفاعه 16 كيلومتراُ ومساحته التي أصبحت الآن موقعاً سياحياً تبلغ 42 كيلومتراً مربع، ويعد من أشهر جبال المنطقة التي تطل على مدينة دهوك وكذلك سهل نينوى.
حملة تنظيف الجبل استغرقت 10 أيام، في وقت تتعرض فيه معظم المناطق السياحية في إقليم كوردستان لخطر التلوث بسبب قلة وعي بعض السياح والرمي العشوائي للنفايات، من ضمنها النفايات البلاستيكية.
القصة بدأت من هنا: التنظيف والتشجير
داريان علي (33 سنة)، كان من بين المتطوعين الذي شاركوا في حملة تنظيف جبل زاوا، ويدير الآن مطعماً هناك، يقول داريان إن حملتهم استمرت لـ10 أيام بالتعاون مع شركة محلية، "كانت فكرة شبابية للاهتمام بقطاع السياحة والحفاظ على نظافة البيئة".
ولفت داريان إلى أن "الشركة كانت خاصة بالتدوير، اتفقنا معها على جمع النفايات، على أن تتولى نقلها وإعادة تدويرها"، وأضاف داريان، "جمعنا كل ما عثرنا عليه من زجاج، بلاستيك، نايلون وغيرها من النفايات".
هكار ريكان (28 سنة)، مدير منظمة يك دار (شجرة واحدة) شارك هو الآخر في الحملة، "25 شاباً أطلقوا الحملة، بعد الانتهاء من تنظيف الجبل فكرت في البدء بتشجير المنطقة عن طريق إحدى المنظمات".
لهذا الغرض أسس في حينها هكار مع عدد من زملائه منظمة يك دار، "قررنا الإعلان عن حملة التشجير لحشد الدعم".
بعد سماعه عن حملة التشجير، قرر قائد في قوات البيشمركة مساعدة الفريق عن طريق توفير 550 شتلة.
وقال هكار ريكان، إن "عدداً من طلاب جامعة دهوك قرروا المشاركة معنا في زراعة الشتلات، بهذه الصورة توسعت بكثرة المتطوعين".
الحملة انطلقت في الشتاء، لأن فريق الحملة، بحسب هكار، أخذ بنظر الاعتبار صعوبة تأمين المياه لسقي الشتلات، لذلك اختاروا فصل الشتاء".
أشجار البلوط، المازو والسبحبح، هي الأنواع الثلاثة التي اختيرت لزراعتها على الجبل، وحول السبب يقول هكار، "لأن الجبل ذات طبيعة صخرية ويفتقر للمياه، فاخترنا هذه الأشجار التي تحتاج لكمية قليلة من المياه لكي تنمو".
الأشجار أكملت عامها الثاني وأغلبها تجاوزت مرحلة الخطر وتنمو بشكل جيد.
الفريق يتوسع والجبل يوفر فرص عمل
الفريق الذي يقوده هكار ريكان عن طريق منظمة "يك دار" يضم الآن 200 شاباً وشابة تمتزج مهمتهم بين التشجير والتنظيف.
الفريق حصل على تصريح من إدارة محافظة نينوى لإنشاء غابة عند سفح جبل زاوا. الحملة في مرحلتها الأولى ومن المقرر أن تكتمل في غضون أربع سنوات.
وفقاً لبيانات بلدية دهوك، نسبة الخضرة في المدينة تبلغ 18 بالمائة وهي أقل من المعيار العالمي الذي يشترط أن لا تقل عن 30 بالمائة.
مدير عام بيئة دهوك، محمد طاهر بريفكاني، قال إن "جبل زاوا كان يعاني من الإهمال قبل بدء الفريق بالعمل، باستثناء هذا الفريق لم يتبنّ أحد فكرة إعادة الجبل لأحضان البيئة من ناحية التشجير، التنظيف وإعادة استخدام النفايات بعد تدويرها... نحن مدينون لهؤلاء المتطوعين".
وقال محافظ دهوك، علي تتر، إن "أعمال وفعاليات الفريق مدعاة للفخر، ساهموا في تهيئة فرص عمل للعديد من الشباب".
يوجد حالياً على الجبل ما لا يقل عن 25 مطعماً و200 كرفانة توفر فرص عمل للمئات من الشبان، من بينهم داريان علي الذي بات يملك مطعماً على الجبل بعد أن شارك في حملة التنظيف.
داريان (33 سنة) خريج جامعي، متزوج وأب لثلاثة أطفال، قبل انطلاق المبادرة كان يعمل في أحد مطاعم مدينة دهوك ويقول بأن دخله لم يكن يسد احتياجات عائلته.
"حين بدأنا الحملة، أخذنا تعهداً من البلدية بأن يسمحوا لنا بإنشاء مطاعم على الجبل بعد تنظيفه والاعتناء به، الآن أدير مطعماً هناك".
داريان صنع من إطارات السيارات أواني زهور، كما يتم استخدام الإطارات كسلالم بسبب وعورة الجبل.
"الحمد لله أصبحت أملك منزلاً بسبب هذا الجبل... سعيد بالنتيجة التي وصلت اليها، هذا المكان أصبح الآن مكاناً رائعاَ وجذاباً.. نحافظ على البيئة وفي نفس الوقت نؤمن لقمة عيشنا".
هلبين شعبان، سيدة في الـ45 من العمر، أصيب زوجها خلال حرب داعش، وهو الآن عاجز عن العمل. افتتحت هلبين مقهى على الجبل تؤمن عن طريقه مصاريف بناتها الست.
"لم يكن بمقدورنا العيش براتب زوجي البالغ 600 ألف دينار، كما أن الرواتب غالباً ما تتأخر، اقترح الفريق علي افتتاح مقهى على الجبل"، وتضيف هلبين، "أعمل هنا يومياً من الساعة 2 بعد الظهر حتى منتصف الليل".
تعيد هلبين كغيرها من أصحاب المحال على الجبل استخدام بعض النفايات كالإطارات، الحديد والبراميل. "أعتقد بأن بعض السياح الذين يزورون جبل زاوا يأتون لرؤية الأشياء التي أعدنا استخدامها".
عمار أنور، سائح من أهالي الموصل، قال "هذا المكان جميل جداً، نتردد الى هنا في أغلب أيام الجمعة والخميس، وفي ليالي الشتاء نأتي لتناول المأكولات اللذيذة التي يعدونها.. هذه فكرة جميلة".
إنارة صديقة للبيئة
لا تتوفر لأصحاب المحال -قسم منهم من الشبان الذين شاركوا في حملة تنظيف الجبل-، كهرباء وطنية أو مولدات أهلية، بل يعتمدون على أنظمة الطاقة الشمسية.
تضفي المصابيح الملونة منظراً جذاباً للجبل والأهم من كل ذلك هو أن "منظومة انتاج الكهرباء صديقة للبيئة وتستخدم الطاقة الشمسية التي تختزنها في ساعات النهار"، بحسب داريان.
يجب الاستفادة من فكرة هؤلاء الشبان في تحويل جبل زاوا الى ما نراه الآن
ويقول مدير عام بيئة دهوك، "لاحظت بأنهم يحصلون على الكهرباء من الطاقة الشمسية، هذا أمر مفرح لأنها صديقة للبيئة وتغنيهم عن الحاجة للحكومة من أجل تزويدهم بالكهرباء".
في الوقت الذي يشرف على الجزء الخلفي من الجبل أحد المستثمرين، وقد زود المنطقة بالكهرباء الوطنية.
بحسب احصائيات إدارة دهوك، يزور جبل زاوا سنوياً حوالي 250 ألف شخص، بينهم سياح من دول عربية وأتراك.
إسماعيل مصطفى، مسؤول إعلام بلدية دهوك، قال إن "هذا النجاح ثمرة المبادرة التي أطلقها هؤلاء الشبان".
نارين عمر (25 سنة)، زائرة على جبل زاوا، قالت "هنا تدرك أهمية أن لا ترمي كل شيء، الأشياء التي أعيد استخدامها هنا تعطي جمالية فريدة، كل شيء هنا صديق للبيئة، الأدوات، المعدات، الهواء وحتى الكهرباء".
"يبيضون وجه الحكومة"
محافظ دهوك، علي تتر، يقول بأن الرسالة هي أنه ليس من الضروري صرف أموال كثيرة لإنجاز بعض الأعمال، بل يمكن لفت أنظار الناس وتحقيق النجاح بأبسط الطرق.
"يجب الاستفادة من فكرة هؤلاء الشبان في تحويل جبل زاوا الى ما نراه الان"، وأضاف، "مذهول بفكرتهم، نحن كحكومة محلية، لا نفرض أية ضرائب أو إيجار شهري على أصحاب المحال لأنها تعطي جمالاً خاصاً لمدينة دهوك، من ناحية تنظيف وتشجير الجبل".
ويقول مدير بيئة محافظة دهوك بأن الفريق طلب مساعدتهم في الاعتناء بالأشجار والشتلات التي يزرعها الفريق.
في عام 2022، نشرت بلدية دهوك عدداً من حاويات النفايات على جبل زاوا للحفاظ على نظافة بيئته.
وقل اسماعيل مصطفى، "نرسل يومياً مركبات جمع النفايات التابعة للبلدية"، وأضاف، "في زاوا نتعلم المحافظة على البيئة، هذا الجبل درس توعوي حول قضية البيئة، بدورنا ننشر الوعي بين السياح عن طريق اللوحات التحذيرية".
جهود هؤلاء الشباب لتشجير الجبل تأتي في الوقت الذي تزداد فيه نسبة الأبنية والوحدات السكنية داخل المدينة
المبادرة تعترضها بعض العقبات، منها عدم تبليط أجزاء من الجبل ما يعيق تنقل السياح واصحاب المحال .
حول ذلك قال محافظ دهوك، "صحيح أن الشوراع المؤدية الى سفح الجبل لم تبلط جميعها، لكن هذه الفكرة الصغيرة كان لها نتائج كبيرة... هذا المشروع أخبرنا بأنه ليس من الشرط أن تكون المشاريع التي تشتهر بها المدن مشاريع حكومية".
بعض المتطوعين أخبروا (كركوك ناو) بأنهم لا يعلمون كيف ستتعامل الحكومة مستقبلاً مع أصحاب المحال في جبل زاوا، وفيما إن كانت ستفرض عليهم ضرائب أو ايجارات، معتبرين ذلك أحد التحديات التي تواجههم.
داريان علي، الذي يدير مطعماً على الجبل ذكر مشكلة الكهرباء كأحد المعوقات لأن الطاقة الشمسية لا تلبي احتياجاتهم.
كما أن الحكومة لم تساهم في تأمين المياه للمنطقة، بل يعتمد المتطوعون على ما يقدمه البعض من المساعدات في هذا الجانب.
"من التحديات الأخرى التي تواجه المتطوعين، عدم قدرتهم على توسيع المنطقة والحكومة ليس في جعبتها أي خطط"، بحسب صاحب أحد المحال. من جانبه، شدد محافظ دهوك على عدم وجود خطط آنية من هذا القبيل.
في الوقت الذي يعتبر فيه حماية البيئة وزيادة نسبة المساحات الخضراء أولوية للشبان المتطوعين، قسم من أماكن الجلوس مغطاة بالنايلون الذي يعتبر من أعداء البيئة.
مدير بيئة دهوك، محمد طاهر بريفكاني، قال إن جهود هؤلاء الشباب لتشجير الجبل تأتي في الوقت الذي تزداد فيه نسبة الأبنية والوحدات السكنية داخل المدينة، ما يؤدي الى تقليص المساحات الخضراء وارتفاع معدلات الحرارة، "نظراً لإزدياد المساحات الكونكريتية داخل المدينة".