من البیئة

فتاة تنجح بتحويل "قشور" الرمان لسماد نباتي مُهم.. ثروة زراعية وبيئية

  • 2024-12-19
فتاة تنجح بتحويل "قشور" الرمان لسماد نباتي مُهم.. ثروة زراعية وبيئية
حلبجة/ 2024/ سيما سامان تنقل قشور الرمان الى جهاز الطحن وإضافة مواد أخرى إليها لإنتاج السماد العضوي    تصوير: خاص بـ(كركوك ناو)
ليلى أحمد

الفكرة كانت بسيطة وبدائية، لكن نتيجتها بمثابة ثروة للفلاحين والبيئة. عندما تجولت في اسواق حلبجة، صادفت سيما أكواماً من قشور الرمان المرمية على قارعة الطريق، ففكرت كيف يمكنها تحويل هذه القشور الى سماد طبيعي.

في اليوم الذي خطرت ببالها الفكرة، كانت سيما تمر مع شقيقتها قرب معامل لعصر الرمان والزيتون، وأزعجها منظر وراوائح القشور المبعثرة التي كانت تشوه بيئة المنطقة.

"قالت لي شقيقتي، يمكننا معالجة هذه المشكلة معاً، سنعيد تدوير قشور الفاكهة ونحولها إلى شيء مفيد للزراعة"، حسبما قالت سيما سامان، المتخرجة من المعهد التقني في حلبجة وشقيقتها لا زالت طالبة في كلية الزراعة.

يصل الانتاج السنوي لرمان حلبجة إلى 30 طن بحسب احصائيات مديرية الزراعة في المحافظة، قسم منها يحول إلى عصير أو مربى. يقام سنوياً في حلبجة مهرجان تعرض فيه اصناف متعددة من الرمان ويتوافد إلى المهرجان الآلاف من مدن إقليم كوردستان وباقي المحافظات العراقية.

وتشير إحصائيات زراعة حلبجة أيضاً إلى أن الانتاج السنوي للزيتون يتراوح بين 200 و 250 طن، يحول القسم الأعظم منه الى زيوت بعد عصره، وترمى ما يتبقى من المخلفات، لكن سيما تأبى أن تدع هذه المخلفات تهدر.

 

سماد "كوله هيرو" الطبيعي

الكثيرون يتحدثون عن فوائد الفواكه، لكن سيما تستفيد من قشور الفاكهة أكثر من أجزائها الأخرى، حيث تحولها إلى منتج صديق للبيئة وفي الوقت نفسه تكسب منه بعض المال.

بعد تبلور فكرة انتاج سماد "عضوي" أو طبيعي من بقايا الخضروات والفواكه، وبعد مرور ستة أشهر من بدء العام الحالي، اشترت سيما جهازاً للطحن وتحصلت على مكان مناسب في ناحية سيروان القريبة من حلبجة، حيث تمكنت من توسيع معملها الذي أسمته سماد كوله هيرو "زهرة الخطمي" الطبيعي.

هناك كميات كبيرة من قشور الرمان والفواكه الأخرى في حلبجة، نظراً لوجود أصناف متنوعة من الفواكه في كل الفصول

وذكرت سيما بأنه بعد انطلاق المشروع بمدة قليلة جمعوا كميات كبيرة من بقايا الرمان والفواكه الأخرى تمهيداً لطرح أول سماد من نوع الكمبوست - نوع من الأسمدة العضوية يتم إنتاجه من تحلل المواد العضوية بطريقة طبيعية- في الأسواق.

تجمع يومياً أكثر من 150 طن من النفايات في محافظة حلبجة، قسم منها نفايات غذائية، يتم طمرها فيما بعد في منطقة تبعد بضعة كيلومترات عن مركز المحافظة بالقرب من قرية "تبه كوره".

النفايات الغذائية تتحلل بعد حوالي ستة أشهر من طمرها وينتج عنها غاز "الميثان"، وهو غاز يؤثر سلباً على البيئة ويؤدي إلى الاحتباس الحراري.

هيرو صالح، والدة سيما، سعيدة بالمبادرة التي أطلقتها ابنتاها وتشجعهم دائماً على الاستمرار، "في البداية كان قرار تأسيس المعمل صعباً عليهما، لكنني أخبرتهما بأنني سأسندهما وطلبت منهما البدء بالعمل، كنت أول شخص في العائلة أبدى موافقته على المشروع".

في البداية، شعرت والدة سيما بنوع من القلق والتردد لأن طبيعة العمل لم تكن سهلة للسيدات، بدءاً من جمع قشور وبقايا الفواكه، نقلها إلى المعمل، طحن القشور ومرورها بعدة مراحل وتعبئة المنتج في أكياس ومن ثم تسويقه، "لكن كانت لدي إرادة، كنت أفرّغ شحنات القشور بنفسي... أعد لهما الطعام يومياً، ونلقى دعماً من الأهالي".

تقول هيرو، إن هناك كميات كبيرة من قشور الرمان والفواكه الأخرى في حلبجة، نظراً لوجود أصناف متنوعة من الفواكه في كل الفصول، وأشارت إلى أن المعمل، رغم عمره القليل، كسب سمعة جيدة ويخططون لتوسيعه.

gwlla hero 2024 (6)

حلبجة/ 2024/ سيما سامان تعبئ أكياس متنوعة الأحجام بالسماد العضوي    تصوير: خاص بـ(كركوك ناو) 

إعادة استخدام وتدوير النفايات الصلبة والغذائية من الطرق الناجعة لمواجهة التلوث البيئي في العراق الذي يأتي في المرتبة الخامسة بين بلدان العالم الأكثر تأثراً بتداعيات التغير المناخي، وفقاً لإحصائية لمنظمة الأمم المتحدة.

تقول سيما بأنها تخطط لجمع بقايا الخضروات والفواكه من علوة السليمانية، توسيع المعمل وتوفير فرص عمل للآخرين، "لا استطيع إدارة شؤون المعمل لوحدي، لأنني الآن أنتج خمسة أنواع من الأسمدة العضوية".

ينتهى المطاف بما يقدر بنحو 17٪ من إجمالي الأغذية المتاحة للمستهلكين، من ضمنها الخضروات والفاكه إلى صناديق النفايات وتحث "الأمم المتحدة" على تحويل بقايا السلع الغذائية إلى أسمدة.

رزكار هيرو، يعمل في مصنع كوله هيرو، يقول بأنه رغم صعوبة مهامه لكنه يحب عمله، "منتجات المعمل طبيعية بنسبة 100 بالمائة وتساعد على نمو الأشجار والنباتات بوصرة أفضل"، ويأمل رزكار أن يتم نشر الوعي حول استخدام الأسمدة الطبيعية بدل الكيميائية، نظراً لفوائدها الكثيرة للزراعة والبيئة.

 

ألف من كل ألف

ينتج معمل سيما للسماد الطبيعي من كل طن واحد (ألف كيلوغرام) من قشور الفاكهة، بعد مزج المواد الأخرى معها، ألف كيس من السماد.

تدير سيما المعمل مع شقيقتها، والدتها، خالها وأحد العمال. المعمل يخطو خطواته الأولى ولم يتوسع بعد. في البداية جمعت طنين من قشور الرمان، طنين من بقايا الزيتون، طن واحد من التبن وبعض مخلفات علوة الخضروات والفواكه كقشور البطيخ والخضروات.

نقلت كل ما جمعته إلى المعمل وبدأت بإنتاج السماد، حيث يمر بعدة مراحل من التنقيع، النشر، الطحن والتجفيف.

"كل طن من القشور ينتج ألف كيس من السماد، أنتجت حتى الآن 600 كيلوغرام من السماد وقد اجتاز الفحوص المختبرية"، بحسب سيما.

الكيس الواحد من السماد يتراوح وزنه بين كيلوغرامين وثلاثة كيلوغرامات، سعر الكيلوغرام الواحد من سماد "كوله هيرو" في السوق يصل إلى ثلاثة آلاف دينار. سيما روجت لمنتجها بين المزارعين وأصحاب المشاتل في مناطق سيروان، حلبجة والسليمانية، "الأمور تسير على ما يرام، أحياناً يطلب مني أصحاب البساتين تحويل مخلفات بساتينهم من أوراق وأغصان الأشجار إلى سماد".

gwlla hero 2024 (9)

حلبجة/ 2024/ سيما سامان تضع قشور الرمان داخل جهاز الطحن لإنتاج السماد العضوي    تصوير: خاص بـ(كركوك ناو) 

يعد السماد الطبيعي بديلاً مثالياً للأسمدة الكيمياوية وتحث منظمة الأمم المتحدة على استخدامها، نظراً لأن الأسمدة الكيمياوية تسبب أضرار لمكونات التربة والأحياء الموجودة فيها، كما أنها مصدر لتلوث البيئة، بالأخص تلوث الموارد المائية.

مدير عام زراعة حلبجة، صالح محمود، قال إن "السماد العضوي ضروري ومفيد لقطاع الزراعة"، ولفت الى أن مديرية الزراعة خصصت دونماً من الأراضي لمشروع سيما سامان لمدة سنة كنوع من التشجيع والدعم.

مديرية زراعة حلبجة قدمت هذا العام الدعم لأكثر من سبع شبان وشابات أطلقوا مشاريع لإنتاج الأسمدة الطبيعية، كما قدموا لهم الإرشادات عن طريق الخبراء والمختصين.

"هدفنا هو تطوير هذا النوع من الأسمدة لكي تدر بمنافعها على قطاع الزراعة، مستعدون لتقديم كل أنواع الدعم لهؤلاء الشباب، من حيث المعدات أو الجانب المالي، حسب الإمكان".

يوجد في محافظة حلبجة ألفان و350 مزارع من أصحاب البساتين وأكثر من هذا العدود من الفلاحين الذين يزرعون محاصيل الحبوب، معظمهم شباب، لكن الأغلبية لا تستخدم الأسمدة الطبيعية، ويقول ستار محمود بأن هناك اطلاع قليل بين المزارعين حول كيفية انتاج واستخدام السماد الطبيعي بالرغم من أن العملية سهلة وغير مكلفة.

سماد الكمبوست الذي ينتجه مشروع سيما يقدم خدمة كبيرة للتربة وقطاع الزراعة

يعد سماد الكمبوست أفضل بديل للسماد الكيمياوي، لذا تشجع مديرية الزارعة الفلاحين على التخلي عن استخدام المبيدات والمواد الكيمياوية التي تضر بالبيئة والصحة.

وفقاً لتعليمات منظمة الغذاء والزراعة التابعة للأمم المتحدة، فإن السماد الطبيعي نجح في ما فشل فيه السماد الكيمياوي، لأنه يقوي التربة ويغنيه بالفسفور والمواد الغذئية الأخرى.

خوشكان فائق، صاحبة مشتل خوشكان في حلبجة اكتسبت خبرة خمس سنوات في مجال عملها وقد استخدمت سماد "كوله هيرو" الطبيعي، "السماد قوي المفعول ومفيد جداً للبساتين، الأشجار والزراعة بشكل عام"، لكنها تقول بأن كلفتها أكبر، لذا تنتج بنفسها نوعاً من الأسمدة العضوية من فضلات  المواشي وأوراق الأشجار وبعض المكونات الأخرى. الآن تعتمد خوشكان على منتجها وتبيعه أحياناً لزبائن مشتلها.

 

من التربة إلى التربة

ما يفرح مستخدمي الأسمدة الطبيعية هو أنها لا تشكل أي خطر، لأنها منتجة من مخلفات طبيعية تنتجها الطبيعة والتربة وتعود لتمتزج من جديد مع التربة على شكل أسمدة.

"سماد الكمبوست الذي ينتجه مشروع سيما يقدم خدمة كبيرة للتربة وقطاع الزراعة"، حسبما قال الشيخ قادر عبدالقادر، مزارع وصاحب محل يبيع المستلزمات والأسمدة الزراعية منذ سنوات. ويشيد قادر بمشروع سيما، "المعمل ينتج السماد بطريقة علمية وسيكسب المزيد من الزبائن مستقبلاً لأنه بدأ العمل حديثاً".

الأنواع المتعددة من الأسمدة الطبيعية تلعب دوراً في نمو محاصيل الخضروات والفواكه بصورة صحية وحمايتها من الآفات، لأنها تعوض ما تحتاجه التربة والنباتات من المكونات الغذائية وتحسن من جودتها.

أوميد محمد، أحد مستخدمي سماد الكمبوست لمحاصيل الكمثرى، اليوسفي (لالنكي)، التوت، الزعفران وأنواع أخرى من الفواكه، فضلاً عن النباتات المنزلية، يقول "لاحظت أنها تنمو بشكل جيد"، وبعد نجاح التجربة قرر عدم شرائها بل صنع السماد بنفسه من قشور الفواكه وأوراق الشجر.

"هذا السماد غني بالطاقة والعناصر الضرورية للنمو، يحميها من الآفات ولا يؤثر على صحة الانسان، " ويبدي أوميد قلقه من رداءة الأسمدة الكيمياوية بالأخص من قبل الفلاحين، كونها تقلل من خصوبة التربة.

هيئة حماية وتحسين البيئة في إقليم كوردستان تحث المزارعين عن طريق منشوراتها على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل استخدام الأسمدة العضوية بدل الكيمياوية من أجل حماية التربة ومكافحة التلوث.

د.كارزان عبدالله، المختص في علوم البيئة أوضح بأن سماد الكمبوست سماد عضوي ينتج من التبن، أوراق وغصون الأشجار، قشور بعض الفواكة كالرمان، التفاح، البطيخ والزيتون، هذا السماد ذو فائدة كبيرة للزراعة".

"قلة من المزارعين بإمكانهم السيطرة على الأسمدة الكيمياوية واستخدامها وفق المعايير المحددة"، ويشجع كارزان المزارعين على صنع الأسمدة العضوية بأنفسهم، ويقول "أهمية هذا السماد تكمن في أنه ينتج من الطبيعة، أي من الطبيعة الى الطبيعة وليس له أضرار ويعجل في تخصيب التربة".

ويقول خبير علوم البيئة بأن السماد الطبيعي يزيد من حيوية التربة ويعزز قابليتها على امتصاص العناصر، لذا تكون المحاصيل ذات جودة عالية.

 

المشروع لا يخلو من تحديات

تتمثل إحدى التحديات التي تواجه سيما سامان بمشكلة النقل، فمنزلها يقع وسط مدينة حلبجة ومعمل "كوله هيرو" للسماد الطبيعي في ناحية سيروان، المسافة ليست بعيدة جداً ويستغرق وصولها الى هناك 10 دقائق بالسيارة لكنها تمثل عبئاً مالياً إضافياً.

"يجب أن نصرف يومياً 10 آلاف دينار لمصاريف النقل، إضافة إلى أجور نقل المواد الأولية إلى المعمل، ضعف الإمكانيات المادية منعنا من شراء بعض المعدات"، وتقول سيما إن منظمتين قدمتا لها الدعم المالي الذي كان كافياً لسد نصف كلفة إنشاء المعمل، لكنها الآن بحاجة إلى مزيد من الأجهزة والمعدات.

وقالت سيما، إن "تسويق سمادي والترويج له مشكلة كبيرة أواجهها، لأن الناس والفلاحين لا يعرفون الكثير عن المنتج".

تطرح سيما منتجها في أكياس بحجمين مختلفين، طبعت على الكيس صورة فاكهة رمان وغصن زيتون، إلى جانب اسم المنتج وبعض المعولمات حول مكوناته.

gwlla hero 2024 (1)

السليمانية/ 2024/ أحد منتجات معمل (كوله هيرو) للسماد العضوي    تصوير: خاص بـ(كركوك ناو)

جمال محمد، صاحب مشتل بروا، استخدم أسمدة كوله هيرو العضوية ونالت استحسانه، "نوعية السماد جيدة، لكن للأسف توجد مشكلة تسويق لأن وعي المواطنين، بالأخص الفلاحين، ليس بالمستوى المطلوب، يجب أن يتوجهوا لاستخدام سماد الكمبوست لأن فوائده أكثر من السماد الكيمياوي ولا يسبب أضرار صحية أو بيئية".

جمال من بين أصحاب المشاتل الذين صنعوا أسمدة عضوية من قبل لكنه توقف عن ذلك، "إذا وفرت الحكومة لهم الدعم، يمكنهم شراء كميات كبيرة من السماد العضوي الذي تعتبر كلفته أعلى. شراء كميات كبرة من سماد الكمبوست يكلفني الكثير"، ويدعو جمال لنشر الوعي بين المواطنين والمزارعين لتشجيعهم على استخدام الأسمدة العضوية.

"لاستخدام الأسمدة الكيمياوية تاريخ طويل وليس من السهل تعويد الفلاحين والمواطنين على التوجه للسماد العضوي بهذه السرعة".

ويقول الشيخ قادر بأنه يضطر لتقديم الإرشادات والإيضاحات حول مزايا السماد العضوي لتشجيع زبائنه على شراءه، "نحتاج لمزيد من الوقت لتعريف الناس بهذا السماد ليصبح بديلاً للسماد الكيمياوي وحماية البيئة".

أكثر

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT