إنتاج كيلوغرام واحد من الطماطم، وفقاً لنظام جديد للري، يحتاج لنصف لتر من الماء فقط، في حين أن اتباع الطرق التقليدية للزراعة يستهلك حوالي سبعة لترات.
وتعتمد الزراعة المائية على زراعة النباتات دون استخدام التربة. وهي طرق لزراعة النباتات إما على ركيزة أو في وسط مائي بجذور عارية، بحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو).
"تعود فكرة إنشاء وتركيب هذا النظام إلى حقيقة مفادها أنه في إقليم كردستان العراق، وخاصة في فصل الصيف، غالباً ما يواجه المزارعون مشكلة شح المياه فضلاً عن مشاكل التربة خلال ري المحاصيل الزراعية، لذا قررنا تطبيق نظام الزراعة المئائية في كلية الزراعة"، بحسب المهندس الزراعي شيركو أحمد، ممثل مشروع الزراعة المائية لمؤسسة فيم (VIM).
الزراعة المائية تقنية زراعية حديثة بواسطة محاليل معدنية مغذية فقط عوضاً عن التربة، ومن أكبر فوائدها إنخفاض استهلاك المياه بنسبة 90 في المائة حيث تكون الزراعة بصورة عمودية، ما يؤدي الى انتاج كمية أكبر من المحاصيل في مساحة أصغر.
مشاكل هذا النظام كما يقلل من الآفات التي تصيب المحاصيل بسبب الحشرات الضارة
ويعد النظام جديداً نسبياً في إقليم كردستان والعراق، حيث أطلقته مؤسسة VIM في إطار مشروع بالتنسيق مع جامعة السليمانية، ليكون بمثابة مركز تعليمي وبحثي للطلاب والمزارعين والمراكز المحلية في الجامعة.
يعد هذا النظام حديثاً نسبياً في إقليم كوردستان وقد بدأت منظمة "فيم" بتنفيذها في إطار مروع بالتنسيق مع جامعة السليمانية، لكي يصبح مركزاً تعليمياً ومصدر بحوث للطلاب، المزارعين والمراكز الداخلية في الجامعة.
وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة، تعد الزراعة أكبر مستهلك للمياه، وبينما يعتمد أكثر من مليارين وستمائة ألف شخص بشكل مباشر على هذا القطاع في جميع أنحاء العالم، إلا أنه يواجه أيضاً مشاكل، نظراً لأن مشاكل التربة تؤثر على 52 بالمائة من الأراضي الزراعية.
حل ناجع لمشكلة المياه والتربة
مشروع VIM لإنشاء نظام الزراعة المائية يبدأ من الجامعة ويأمل القائمون عليه أن يطبقه الطلاب في المستقبل ويشجعَ المزارعين على الاعتماد عليه في الزراعة.
يقول شيركو أحمد بالإضافة إلى أن هذا النظام يقلل من هدر المياه، فإن له فوائد أخرى حيث تكون التربة آمنة وخالية من المشاكل. "مشاكل هذا النظام كما يقلل من الآفات التي تصيب المحاصيل بسبب الحشرات الضارة".
تسعى مؤسسة "فيم" لتعريف المزارعين بصورة أكبر بالمشروع من خلال تدريب المزارعين، وتعمل حاليًا على إعداد كتيب عن المشروع، يوضح كل شيء عن النظام.
"في هذا النظام، لا يتم استخدام التربة للإنتاج الزراعي، بل يستخدم فقط الماء أو من خلال استخدام بدائل للطمى والطين مثل خث جوز الهند والبيرلايت... النظام خاضع للسيطرة، ولا تتأثر التربة ولا المحاصيل بالآفات "، بحسب المشرف على مشروع الزراعة المائية.
وفقًا للأرقام الرسمية التي تنشرها الحكومة العراقية، يهدد التصحر أكثر من 53 بالمائة من أراضي البلاد، حيث يفقد العراق 100 ألف دونماً سنويًا، حيث تشير الأمم المتحدة إلى أن العراق خامس أكثر دول العالم تأثراً بتداعيات تغير المناخ، من ضمنها شح المياه.
سلام محمود، أستاذ في قسم البستنة بكلية علوم الهندسة الزراعية بجامعة السليمانية، قال إن "الزراعة في التربة لها مشاكل كثيرة، مثل انتشار الآفات ومن ثم انتقالها إلى المحاصيل، لذا تسبب الزراعة التقليدية إشكاليات شتى للمزارعين"، وأضاف، "يمكن استخدام هذه التقنية الجديدة في الدول التي تعاني من التصحر".
ويقول سلام إن الزراعة المائية ليست جديدة في العالم وتعتمد عليها بعض الدول للحفاظ على الأمن الغذائي، لكنها جديدة على إقليم كردستان العراق.
وفقا لإحصائيات منظمة الأمم المتحدة، نحو 70 بلمائة من المياه في العالم تستهلك لري المحاصيل، في الوقت الذي يعاني فيه 40 بالمائة من سكان العالم من شح المياه.
"هذا النظام مفيد جدًا للتقليل من هدر المياه وتجنب الأمراض في المحاصيل وزيادة الانتاج. بالإضافة إلى ذلك، لا تعاني من مشاكل التربة"، بحسب المهندسة الزراعية فينك أبو بكر.
الزراعة بشكل مستمر
شالاو محمد، مهندس زراعي مساعد، يقدم أطروحة ماجستير حول مشروع الزراعة المائية لإنتاج الخس، قال إن " أهمية هذا النظام تكمن في أنه يستخدم مركبات أخرى بدلاً من التربة لا تحتوي على مواد ضارة".
في الوقت الذي تحتاج فيه التربة إلى التنظيف، فإنها تصاب كل عام بالآفات التي تنتقل مباشرة إلى المحاصيل".
ويقول شالاو، "في هذا النظام، يتم تقليل استخدام وهدر المياه بشكل كبير لأنه عبارة عن دفيئة زراعية، نظام التبخر فيه أقل ويستهلك مياه أقل".
من المزايا الأخرى للزراعة المائية هي أنه يمكنك الزراعة في أي مكان.
هذا النظام مهم جداً للحفاظ على المياه، سواء مياه الآبار، العيون
حتى الآن، لا يطبق الفلاحون في إقليم كردستان نظام الزراعة المائية، لكن تم نصبه في عدة أماكن من قبل بعض المستثمرين، بما في العلوة الجديدة في أربيل، وقد كانت له نتائج جيدة.
مدير عام زراعة أربيل، هيمن سيد مراد، قال إن "أحد المستثمرين نفذ هذا المشروع في العلوة الجديدة في أربيل، وكانت له نتائج جيدة مقارنة بالنظام القديم، لأن انتاجه أكبر ويقلل من هدر المياه ويحتاج الى مساحة أقل".
وتوفر منظمة الأمم المتحدة الدعم للمزارعين في بعض المحافظات العراقية لتطبيق النظام على شكل مشاريع صغيرة وفردية.
وأوضح سلام محمود بأنه في النظام الجديد، يخبرك التوازن الموجود في عناصر التربة بأن المحاصيل لا تواج أي مشكلة، بخلاف نظام الزراعة التقليدية.
يقضي الجفاف والتصحر سنويًا على 12 مليون دونماً من الأراضي التي يمكن استخدامها لإنتاج 20 مليون طن من الحنطة.
ويقول الخبير في المياه والهيدروجيولوجيا، عباس علي، إن الزراعة المائية تهدف إلى تقليل كمية المياه المستخدمة في المنتجات الزراعية، "هذا النظام مهم جداً للحفاظ على المياه، سواء مياه الآبار، العيون، الأنهر أو البحيرات".
المزارعون مترددون
" في الصيف نعاني من نقص المياه الذي يعيق ري المحاصنا. إذا كان هناك نظام يحل مشكلة نقص المياه ويزيد الانتاج وكانت لدينا خبرة في استخدامه، فبالتأكيد سنستخدمه"، يقول جهاد صبري، مزارع من منطقة برادوست التابعة لمحافظة أربيل، غير ملم بنظام الزراعة المائية.
شح المياه ومخاطر الجفاف مشاكل تتجدد سنوياً لمعظم المزارعين.
محمد كمال، مزارع في قرية "خيوته" التابعة لقضاء شاربازير بمحافظة السليمانية قال إنه زرع في عام 2021 خمسة دونمات من الأراض بمحصول الكوسة لكنه تخلى عنها بسبب شح المياه، "لاحقًا بحثت في الانترنت عن بدائل واستفسرت كثيراً إلى أن صادفت موضوعاً عن الزراعة المائية. الآن أعرف كل شيء عنها، لكنها تكلف الكثير ولا يمكنني استخدامها".
محمد كمال ينتظر الحصول على دعم من الحكومة لتمكينه من استخدام النظام الحديث.
الزراعة المائية عبارة إدخال التكنولوجيا في أساليب الإدارة الزراعية لإنتاج الخضروات، الخيار، الطماطة والكوسة على مدار العام.
هلكوت عبد الرحمن، مدير عام البستنة والغابات بوزارة الزراعة والموارد المائية، قال إن "النظام يوفر بيئة مناسبة للمحاصيل، يتم ري وتغذية المحاصيل عن طريق الكمبيوتر".
في نظام الزراعة المائية، تكون التربة والهواء وفق معايير ثابتة، ويتم إعطاء كمية كافية من المياه للمحصول، ويكون إنتاجه عشرة أضعاف النظام القديم، على سبيل المثال، إذا كان انتاج دونم واحد من محصول الخيار خمسة أطنان بالطريقة التقليدية، سيكون حجم النتاج باتباع النظام الجديد 50 طناً".
إذا كانت الزراعة بالطريقة القديمة تتطلب لترًا واحدًا من الماء يوميًا، فإنك تحتاج الى مياه أقل بنسبة 90 بالمائة في نظام الزراعة المائية.
وفقًا لهلكوت عبد الرحمن، فإن نظام الزراعة المائية يتطلب رأس مال بشري أقل، لكنه يحتاج مراقبة مكثفة ومستمرة من خلال التكنولوجيا، "بهذا النظام، يمكن لفريق مؤلف من أربعة أشخاص زراعة عدة دونمات من الأراضي، لكن يجب أن تتم متابعته باستمرار ويتطلب توفر الطاقة الكه ربائية على مدار الساعة".
التكلفة تحدي كبير
تمثل الإمكانيات المادية للمزارعين احد أبرز التحديات أمام مشروع الزراعة المائية، حيث أن كلفته مرتفعة مقارنة بالطرق التقليدية للزراعة.
ممثل مشروع الزراعة المائية في مؤسسة فيم قال إن "هذا النظام أكثر تكلفة مقارنةً بالأنظمة الأخرى ومزارعونا غير مطلعين عليه وغير مستعدين للتخلي عن أراضيهم".
لتذليل هذه العقبة، تقترح فينك أبو بكر أن يتولى القطاع الخاص أو الحكومة إنشاء النظام، لأنه مكلف والمزارعون غير مستعدين للتخلي عن أراضيهم الزراعية.
وزارة الزراعة والموارد المائية نظمت دورات تدريبية للعديد من المزارعين، فضلاً عن برامج تطوير البستنة في العراق بالتعاون مع الحكومة الهولندية، باستخدام نظام الزراعة المائية.
وقال المسؤول في وزارة الزراعة، "بسبب الأزمة المالية، لا تمتلك وزارة الزراعة أي مشاريع خاصة بنظام الزراعة المائية، ولكن هناك عدد من المشاريع التي يديرها القطاع الخاص"، وأضاف، "يمكننا منحهم إجازات لتأسيس مثل هذه الماريع وإعفاءات جمركية للسلع التي يستوردونها".
لا تزال أراضي إقليم كردستان خصبة، إذا أراد المزارع زراعة دونماً واحداً من الأرض بنظام الزراعة المائية، فعليه أن ينفق حوالي 25000 دولار، فضلاً عن أن هذا النظام صالح للاستخدام لمدة 50 عامًا، بينما يحتاج المزارعون الذين يستخدمون الطرق التقليدية إلى تأمين كلفة البذور،والنفقات تكون أقل.
ويرى الأستاذ في جامعة السليمانية بأن على الحكومة أن توفر تسهيلات للمزارعين لكي يتوجهوا نحو استخدام الزراعة المائية سواء عن طريق الحكومة مباشرة أو عن طريق القطاع الخاص.
ويقول سلام محمود إن "المزارع غير قادر على استخدام هذا النظام وهو مكلف للغاية".