تخطو معامل انتاج الأكواب والأكياس الورقية في السليمانية تدريجياً لإنقاذ الأسواق من قبضة البلاستيك والنايلون، لكن هذه الخطوة بحاجة لنشر الوعي البيئي. يعد الورق صديقاً للبيئة ومن ميزاته القابلية على التحلل البيولوجي في التربة.
خلال السنوات القليلة الماضية كثف معملان محليان في السليمانية جهودهما لزيادة انتاج الأكواب والأكياس الورقية لتصبح بديلاً للبلاستيك والنايلون، الخطوة تلاقي ترحيباً نظراً للأضرار التي يسببها البلاستيك للبيئة.
يُنتج سنوياً أكثر من 380 مليون طن من البلاستيك في العالم، بحسب تقرير لموقع بلاستيك أوشنز – يعمل على وضع حد لتلوث المحيطات بالنفايات البلاستيكية عن طريق تحذير المجتمع- ويشدد التقرير على أن 50 بالمائة من البلاستيك الذي يتم انتاجه يصلح للاستخدام لمرة واحدة فقط.
بحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ثلثا المنتجات البلاستيكية عبارة عن منتجات قصيرة العمر تتحول إلى نفايات يتسرب قسم منها الى التربة والنظم المائية وتفاقم من مخاطر انعدام الأمن الغذائي.
مبادرات تجارية لكن صديقة للبيئة
قبل ثلاث سنوات تأسس معمل (كولدن بيبر) لإنتاج الأكواب الورقية في منطقة تانجرو بالسليمانية بعد أن شعر القائمون على المشروع بأن هناك طلباً متزايداً على المنتجات السفرية (تستخدم لمرة واحدة).
المشرف على معمل (كولدن بيبر)، باور محمد،قال لـ(كركوك ناو) إن "هدفنا كان واضحاً، صنع منتجات ذات جوة عالية لكن صديقة للبيئة، لذا اخترنا انتاج الأكواب الورقية".
في عملية صنع الأكواب الورقية يتم الاعتماد فقط على الأجهزة التي "تعمل بالكهرباء والهواء"، أي أنه لا يستخدم أي نوع من أنواع الوقود الملوث للبيئة، كالنفط أو زيت الغاز، في عملية الانتاج.
"على سبيل المثال لا تنبعث خلال الانتاج أية غازات سامة ولا تُخلف نفايات، كم أن الأكواب تصنع من مواد خام ذات عالية الجودة نستوردها من الخارج"، بحسب باور محمد.
"كرافت بيبر باك" لإنتاج الأكياس الورقية، مبادرة محلية أخرى في السليمانية دخلت في الصراع مع البلاستيك.
يقول المشرفون على المعمل بأنهم يستهلكون شهرياً 100 طن من الورق لإنتاج خمسة ملايين كيس ورقي، "قسم من زبائننا هم من المهتمين بحماية البيئة.. منتجاتنا لا تسبب أضرار للصحة والبيئة".
ألوند حلمي، مديرة معمل لإنتاج الصابون الطبيعي، تستخدم الأكياس الورقية لتعبئة منتجات المعمل، قالت "بالرغم من أن المنتجات التي نبيعها ليست غذائية، لكنني فكرت في أن منتجاتنا الطبيعية يجب أن تُعبّأ في أكياس وأغلفة صديقة للبيئة وأن نتجنب المواد التي تضر بالصحة والبيئة".
بحسب موقع OECD iLibrary، وهو موقع أمريكي معني بالبحوث وتحذير صناع القرار، الباحثين والمحللين، ينتج الانسان سنوياً أكثر من 350 مليون طن من النفايات البلاستيكية ويتوقع أن تصل الى مليار طن بحلول 2060 اذا استمر على هذا النسق.
الوضع خطير.. النساء يلعبن دوراً إيجابياً
تكل النساء 95 بالمائة من اليد العاملة في معمل "كولدن بيبر"، كما أنهن يلعبن دوراً رئيسياً في شراء الأكياس الورقية بدل البلاستيكية والنايلون.
وقال باور محمد، "وجود هذه النسبة الكبيرة من النساء في معملنا دليل على التزامنا بتمكين المرأة في سوق العمل، دائماً ما تلعب النساء دوراً رئيسياً في جميع القضايا، منها قضية البيئة".
شيرين جمال (50 سنة)، من بين السيدات اللاتي تستخدمن المستلزمات السفرية باستمرار، تقول بأنه منذ أن اتضح لها ما يسببه البلاستيك من أضرار للبيئة قررت "عدم شراء مستلزمات بلاستيكية ما لم تكن ضرورية جداً".
"شاركت في عدد من حملات التوعية الخاصة بقضايا البيئة، بالأخص فيما يتعلق بالابتعاد عن استخدام البلاستيك والنايلون السفري، الآن أعلم أضرار هذه المواد للبيئة والصحة".
لذا تقول شيرين بأنها توجهت نحو استخدام الأكواب الورقية والأطباق المصنوعة من نشا الذرة، "استخدامها آمن بصورة أكبر، فمثلاً حين تصب الشاي في كوب ورقي لا تشعر بتغير في طعمه بسبب التفاعل، بخلاف الأكواب البلاستيكية".
زينو خالد، أستاذة جامعية مختصة بمجال البيئة، تقول إن "تلوث البيئة بالبلاستيك والنايلون من أكثر المشاكل شيوعاُ في عصرنا هذا... حين يحدث تماس بين البلاستيك ومادة غذائية سواء عن طريق كوب أو طبق بلاستيكي أو كيس نايلون، تدخل جزيئات البلاستيك الدقيقة (المايكروبلاستيك) الى المادة الغذائية ومنها الى جسم الانسان وتسبب له العديد من المشاكل الصحية".
البلاستيك يؤثر على عملية التخصيب والنشاطات الهرمونية والدماغ كما أن حرق النفايات البلاستيكية يلوث الهواء، وذلك وفقاً لتحذيرات منظمة الأمم المتحدة.
وأوضحت زينو بأن "استخدام البلاستيك بصورة غير مسؤولة وعدم وجود وعي بين أفراد المجتمع اضافة الى غياب إمكانيات التدوير مثلما توجد في الدول المتقدمة، من الأسباب الرئيسية لتلوث البيئة والتغير المناخي... في النهاية، يسبب أضرار للتربة، الانسان وجميع الكائنات الحية".
وأشارت الأستاذة الجامعية الى أن "هذه المواد البلاستيكية تتعرض لأشعة الشمس وتتحلل وتلوث البيئة بمواد كيماوية تدخل السلسلة الغذائية عن طريق الأحياء الدقيقة في الهواء والتربة والماء".
وفقاً لإحصائيات منظمة الأمم المتحدة، 50 بالمائة من البلاستيك المنتج في العالم يصلح للاستخدام لمرة واحدة، وأقل من 10 بالمائة منها يعاد تدويرها أو استخدامها.
وتقول زينو، "العديد من البحوث والدراسات أثبتت بأن المايكروبلاستيك، وهو عبارة عن جزيئات دقيقة جداً تدخل جسم الانسان، يؤدي للإصابة بأمراض متعددة. وبحسب الجراسات التي أجريت في اقليم كوردستان تأتي النفايات البلاستيكية في المرتبة الثانية بعد النفايات الغذائية".
بدائل البلاستيك هي الحل
تجمع في السليمانية يومياً 1000 طن من النفايات عن طريق ثلاث شركات، وبحسب مسؤول قسم الإعلام في رئاسة بلدية السليمانية، زردشت رفيق، تشكل النفايات الغذائية 60 بالمائة منها.
وقال زردشت، "يعاد تدوير ما يمكن تدويره والبقية تنقل الى منطقة تانجرو جنوبي السليمانية".
سنوياً، يُنتج ما يقرب من (400) مليون طن من النفايات البلاستيكية في العالم. وفقاً لإحصائيات البرنامج البيئي لمنظمة الأمم المتحدة (UNEP)، في كل دقيقة يتم شراء مليون عبوة بلاستيكية، في حين يستخدم سنوياً حوالي خمسة ترليون كيس نايلون على نطاق العالم. إجمالاً، نصف البلاستيك المنتج مصمم للاستخدام لمرة واحدة –يستخدم مرة واحدة ثم يُرمى-.
تقترح زينو خالد البحث عن بدائل للبلاستيك كالأكواب والأكياس الورقية واستخدامها، كإحدى سبل معالجة المشكلة.
"الأكياس الورقية، الأقمشة والخام يمكن استخدامها لأكثر من مرة بدلاً من أكياس النايلون، لذا فهي تخدم البيئة وتمثل خياراً ناجعاً، لأنها ستقلل من النفايات"، بحسب زينو خالد.
يريفان زانا، صاحبة محل لمواد التجميل، قالت "أستخدم الأكياس الورقية منذ خمس سنوات، جودتها أعلى بكثير من أكياس النايلون وتحافظ على المنتج".
وأضافت، "حين يرى الناس بأننا نهتم بالبيئة والصحة يثقون أكثر بمنتجاتنا".
ودعت يريفان الى الاهتمام بالمنتجات التي يمكن إعادة استخدامها، بخلاف المواد البلاستيكية.
فيما قالت زينو، "يجب على الجهات المعنية العمل على تحسين جودة المواد البايوبلاستيكية التي يمكن أن تصبح بديلاً آخر للمنتجات البلاستيكية التي تصنع من مشتقات النفط والغاز".
لا توجد إعادة تدوير
"كولدن بيبر" و "كرافت بيبر باك" يستوردان المواد الأولية الورقية من الخارج، اي أنهما لا يعيدان تدوير النفايات الورقية في الداخل.
المرفون على معمل "كرافت بيبر باك" لانتاج الأكياس الورقية قالوا بأن الورق المعاد تدويره لا يمكن استخدامه مع المواد الغذائية لأن ذلك غير صحي. المعمل غالباً ما يزود المطاعم والمخابز بالأكياس الورقية.
في حين قال المشروف على معمل "كولدن بيبر"، باور محمد بأنهم يشترون المواد الأولية من الصين، "لتنفيذ نظام إعادة تدوير الورق نحتاج الى بنية اقتصادية والمزيد من عمليات المعالجة، لا نملك حالياً هذه الامكانيات لكننا سنتقصى ذلك في المستقبل".
تواجه هذه المشاريع مجموعة من التحديات، منها أن أكياس النايلون والأكواب البلاستيكية أرخص من الورقية، ما يزيد الإقبال على شرائها.
هزار عاصي، صاحب مخبز في السليمانية قال إن "قسماً من المواطنين يطلبون منا عدم وضع الخبز في أكياس الورق لأنها تتمزق بسهولة ويطلبون منا تعبئتها في أكياس النايلون".
ولفت هزار الى أن سعر الكيلوغرام الواحد من أكياس الورق ضعف سعر أكياس النايلون وذكر بأن مخبزه يستهلك يومياً ما بين كيلوغرام و كيلوغرامين من أكياس النايلون حيث يكلف كل كيلو 5000 دينار.
بشأن الأسعار، شدد القائمون على مشروع "كرافت بيبر باك" بأن على المواطنين أن يدركوا حقيقة أن "أي منتج صديق للبيئة ويحافظ على الصحة، كلفته ستكون أعلى".
وزارة الصحة في حكومة اقليم كوردستان، وجهت للمرة الثانية خلال العام الحالي بحظر استخدام الأكياس البلاستيكية في الأفران والمخابز والمطاعم واستبدالها بالأكياس الورقية، لكن أغلبها لم تلتزم بالقرار.
في بعض المخابز تتوفر أكياس النايلون والورق، لكن المشكلة هي أن الكثيرين لا يمانعون وضع الخبز في أكياس النايلون، بحسب هزار عاصي.
ويقول باور محمد إن "الحكومة لا توفر الدعم بالشكل اللازم"، لكنه أضاف، "تمكننا عن طريق منتجاتنا من تقليل أعداد مستخدمي الأكواب السفرية البلاستيكية بصورة ملحوظة".