من معاناة مؤقتة ولد مشروع جديد حين قررت شقيقتان جعل معاناة الدورة الشهرية فرصة لصنع منتجات صحية صديقة للبيئة.
الفوط الصحية، الحفاظات وبعض المستلزمات النسائية الأخرى من أبرز منتجات المبادرة الصغيرة، حيث يمكن إعادة استخدامها بدل رميها بعد أول استخدام، الهدف هو توفير راحة أكبر للنساء والفتيات مع حل إبداعي لتقليل الهدر.
"بدأنا بصنع وانتاج الفوط من أقمشة ذات جودة عالية مريحة للنساء ويمكن استخدامها لأكثر من مرة"، وتقول شاناو جلال، صاحبة ماركة مور (بنفسجي) بأن جميع منتجاتهم، من ضمنها الحفاظات والفوط، يمكن إعادة استخدامها بعد الغسل والتنظيف.
تدير شاناو المشروع بمساعدة شقيقتها، وبعد سنوات من التجارب والمحاولات من أجل اقناع الزبائن وتحقيق النجاح، "استخدمت أكثر من 30 نوعاً من الأقمشة لمنتجاتي، أجريت تجارب على مدار أربع سنوات لمعرفة أي الأقمشة أفضل لكي لا يتعرض المشروع للانتقادات"، الآن أصبحت منتجات المشروع مرغوبة عند النساء وملائمة للأطفال كونها صديقة للبيئة.
الفوط والحفاظات التجارية من المنتجات التي تشكل خطراً على صحة الانسان والبيئة بسبب استخدام النايلون والبلاستيك وبعض المواد الكيمياوية في صنعها، ونظراً لأن معظمها تصلح للاستخدام لمرة واحدة فقط، تتحول الى نفايات يتوجب حرقها أو طمرها وتحتاج هذه النفايات مئات السنين لكي تتحلل.
مور.. مبادرة للسيدات والبيئة
يعود إطلاق مبادرة مور الى ما قبل خمس سنوات لكن الفكرة ولدت قبل ذلك بكثير، تقول شاناو جلال، "حين دخلت في الدورة الشهرية، لم تكن الفوط صحية متوفرة، عانيت كثيراً، قمت بصنع فوط من الأقمشة الموجودة في البيت، خطر لي في حينها أن أطلق مشروعاً في المستقبل ينقذ الفتيات والنساء من المعاناة التي مررت بها".
حولت شاناو حلمها الى خطوات عملية وكرست كل ما تملك لإنجاح مشروعها الصغير.
"نعمل منذ خمس سنوات، اعتمدنا على أنسنا ونؤدي عملنا بتفاني، لا أن نفكر فقط في جني المال، تحريت مع شقيقتي كثيراً لإيجاد أفضل السبل اتحسين نوعية الحفاظات والفوط"، شاناو أسمت مشروعها بـ"مور" أي بنفسجي لأنها تعشق هذا اللون.
أغلب الفوط والحفاظات المتوفرة في السوق يدخل النايلون والبلاستيك في صناعتها. وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة، تقدر النفايات البلاستيكية في العالم بأربعمائة مليون طن سنوياً، يعاد تدوير 9 بالمائة منها، كما تحرق نسبة 12 بالمائة منها والبقية تختلط بالطبيعة والبيئة.
اختصاصية الأمراض النسائية والعقم والتوليد ، سمية عطا النقشبندي، تقول "دائماً ما ننصح النساء والفتيات اللائي يراجعننا باستخدام فوط مصنوعة من القطن وليس من النايلون وأن تكون بسيطة وبدون روائح، لأنهن يكنّ معرضات أكثر للإصابة بالالتهابات في تلك الفترة".
أقمشة البولستر (النايلون) تحتاج لـ200 سنة لكي تتحلل في البيئة، وبالرغم من أن انتاج كيلوغرام واحد من القطن يتطلب ما بين 7500 و 10000 لتر من الماء، لكن استخدام القطن أو إعادة استخدامه يسبب أقل ضرر للبيئة.
شنكه جلال، شقيقة شاناو، تقول إن "منتجاتنا تستخدم منذ عامين والأقمشة التي نستخدمها جميعها من القطن، عديمة الرائحة، مضادة للحساسية وصديقة للبيئة، تتحلل بسرعة ولا تسبب أضررا للبيئة والصحة حتى أن قسماً من الأطباء يستخدمونها".
يستورد قسم من المواد الأولية المستخدمة في تصنيع منتجات المشروع من أوروبا وكندا وأستراليا، ويوجد تنسيق مع طبيبة النسائية للتحقق من أضرار الفوط التجارية وتجنب استخدام مواد مؤذية للصحة في منتجاتهم.
يعد البلاستيك من الأسباب الرئيسية وراء الإصابة بأمراض السرطان، حيث سجلت في محافظة السليمانية خلال عام 2023 أكثر من 3350 حالة إصابة، ما شهدت ألأشهر العشر الماضية من العام الحالي تسجيل أكثر من 3150 حالة، بحسب إحصائيات مستشفى هيوا لعلاج السرطان.
الدكتور محمد عبدالوهاب، مسؤول شعبة السيطرة على السرطان في محافظة السليمانية قال "المنظمة العالمية للصحة اثبتت بأن النفايات البلاستيكية أحد الأسباب الرئيسية للإصابة بالسرطان لأنها تحتاج مدة طويلة لكي تتحلل وتؤثر على سلامة المنتجات الغذائية".
في عموم اقليم كوردستان،تجمع يومياً أكثر من ستة آلاف طن من نفايات المنازل، معظمها غير مفرزة وتضم الحفاظات والفوط.
د. شاكول أبو بكر، استاذة جامعية وباحثة في هيئة كوردستان للدراسات الاستراتيجية والعلمية تقول إن "النايلون والبلاستيك بعد تحللهما في الطبيعة وتحولها الى مايكروبلاستيك تطرأ عليهما تغييرات أخرى وتنتجان مواد أخرى يمتد تأثير بعضها على التربة والبيئة لقرابة 250 الى 400 سنة".
وأوضحت شاكول بأن منتجات مشروع مور صديقة للبيئة وتقلل المخاطر الناجمة، مشيرةً الى أن معظم الحفاظات والفوط الموجودة في الأسواق تحتوي على النايلون وتضر بصحة الإنسان.
تطرح مور سبع منتجات مختلفة في السوق من بينها المستلزمات النسائية وحفاظات الأطفال، بعضها يتم تصنيعها حسب طلب الزبون.
"على سبيل المثال، الحفاظات من النوع الذي لا يسبب أي حساسية أو احمرار لجلد الطفل.. منتجاتنا تسوق في جميع أنحاء العراق ويوجد ايضاً طلب عليها من بعض الدول الأوروبية"، وتقول صاحبة ماركة مور، شاناو جلال إن "الأقمشة للتي نصنع منها منتجاتنا من أفضل أنواع الأقمشة ومعها ضمان لمدة سنتين".
وتقول اختصاصية أمراض الجلد والتجميل، كسين كمال شامحمد إن "استخدام المنتجات المصنوعة من القطن تقلل من الإصابة بالحساسية، العفن، الأمراض المعدية، إحمرار الجلد والبكتريا"، بالرغم من أنها تعارض الاستخدام لأكثر من مرة، لكنها ترى بأن مضار المنتجات المصنوعة من القطن اقل.
زبائن راضون، صحة أفضل ومصاريف أقل
يفضل الزبائن منتجات مور، بالأخص الصديقة للبيئة منها، خفّ قلقهم وقلت المصاريف مقارنة بالسابق.
الخبيرة في مجال الاقتصاد، نيشتمان حسن، تقول إن "الأطفال بحادجة لكميات كبيرة من الحفاظات في بداية ولادتهم وهذا يكلف الكثير من المصاريف، لكن هذه المنتجات تستخدم لسنتين وربما بضعة حفاظات ستكفي الطفل حتى يكبر".
يأتي العراق في المركز الخامس بين البلدان الأكثر تأثراً بتداعيات التغيرات المناخية، لذا تحث الأمم المتحدة الناس على التقليل من الشراء والاعتماد على المنتجات التي يمكن إعادة استخدامها.
"منذ أن بدأت باستخدام فوط مور لم أعد أعاني من الالتهابات أو أي مشاكل صحية أخرى"، تقول جوفين نيكا التي تستخدم منتجات ور منذ سنة وثلاثة أشهر، "أطلعت الطبيب على المنتج ثم قررت استخدامه، أولاً المنتح صديق للبيئة وثانياً لا يتحول الى نفايات ضارة".
مروع مور أنتج حتى الآن 10 آلاف فوطة للسيدات وأكثر من 1500 حفاظة فضلاً عن بعض الملابس النسائية والحقائب والمستلزمات الأخرى.
دشني، طبيبة أطفال تعرفت على ماركة مور عن طريق إحدى زميلاتها، فقررت استخدامها، "أنصح الأمهات اللائي يراجعنني بسبب إصابة أطفالهن بالحساسية واحمرار الجلد باقتناء منتجات مور، لأنها مفيدة صحياً واقتصادياً".
يتم تسويق منتجات مور على نطاق واسع عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي.
بيستان راستي، طبيبة مقيمة، تقول "استخدمتها شخصياً واستفدت منها كثيراً".
أما المهندسة المدنية تابين حمه سعيد التي بدأت باستخدام منتجات مور منذ أكثر من سنة فتقول "منذ أن بدأت باستخدام هذه المنتجات وأنا أشعر بالراحة، لأنها عديمة الرائحة ولا تسبب الحساسية والاحمرار، كما أنها مفيدة من الناحية الاقتصادية ولست مضطرة لشرائها كل شهر". تابين شجعت شقيقتها أيضاً على استخدام المنتج.
مشروع مور ليس مصنعاً انتاجياً فقط بل هيأ أيضاً فرص عمل. تقول شنكه جلال بأن ثلاثة موظفين يعملون للمشروع ومع ازدياد الطلب سيتم تعيين آخرين بعد تلقي التدريبات اللازمة.
شيني هوكر، إحدى العاملات في المشروع، والتي تستخدم منتجاته، قالت "جئت هنا للعمل، الآن أصبحت أستخدم منتجاتنا واستفيد منها كثيراً".
مواجهة التحديات
منتجات مور مصممة بحيث يمكن إعادة استخدامها، بعد الغسل والتنظيف، ويمثل ذلك أحد التحديات التي تجعل بعض السيدات يترددن في شرائها.
"لست مستعدة لاستخدامها، صحيح إنها مفيدة اقتصادياً، لكنني لا أستطيع غسلها"، هذا ما قالته كوسار كمال (16 سنة). لكن تابين حمه سعيد تقول إن "غسلها سهل جداً ولا مشكلة لدي مع ذلك".
صناعة الأزياء تحتل المركز الثاني بين مصادر تلوث البيئة حيث أن نسبة قليلة من منتجات هذه الصناعة يعاد استخدامها.
وترى الخبيرة الاقتصادية نيشتمان حسن بأن أغلبية السيدات والفتيات يعزفن عن استخدام مثل هذه المنتجات لأنها تتطلب الغسل والتنظيف.
سهولة الحصول على المنتجات التجارية واستيرادها، بالأخص تلك التي تحتوي على النايلون أو البلاستيك، من أسباب تراجع الطلب على المنتجات الصديقة للبيئة.
المتحدث باسم دائرة بيئة السليمانية، مصطفى جمعة، يقول إن مشروع مور لا زال صغيراً ولم يتحول الى مصنع، لذا لم يتم تسجيله عند دائرة البيئة، "لا نستطيع حظر المنتجات التي تحتوي على النايلون أو البلاستيك لأنه لا توجد لدينا بدائل، بالخص فيما يتعلق بحفاظات الأطفال والفوط الصحية".
غياب الدعم المالي وصعوبة الحصول على أقمشة عالية الجودة من التحديات الأخرى التي تواجه مبادرة شاناو جلال.
تستورد مؤسسة مشروع مور القماش من الخارج، أحياناً تلجأ لبعض الأطباء لكي يختاروا لها النوعيات المناسبة، العملية برمتها مكلفة. ويمثل عدم توفر مكان لفتح محل يحمل اسم ماركة مور من المعوقات الأخرى.
برغم التحديات، لا زال المشروع مستمراً. تقول شاناو جلال بأنها تعتزم العمل على توسيع المحل الصغير الذي تصنع وتخزن وتسوّق فيه منتجاتها وفتح فروع في كافة مدن اقليم كوردستان.