"أي مبادرة تتعلق بالبيئة، لابد وأن يكون لفريق بنجوين التطوعي يد فيها؛ بما في ذلك حملات التوعية والتشجير. على مدار عامين، زرع الفريق أكثر من 31 ألف شجرة توت، يجني سكان بينجوين الآن ثمارها.
هذه الأنشطة تقام في إطار مشروع يسمى (بينجوين مدينة التعلم)، والذي تم إطلاقه بدعم من عدد من رجال الأعمال، ويشارك فيه الآن مئات المتطوعين.
"عندما نزرع هذه الأشجار، هدفنا هو حماية البيئة واستعادة الغابات الطبيعية التي احترقت أو زالت"، كما يقول غريب بينجويني، رجل دين وأحد المشرفين على المشروع. "إن مثل هذه المشاريع مصممة لتحسين جودة الهواء وتوفير الراحة للمواطنين، لذلك اخترنا الخدمة في هذه المجال".
يشتهر قضاء بينجوين، الواقع شرق مدينة السليمانية، بأراضيها الزراعية الخصبة. ويضم القضاء ناحيتين بالإضافة إلى حوالي 200 قرية. وبحسب هيئة إحصاء إقليم كردستان فإن عدد سكانها يقدر بنحو 53 ألف نسمة وتقدر مساحته بـ100 كيلومتر مربع.
بداية خصبة
تعود فكرة مشروع (بينجوين مدينة التعلم) إلى عام 2022، وعرف على نطاق واسع بأنه مشروع تعليمي وبيئي.
زانا رحمن، قائممقام بينجوين السابق والمشرف على المشروع قال إن المشروع يتضمن مجموعة من الأنشطة المتنوعة، منها البيئة وزيادة المساحات الخضراء، "حتى الآن زرعنا 31 ألف شجرة توت، وقد اخترنا هذه الشجرة لأنها تتحمل الجفاف والبرودة والحرارة".
معظم الأشجار أثمرت وبدأ الناس بقطف ثمارها هذ العام.
" فعاليات المشروع تتضمن أيضاً تقديم المعلومات حول البيئة والزراعة، وأضاف زانا بأن "جمع البطاريات المستعملة هي حملة أخرى تهدف لخدمة البيئة، حيث تم جمع أكثر من 500 كيلوغرام من البطاريات المستعملة"، وأشار الى أنهم يخططون لتوسيع أنشطتهم للوصول إلى أجزاء أخرى من إقليم كوردستان.
وفقا للدراسات التي نشرتها الأمم المتحدة، فإن الأشجار والخضرة تخفف من تأثيرات تغير المناخ وتقلل من انبعاث ثاني أكسيد الكربون.
وقال غريب بينجويني " زرعنا أشجاراً على امتداد عشرات الكيلومترات على الطرق الخارجية، أغلب الأشجار أنتجت ثمارًا يستفيد منها الناس".
هناك أنواع مختلفة من أشجار التوت، بعضها ينمو دون تدخل بشري. التوت سريع النمو عندما يكون صغيرا، ويمكن أن ينمو إلى 10 أمتار أو 20 مترا، لكن وتيرة نموه تتباطأ تدريجيا. يمكن تناول ثمار الشجرة طازجة أو مجففة، كما يمكن يمكن استخدامها لصنع العصائر والمربى وغيرها من المنتجات.
وقال غريب بينجويني إن التكنولوجيا وجشع الإنسان أثرا سلبا على البيئة، "البيئة هي بيت الجميع، ومن واجب الجميع حمايتها. يجب على الجميع تحمل المسؤولية تجاه البيئة بنفس القدر الذي يتحملونه تجاه بيوتهم".
وأضاف غريب، الذي يشرف على حملات التشجير، أنه من خلال الاهتمام بالبيئة، يمكنهم مواجهة جميع الأمراض المنتشرة في العراق وإقليم كوردستان، لأن معظم هذه الأمراض ناجمة عن التلوث.
تأسست مجموعة "نمام" (نبات) في بينجوين عام 2018، وتم تغيير اسم المجموعة لاحقًا إلى "درخت" (شجرة). أصبحت المجموعة جزءًا من مشروع بينجوين مدينة التعلم ، وقد كثفت أنشطتها على مدى السنوات الأربع الماضية بإطلاق حملات تشجير في مركز القضاء والقرى المحيطة به. وانضم إلى الفريق حوالي 170 متطوعًا حتى الآن. وهناك أيضًا مجموعة أخرى تسمى منظمة "مله كوه" التي تركز جهودها على نشر الوعي البيئي.
الناشطة البيئية روخسار نوري تقول إن "البيئة تعني الحياة، فكل ما تأكله أو تسمعه أو تعيش فيه يمثل البيئة، والبيئة تتطلب العمل، والعمل يعني الدين، لذا فإن البيئة تعادل الدين، هكذا أرى الأمر"، وتشجع روخسار على تعزيز الوعي، وخاصة في المدارس.
المبادرة أخذت مسألة التعليم والأطفال بنظر الاعتبار، حيث نظمت خلال الصيف دورات حول حماية البيئة، وحصل المشاركون على "حقيبة ظهر صديقة البيئة" في نهاية الدورة.
وتقول روخسار نوري، "تلعب النساء دورًا جيدًا في القضايا البيئية ويتعاونن مع المنظمات ذات الصلة. إنهن يعتنين بالبيئة بنفس الطريقة التي يعتنين بها بأطفالهن. يبدأن من منازلهن ثم يحمين الطبيعة في الخارج".
الأشجار توزع بالمجان
عملية زراعة الأشجار ضمن المشروع تنفذ بشكل جماعي، حيث يتم تقديم الأشجار مجانًا لأي شخص يرغب في المشاركة، بشرط أن يعتني بها.
وبحسب التعليمات التي وضعها المشرفون على المشروع، كل شخص يحصل على شجرة الى ثلاثة أشجار، ويجب أن يتعهد بالعناية بها ويقدم معلومات عن الموقع الذي ينوي زراعتها فيه.
وقال المشرف الاعلامي لمشروع (بينجوين مدينة التعلم)، يادكار محمود، "تم غرس اكثر من 41 الف شجرة في مناطق متفرقة من بنجوين (معظمها أشجار توت)، الكثيرون يعتنون بها ، لكن بعض الاشجار تعاني من الاهمال".
صاحب فكرة المبادرة، حبيب كاني شاباني، وهو رجل اعمال من بينجوين، يتولى على عاتقه التنسيق مع السلطات المحلية في بينجوين تحديد مواقع حملات التشجير وغيرها من الفعاليات المتعلقة بالبيئة.
وأشار يادكار الى أن" حبيب كاني شباباني تولى بنفسه سابقاً زراعة اشجار التوت في القضاء، وهو الان يشرف على المشروع مع اعضاء اخرين من الفريق"، واضاف يادكار بأنه شارك هذا العام في مؤتمر دولي لمدن التعلم في المملكة العربية السعودية، مشيرا الى انهم يخططون للانضمام الى قائمة مدن التعلم التي تختارها اليونسكو.
بعض الاشجار المزروعة تحمل اسماء شخصيات بارزة في اقليم كوردستان، ويتم ارسال صورة الشجرة وموقعها لاحقا الى تلك الشخصيات لتفقّدها والعناية بها متى ما سنح لها ذلك.
ولفت غريب بينجويني إلى أنهم يستوردون آلاف الأشجار من إيران سنوياً، بعضها تزرع من قبل الفريق وبعضها يتم توزيعها على السكان مجانا، "بالإضافة إلى حملات حماية البيئة والتشجير ننظم أيضا فعاليات حول التعليم والتوعية والسلم الاجتماعي".
يتم توزيع المهام بين أعضاء الفريق، والتي تتضمن إعطاء التعليمات للمزارعين لمساعدتهم على التعامل مع المشاكل الزراعية وتعريفهم بتقنيات الزراعة الحديثة.
خدمة تطوعية للجميع
كافة أعضاء الفريق من المتطوعين ، ويتولى مهمة سقي الأشجار عاملان بالاعتماد على صهاريج مياه متنقلة، بحسب المدير الإعلامي للمشروع.
تُسقى الأشجار بحسب جدول زمني، وتتم العملية في الغالب في المساء، حيث تسقى الأشجار التي بلغ عمرها سنة واحدة مرة في الأسبوع، أما الأشجار التي عمرها عامان يتم سقيها كل 12 يوما.
باستخدام صهريج ماء متنقل، يتولى سردار صابر سقي خمسة آلاف شجرة، وفق جدول زمني يبدأ من شهر أيار حتى نهاية حزيران. ويتطلب سقي جميع الأشجار 13 صهريج ماء سعة كل منها 15 ألف لتر.
وأوضح سردار بأن "بعض الأشجار زرعت في بداية المشروع ونمت الآن وأثمرت، وبات الناس يجنون ثمارها".
تلعب الأشجار دور مرشحات للهواء، فهي تنقي الهواء من الغازات السامة والغبار والدخان، بالإضافة إلى فوائدها البيئية الأخرى، وفقاً لدراسات نشرتها الأمم المتحدة.
ويقول نائب رئيس منظمة مله كوه لحماية البيئة، بختيار علي إن "من الضروري الكفاح من أجل البيئة والثقافة والهوية، لأن كل شيء مرتبط بالبيئة. حتى لو لم تكن المشاريع كبيرة، فهي أفضل من لا شيء، الناس بشكل عام متعاونون معنا، لكن العمل في قضايا البيئة يسير بخطى بطيئة ويتم تهميشها".
"قلة من الناس يهتمون بالبيئة"، وأضاف بختيار بأن "الحكومة أيضاً تهمل هذا الجانب، وما يتم القيام به ليس كافيًا بالنظر إلى المخاطر التي تواجه البيئة".
وفقًا لإحصائيات وتحذيرات الأمم المتحدة، يأتي العراق في المرتبة الخامسة بين أكثر البلدان تأثراً بتداعيات التغير المناخي، من ضمنها ارتفاع معدلات درجة الحرارة، قلة الأمطار، ندرة المياه وغيرها من الكوارث الطبيعية.
مدير شرطة حماية الغابات في بينجوين سردار أحمد، تحدث عن التعاون بين المنظمات البيئية والحكومة، وذكر منظمة مله كوه كمثال، "إنهم متعاونون للغاية ... عندما تندلع الحرائق في الغابات أو المراعي أو يقطع الناس الأشجار، فإنهم يبلغوننا على الفور". وأشار سردار إلى أن لديهم تنسيقًا مع جميع المنظمات الأخرى العاملة في بينجوين.
تحديات جمة
لا توجد علوة لبيع الخضر والفواكه في بينجوين، لذلك قام العديد من المزارعين بنصب أكواخ خشبية على امتداد الطرق الرئيسية في المدينة حيث يبيعون فيها محاصيلهم، "تم اقتلاع بعض الأشجار بالجرافات"، بحسب المشرف على المشروع، غريب بينجويني.
يتم حرق الأشجار لأسباب مختلفة، في بعض الأحيان يعمد المزارعون الى حرق الأشجار القريبة من أراضيهم الزراعية، "على الرغم من اتخاذ بعض التدابير سنوياً لتجنب حرائق الغابات مثل رش الأعشاب الضارة في محيط الأشجار بالمبيدات"، وأضاف غريب ، "بعض الأشخاص يقوضون جهودنا عمداً ويزيلون الأشجار التي زرعناها".
وفقًا لأحدث تعداد سكاني أجري هذا العام في العراق، يقدر عدد سكان المناطق الريفية في إقليم كوردستان بنحو 16٪ فقط، وهي حقيقة يعتبرها غريب بينجويني تحدياً آخر، بالإضافة إلى الأضرار التي تسببها الماشية التي تلتهم الأشجار والنباتات المزروعة على جوانب الطرق.
وتشجع هيئة حماية وتحسين البيئة في إقليم كردستان على حماية المساحات الخضراء وتحذر من أن الأشخاص المتورطين في قطع الأشجار سيواجهون عواقب قانونية تشمل غرامة تصل الى 500 ألف دينار عراقي والحبس لمدة ثلاثة أشهر.
مدير شرطة حماية الغابات في بينجوين أشار الى إنهم يتأكدون من حماية الأشجار بعد زراعتها، "هذه الأشجار تضفي جمالاً على المنطقة ومن واجبنا حمايتها".
ويعد غياب الدعم المالي أحد التحديات التي تعيق توسيع المشاريع البيئية. ويقول نائب رئيس منظمة مله كوه بأنهم كانوا يخططون لطباعة ونشر كتب وكتيبات متعلقة بالبيئة وتنظيم فعاليات فنية، لكن خططهم فشلت بسبب غياب الدعم المالي. وقال بختيار علي، "يتعامل بعض الأشخاص بشكل غير منطقي مع فعالياتنا ويقفون ضدها، حتى أنهم قدموا شكاوى ضدنا"، لكن بالنسبة للفريق التطوعي كل ذلك لا يوازي رؤية شجرة وهي تنمو.