سجلت مؤسسة كوردستان النباتية وصنفت 70 ألف نوع من النباتات والأشجار بغرض الحفاظ عليها، يتزامن هذا المشروع مع التغيرات المناخية السريعة التي تحدث في العراق والعالم، ارتفاع معدلات درجات الحرارة والتصحر، ويرى الخبراء بأن هذه التغيرات قد تقضي بشكل مباشر على أنواع عديدة من الأشجار والنباتات.
وذكرت المؤسسة على سبيل المثال نوعاً من اشجار البلوط التي تواجه خطر الزوال بسبب تداعيات التغير المناخي، حيث تبقت منها خمس شجرات فقط، الى جانب عشرات الأنواع الأخرى التي توشك أن تنقرض بسبب شح المياه أو التدخل البشري عن طريق تعديل جيناتها.
مؤسسة كوردستان النباتية تبدأ العمل
تأسست مؤسسة كوردستان النباتية قبل 13 عاماً برئاسة سامان عبدالرحمن الخبير في مجال النبات والذي قضى 22 عاماً بين طبيعة ونباتات كوردستان.
ويقول سامان بأن الخبرة التي اكتسبها أظهرت له بأن أشجار البلوط ونوع من الأعشاب التي يطلق عليها محلياً "السالمه" باتت على حافة الزوال، ما دفعه للتفكير في تأسيس مؤسسة كوردستان النباتية بالتعاون مع عدد من الخبراء وأساتذة الجامعات.
المؤسسة غير ربحية ويتألف مقرها من أربعة طوابق يقع داخل حرم الجامعة الأمريكية في السليمانية.
ما أن تدخل مبنى المؤسسة تقع عيناك على عدد من البوسترات الخاصة بأنواع متعددة من النباتات، الأشجار والأعشاب، ويقول سامان إن "المؤسسة صنفت وسجلت 70 ألف نوع من النباتات والأشجار، بواقع مليون عينة كل نبتة أو شجرة ".
سرباخ صالح، عقيلة الرئيس العراقي الأسبق برهم صالح لعبت دوراً رئيسياً في إنشاء المؤسسة الى جانب أكثر من 20 شخصاً، ويقول سامان، "بدونهم لم يكن هذا الانجاز ليتحقق"، وأضاف إن "مؤسسة كوردستان النباتية تلعب دوراً مهماً في حماية الأمن الغذائي".
"أحب مؤسستي أكثر من بيتي، لم أشعر أبداً بالتعب، كل يوم آتي فيه الى هذا المكان اشعر بأنه أول يوم لي وأتعلم اشياءً جديدة"، حسبما قال سامان.
أحمد حبيب، الذي يعد رسالة دكتوراه حول تصنيف نباتات منطقة كرميان، زار المؤسسة مرات عديدة لكتابة أطروحته، ويقول "صحيح بأنني تعلمت تصنيف النباتات بشكل نظري وفق المعايير العالمية، لكن التطبيق العملي أفضل لكي أنجر عملي بصورة صحيحة".
واستطرد قائلاً إن"مؤسسة كوردستان النباتية هي المكان الوحيد الذي يوفر هذه الميزة، لكي يستفيد الطلاب منه في بحوثهم".
الحفاظ على جينات النباتات
تعمل المؤسسة الى جانب حماية نباتات وأشجار كوردستان على حماية جينات النباتات، التي يوشك أن يتغير الكثير منها بسبب تدخل الانسان، حسبما أوضح سامان عبدالرحمن.
وأشار الى أن "التغيرات المناخية، ارتفاع معدلات درجة الحرارة، شح الأمطار والتصحر من العوامل التي تؤدي بشكل مباشر الى زوال بعض أنواع النباتات والأشجار، جهودنا تركز على حمايتها".
وفقاً لإحصائيات وتحذيرات الأمم المتحدة، يحتل العراق المرتبة الخامسة بين الدول الأكثر تأثراً بتداعيات التغيرات المناخية.
حيث شهدت السنوات الأخيرة تسجيل أعلى معدلات درجة الحرارة في العراق، على سبيل المثال وصلت درجة الحرارة العام الماضي في خانقين بمحافظة ديالى الى أكثر من 51 درجة مئوية.
مؤسسة كوردستان النباتية تنفذ حالياً بالتعاون مع الجامعة الأمريكية وناشنال جيوغرافيك، مسحاً للنباتات الموجودة في قيوان، قرداغ، أزمر، كويزة، هلكورد وسكران بحافظة السليمانية.
"سجلنا كافة النباتات والأشجار الموجودة في هذه المناطق، وأضف سامان إن "هدفنا هو خدمة البيئة ونسعى لتقديم الأفضل".
تسعى المؤسسة لإنشاء بنك للجينات في متنزه هواري شار بمدينة السليمانية، "يمكن نقل هذه النماذج الى متنزه هواري شار للاستفادة منها"، بحسب سامان.
بنك الجينات خاص بحفظ وحماية العناصر الوراثية للنباتات والأشجار وهي من المؤسسات المهمة في كل منطقة جغرافية.
وقال سامان، "كل شعب، دولة ومنطقة يجب أن يكون لديها بنك للجينات لتستفيد منه الأجيال القادمة".
ويقول مدير البحوث الزراعية في السليمانية، هيوا بايز بأن دائرته مطلعة على أعمال المؤسسة وجهودها لإنشاء بنك الجينات في كوردستان، "هذه الخطوة مهمة جداً لحماية وتعريف النباتات، وكذلك لحفظ بذور النباتات المثمرة والنباتات النادرة التي تواجه خطر الزوال".
خصصت مساحة قدرها 100 دونم في متنزه هواري ار بالسليمانية لبنك الجينات، فيما تكفلت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة بتمويل إنشاء البنك.
وقال بايز إن "موقع بنك الجينات مناسب لأنه خارج المدينة وبمنأى عن التغيرات البيئية وقريبة من البذور".
الباحث في مجال البيئة، خالد سليمان، المطلع على أعمال ونشاطات المؤسسة قال إن المؤسسة "لعبت دوراً كبيراً في توفير بنك للمعلومات حول نباتات كوردستان".
اكتشاف نباتات جديدة
الى جوار تصنيف وحماية الأنواع المختلفة من النباتات والأشجار في اقليم كوردستان، تعمل المؤسسة على اكتشاف أنواع جديدة من النباتات والأشجار، ويقول سامان بأن المؤسسة نجحت في اكتشاف 30 نوع جديد من النباتات.
"اكتشاف النباتات يأتي بمعنى أنها جديدة على مستوى العالم، مثال ذلك، نبتة سالفيا علي عسكري التي سميناها باسم علي عسكري، وكذلك نبتة سايلين شابازيا التي أسميناها باسم إحسان شاباز".
قيوم عبدالكريم، خبير أعشاب يعمل في هذا المجال منذ 40 عاماً، قال إن من المهم أن تعمل المؤسسة على تطوير مجال الأعشاب الطبية، "هذا الجانب تم تهميشه في اقليم كوردستان، في الحقيقة من واجب وزارة الزراعة ووزارة الصحة الاعتمام بالأعشاب الطبية".
"تمثل المؤسسة مركزاً مهماً لإرشاد المواطنين، يجب أن تنشر تعليمات للمواطنين خصوصاً في فصل الربيع ليتجنبوا اقتلاع الأعشاب والنباتات من جذورها".
وذكر قيوم عشبة "السالمه" كمثال على الأعشاب التي تواجه خطر الزوال بسبب اقتلاعها من جذورها.
رئيس منظمة علم الأعشاب في كوردستان، اسماعيل مشير، والتي تضم أكثر من 700 عضو، قال إن "عشبة السالمه تواجه خطر الزوال لأن المواطنين يقتلعونها من جذورها ويستخدمونها في إعداد المثلجات، في فترة التسعينات التي شهدت موجة غلاء، دأب الكثيرون على اقتلاع هذه العشبة لذا باتت على حافة الاندثار".
وأضاف اسماعيل، "يتبين لنا من ذلك بأن مؤسسات مثل مؤسسة كوردستان النباتية مهمة لحماية وحفظ بذور النباتات والأشجار وزراعتها فيما بعد".
نشاطات المؤسسة "في منطقة محددة"
يرى خبراء علم النبات والبيئة بأن نشاطات مؤسسة كوردستان مقيدة ضمن منطقة جغرافية محددة.
وقال خالد سليمان إن "البحوث والاستكشافات الت قامت بها المؤسسة لم تشمل كافة مناطق كوردستان، رغم أن فعالياتهم تعتبر مصادر جيدة للإعلام والصحفيين وكذلك لتطوير مستوى علوم البيئة".
ويرى البعض من المختصين، بينهم قيوم عبدالكريم، بأن الحكومة لا توفر الدعم الكافي لإنجاح هذه المساعي، "لا توجد مؤسسة حكومية معنية تصغي لآراء المختصين في علم النبات".
"كنت أعمل في قسم البحوث الزراعية بدائرة زراعة حلبجة، خصصنا قسماً للأعشاب الطبية، لكن بعد تركي للقسم تم إغلاقه".
الأمور ليست سهلة بالنسبة للمؤسسة، ويقول سامان، "أحياناً كنت اقضي سبعة أشهر لتصنيف نوع من النباتات، هناك نباتات اضططرت للتخلي عن مهمة تصنيفها بعد جهود حثيثة، بسبب صعوبة إيجاد الصنف الذي تنتمي اليه، لكننا مع ذلك مستمرون في عملنا".
ويقول سامان إن عملهم كان عبارة عن جهود شخصية، "حتى أن الحكومة وقفت في البداية أمام إنشاء المؤسسة".
غياب الدعم المالي قلص أعضاء المؤسسة من 16 شخص الى أربعة أشخاص، وقال سامان، "واجهنا في بعض الأحيان معوقات سياسية في مناطق مختلفة، كان ذلك تحدياً كبيراً".
أحمد حبيب، الذي يزور المؤسسة في كثير من الأوقات لإكمال أطروحة الدكتوراه الخاصة به، قال "لو خصصت ميزانية للمؤسسة، ستتمكن من تصنيف كافة النباتات والأشجار في كوردستان".
وقال نائب مدير عام زراعة السليمانية، جوتيار خالد بأن مديريته أرسلت اثنين من موظفيها الى المؤسسة لمساعدتهم في التعرف على النباتات، ووصف جوتيار إنشاء المؤسسة بالخطوة المهمة، "هذه المؤسسة غير حكومية ولا تتبع وزارة الزراعة، وعملها لا يخضع لرقابتنا وموافقتنا".
بالرغم من إنشاء بنك الجينات، قال نائب مدير عام زراعة السليمانية بأن "وزارة الزراعة بصدد إنشاء بنك للجينات لحفظ بذور النباتات وحمايتها من الزوال".