من البیئة

كل ما نود معرفته عن "المنازل الخاملة".. يقولون: صديقة للبيئة وتوفر الطاقة!

  • 2024-12-21
كل ما نود معرفته عن "المنازل الخاملة".. يقولون: صديقة للبيئة وتوفر الطاقة!
السليمانية/ نيسان 2023/ تشييد منزل بنظام الباسيف هاوس    تصوير: شركة باسيف هاوس
ساكار عبدالله

بينما كانت درجات الحرارة خارج منزل "عدنان عبدالرحمن" تشير لـ47 درجة مئوية خلال الصيف الماضي، لكن في الداخل 25 درجة فقط. تكييف المنزل احتاج كمية قليلة جداً من الطاقة.

عدنان، بروفيسور لغة فارسية في جامعة السليمانية، شيد منزله بنظام الخامل أو السلبي (Passive House) بنسبة 65 بالمائة، تكلفة المنظومة أعلى لكنها صديقة للبيئة وترشد استهلاك الطاقة لأغراض التكييف.

"المنزل الخامل" معيار دولي لتشييد المنازل والأبنية، وبحسب الخبراء والشركات المختصة بهذا المجال، يوفر المنزل الطاقة بنسبة تصل إلى 90 بالمائة.

في العراق يعتبر الوقد، تحديداً النفط الأبيض مصدراً رئيسياً لتدفئة المنازل والأبنية. بصورة عامة، تستهلك كل عائلة ما بين اثنين وثمانية براميل من النفط الأبيض طوال موسم البرد، ويكلفهم ذلك مبلغاً يتراوح بين 300 ألف و مليون دينار، ناهيك عن أن حرق الوقود مصدر رئيسي لتلوث البيئة.

اضافة إلى النفط الأبيض يستهلك العراقيون كمية كبيرة من الطاقة الكهربائية لأغراض التكييف.

عدنان عبدالرحمن، الذي استخدم نظام الـ"باسيف هاوس" لتشييد سقف المنزل وواجهته الخارجية، قال "كنت أستهلك سبعة براميل نفط أما الآن فأحتاج لاستهلاك برميل واحد فقط".

 

"استهلاك منخفض للطاقة وحماية للبيئة"

نظام المنزل الخامل "السلبي" لا يتعلق فقط بالحرارة والبرودة، بل يمنع ايضاً التلوث بالضوضاء داخل المنزل، وينقي هواء المنزل عن طريق فلاتر "مرشحات"، بذلك لا يصبح المنزل جزءاً من تشتت الحرارة إلى النظام البيئي، بخلاف المنازل التقليدية، حسبما قال المهندس مسلم محمد.

مسلم، شاب من مدينة حلبجة، حصل على شهادة في مجال أنظمة المنازل الخاملة من ألمانيا ويعمل حالياً في هذا المجال بإقليم كوردستان. يقول مسلم إن "النظام يوفر الطاقة وصديق للبيئة".

وأوضح بأن الأبحاث العلمية أثبتت أن المنازل الخاملة تخفض استهلاك الطاقة بنسبة 90 بالمائة، "لأن شاغلي المبنى لن يحتاجوا لأجهزة تكييف في الصيف أو الشتاء... كما أن الهواء داخل المنزل يكون خالياً من التلوث".

أحد الأسس الرئيسية للمنازل الخاملة أنها تضم نظاماً طبيعياً للتهوية... الهواء الذي يدخل الى المنزل يمر عبر مرشحات ما يمنع دخول الهواء الملوث إلى المنزل

"إذا كانت درجة الحرارة في الشتاء 10 درجات تحت الصفر، ستكون داخل المنزل 25 درجة مئوية ولن تحتاج لتشغيل مدافئ أو سخانات"، وأضاف مسلم أن " المنزل الخامل يدوم لفترة أطول مقارنةً بالمنزل التقليدي".

ظهر نظام المنزل الخامل في المحافظات العراقية وإقيم كوردستان منذ عام 2019، لكن بصورة عامة، لا يزال استخدام هذا النظام منحصراً بين الطبقات المتمكنة من المجتمع.

يتألف النظام من وسائل عزل سميكة ونظام تهوية معيارية مصممة بشكل جيد للحفاظ على التوازن الحراري داخل المنزل.

"المنزل الخامل صمم أساساً لخدمة البيئة، لأن الأبنية كانت تستهلك كميات كبيرة من الطاقة وتنتج انبعاثات ضارة تدخل الغلاف الجوي، ما يؤدي إلى الاحتباس الحراري والتأثير على المناخ"، وأضاف مسلم محمد أن "هذا النظام يقلل من انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون وأول أوكسيد الكربون وغيرها من الغازات السامة التي تنبعث من الأبنية وتلوث الهواء".

وكالة حماية البيئة الأمريكية –معظم الدول تستند اليها في القوانين والمعايير الخاصة بتلوث الهواء-، وضعت معايير لستة ملوثات رئيسية للهواء، توثر على صحة الإنسان في حال تجاوزها.

الملوثات تتألف من الأوزون الأرضي، الجسيمات الدقيقة المعلقة، ثاني أوكسيد الكربون، ثاني أوكسيد النتروجين، أول أوكسيد الكربون والرصاص.

وفقاً لتقارير منظمة الأمم المتحدة، يساهم قطاع إنشاء المباني بشكل ملحوظ في تغير المناخ في العالم حيث يشكل 21 بالمائة من انبعاث الغازات الساخنة.

سان سارافان، عضو هيئة الدفاع عن طبيعة وأملاك السليمانية، يقول إن "أهمية هذا النوع من المبادرات (المنازل الخاملة)، تكمن في أن كوكبنا يتعرض لخطر الغازات الساخنة التي أدت الى الاحتباس الحراري... نعلم بأن المدن تتعرض لتوسع عشوائي لا يستند لأية معايير بيئية".

وتؤيد هذا التوجه، يريفان شاسوار، الحاصلة على شهادة الماجستير في جودة الهواء، حيث تقول،" إن كانت جودة هواء إقليم كوردستان في حالة جيدة خلال السنوات الـ10 الماضية فهي الآن في وضع سيء لأن أغلب الملوثات تجاوزت المعايير المحددة".

وتقول وزارة الصحة في حكومة كوردستان إن التلوث البيئي أحد اسباب الإصابة بأمراض السرطان، حيث سجلت تسعة آلاف و911 حالة إصابة بالسرطان خلال 2023، وتشير الاحصائيات الى أن سرطان الرئة ثاني أكثر الحالات شيوعاً.

ويقول المهندس مسلم محمد إن "أحد الأسس الرئيسية للمنازل الخاملة أنها تضم نظاماً طبيعياً للتهوية... الهواء الذي يدخل الى المنزل يمر عبر مرشحات ما يمنع دخول الهواء الملوث إلى المنزل.... كما أن النظام يحافظ على نسبة الرطوبة داخله".

عدنان عبدالرحمن، الذي استخدم نظام الباسيف اوس في بناء منزله أكد نفس الشيء وقال، "لا نعاني من ارتفاع نسبة الرطوبة والترشع، الهواء الذي نستنشقه نقي".

 

منافع على المدى البعيد

بحسب عدنان عبدالرحمن، "يكلف بناء المنزل الخامل مبلغاً أكثر نسبياً مقارنة بالمنازل التقليدية، لكن بمرور الوقت سيوفر لك المنزل أضعاف ذلك المبلغ... على سبيل المثال، أستهلك سنوياً برميل واحد من النفط الأبيض بدل ستة براميل".

يكلف بناء منزل بنظام "الباسيف هاوس" مبلغاً يزيد عن كلفة بناء المنزل التقليدي بنسب تتراوح بين 5 و 20 بالمائة، حسب نوعية مواد البناء التي تنتجها الشركات.

وأشار مسلم إلى أن أسعار المواد تتفاوت حسب جودتها والشركة المصنعة لها.

"قلت مصاريف استهلاك الكهرباء والوقود والماء لأغراض التكييف من مليون دينار إلى أقل من 300 ألف دينار".

وأضاف، "لو كنت قد بنيت المنزل بأكمله بنظام الباسيف هاوس، كنت سأوفر المزيد، لأن 65 بالمائة فقط من منزلي شيد بنظام المنزل الخامل"، لافتاً إلى أن "درجة الحرارة داخل منزلي طوال الصيف المنصرم كانت 25 درجة مئوية واحتجت الى كمية قليلة جداً من الطاقة لتكييف المنزل".

المتحدث باسم دائرة بيئة السليمانية، مصطفى جمعة، يقول بأن هناك عدد قليل من المنازل الخاملة في إقليم كوردستان، "لكنها بداية مهمة لخدمة البيئة، لأن هذه النظام يوفر الطاقة اللازمة لتكييف المباني".

ويشير تقرير منظمة الأمم المتحدة صدر عام 2022، إلى أن المباني كانت مسؤولة عن 34 بالمائة من الطلب العالمي على الطاقة، و37 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة والعمليات الصناعية.

Passive House

السليمانية/ نيسان 2023/ بناء منزل بنظام الباسيف هاوس    تصوير: ساكار عبدالله 

وبيّن المتحدث باسم بيئة السليمانية بأن المنزل الخامل "  قادر على إقامة علاقة خاصة وثيقة ومترابطة مع العالم الخارجي ويتكيف ويندمج وفقا لذلك وباستمرار".

وأشار إلى أن المنازل المشيدة بنظام الباسيف هاوس، "تحتفظ بالحرارة خلال الشتاء وتعيد استخدام الحرارة المتولدة داخل المنزل عن طريق نظام خاص للتهوية، كما تستفيد من حرارة الشمس".

بلدية السليمانية، لحين اكتمال هذا التقرير الصحفي، لم تدل بأي تصريح حول ما إن كانت هناك تعليمات  تخص بناء المنازل الخاملة أم لا.

ويقول عدنان عبدالرحمن، "منذ أن شيدت منزلي بنظام الباسيف هاوس، أصبحت أولي اهتماماً أكبر بقضايا البيئة".

 

ارتفاع الكلفة وشحة المعلومات

من التحديات التي تواجه نظام المنازل الخاملة ارتفاع كلفتها مقارنةً بالمنازل التقليدية، في وقت يعاني فيه إقليم كوردستان منذ سنوات من تأخر صرف رواتب الموظفين واستقطاعها، حيث حرم موظفو الاقليم منذ عام 2014 من 20 راتباً.

موظف في شركة خاصة ببناء المنازل الخاملة في السليمانية قال، "إذا كان بناء منزل تقليدي مساحته 100 متر مربع، يكلف 20 ألف دولار، فسيكلف بناؤه بنظام الباسيف هاوس 25 ألف دولار".

عدم صرف الرواتب ومحدودية الإيرادات من اسباب تراجع الوعي البيئي وعدم اللجوء لمثل هذه المبادرات

واشار المتحدث باسم بيئة السليمانية إلى أن متابعاتهم أظهرت بأن كلفة بناء منزل خامل أعلى بنسبة تتراوح بين 5 و 20 بالمائة، "حسب نوعية المواد وتصميمها".

من التحديات الأخرى، قلة الخبرة وعدم توفر معلومات كافية لدى المواطنين حول نظام المنازل الخاملة.

هيرش عبدالله، موظف حكومي، كان بصدد بناء منزل في حي قوله ريسي بالسليمانية، قال "لا أعرف شيئاً عن نظام الباسيف هاوس، سمعت به منكم"، وبعد التوضيح قال "إذا كان الأمر كذلك فسيتطلب مبلغاً أكثر وهو ما يفوق امكانياتي المادية".

أما سان سارافان فقال، "لا يوجد وعي عام حول التغيرات المناخية، الإعلام مقصر في هذا الجانب ولم يؤد واجبه في إيصال المعلومات... عدم صرف الرواتب ومحدودية الإيرادات من اسباب تراجع الوعي البيئي وعدم اللجوء لمثل هذه المبادرات".

أكثر

  • FB
  • Instagram
  • Twitter
  • YT