لم تعد مياه الصرف الصحي في جمجمال عديمة القيمة، إذ يمكن استخدامها الآن في الري وتربية المواشي بعد إخضاعها لعدة مراحل من التصفية والمعالجة. المبادرة التي أطلقتها مؤسسة في جمجمال، تشمل أيضًا إنتاج الغاز من النفايات الحيوانية والاعتماد على الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء.
قضاء جمجمال يتبع محافظة السليمانية إداريًا ويعد من المناطق التي تعاني من شح المياه، مشكلة دفعت سكان القضاء للخروج في العديد من التظاهرات والتجمعات الاحتجاجية خلال السنوات الماضية، حيث أن حكومة إقليم كردستان قادرة على توفير 50 بالمائة فقط من حاجة سكان المنطقة من مياه الشرب.
في حزيران الماضي، خصصت الحكومة 78 مليون دينار لمشروع مياه كوبتبه على أمل حل أزمة مياه الشرب.
مؤسسة تقود الجهود
مؤسسة زيان (حياة) التي تعمل في بعض مناطق إقليم كردستان في مجالات الشؤون القانونية والدعم النفسي والشؤون الاجتماعية والقضايا البيئية،أطلقت مبادرة تهدف إلى توفير المياه والكهرباء والغاز بطرق صديقة للبيئة.
هاوري رسول، مدير مركز المؤسسة في جمجمال، قال "فكرنا في إيجاد طريقة لتوفير المياه اللازمة للمركز، وخاصة لسقي النباتات والمواشي التي يتم تربيتها هنا، وفي النهاية خطرت لنا فكرة إعادة تدوير مياه الصرف الصحي".
تأسست مؤسسة زيان في عام 2005 وافتتحت مركزًا لها في قضاء جمجمال عام 2010. يراجع المركز مئات الأشخاص يوميًا للحصول على خدمات العلاج النفسي والطبي وكذلك المشورة القانونية والاجتماعية. يتم تمويل المؤسسة من قبل منظمات دولية.
"كنا ندفع للحكومة مبالغ كبيرة لفواتير الكهرباء، لكننا الآن نزود المؤسسة ومشاريعها بالكهرباء عن طريق أنظمة الطاقة الشمسية".
تضم المؤسسة قسماً خاصاً بالأشجار والخضرة، وقسماً آخر لتربية الطيور والحيوانات. ويقول القائمون على المؤسسة إن الحيوانات والمساحات الخضراء ضرورية في عملية العلاج النفسي.
تعمل المؤسسة على إعادة استخدام مياه الصرف الصحي لسقي النباتات والمواشي وتنتج الغاز من فضلات المواشي حيث يستخدم الغاز لاحقا لتدفئة حظائر الحيوانات.
المشرف على مشاريع مؤسسة زيان، بيستون حاتم، قال "إن وجود بستان كبير داخل المركز يتطلب الكثير من المياه، لهذا نعتمد الآن على إعادة تدوير مياه الصرف الصحي، بهذه الطريقة نمنع هدر المياه، حيث تعاني المنطقة بالفعل من نقص المياه".
وبحسب مدير ماء جمجمال، زياد جاندار، فإن مبادرة زيان "ناجحة ومهمة، كما أنها تخدم البيئة".
كيف تعالج مياه الصرف الصحي؟
تتضمن العملية عدة مراحل تصفية تستخدم فيها أربع مواد (الحجارة الكبيرة والحصى والفحم والرمل).
لا تستخدم أي أجهزة كهربائية أو ميكانيكية في عملية إعادة تدوير مياه الصرف الصحي، بحسب بيستون الذي قال إن " العملية برمتها صديقة للبيئة".
"نقوم أولاً بتخزين ما نحتاجه من مياه مجاري المنازل وننقلها عبر أنبوب إلى مجرى صندوقي، ويعتبر هذا الخطوة الأولى من المعالجة حيث يمنع الأنبوب وصول بعض النفايات كبيرة الحجم من الوصول إلى مياه المشروع"، حسبما أوضح بيستون.
بعد ذلك يتم معالجة مياه الصرف الصحي في حوض بجانب المجرى الصندوقي مملوء بأحجار كبيرة، ثم تنقل المياه الى حوض آخر مملوء بحجارة أكبر حجماً ومن ثم تصب المياه في حوض آخر بحجم 40 متر مكعب مليئ بالحصى.
وقال بيستون، "من هناك تمر مياه الصرف الصحي عبر مجرى يحتوي على الفحم وهو جزء مهم من عملية تنقية المياه. وفي المرحلة النهائية، تخضع المياه لعملية تصفية أخرى باستخدام الرمل، قبل أن تصب في خزان كبير تحت الأرض قادر على استيعاب 100 متر مكعب من المياه".
بعد ذلك تستخدم فرق المؤسسة مضخات لسحب المياه واستخدامها لسقي الأشجار والحيوانات.
وقال بيستون " أخذنا عينات من المياه للفحص ولم نجد فيها أي عناصر ضارة ولكنها تظل غير صالحة للشرب لأنها تحتاج إلى مراحل أكثر من المعالجة".
وقال مدير ماء جمجمال إن أهمية المشروع تكمن في حقيقة أن جمجمال تعاني بالفعل من نقص مياه الشرب ناهيك عن المياه اللازمة لري البساتين.
وأضاف زياد جندار ، "إذا استطاع المواطنون اتباع مثال مؤسسة زيان للاستفادة من مياه الصرف الصحي لبعض الاحتياجات اليومية كري الحدائق، سيخف الضغط على مياه الشرب".
وتشير إحصائيات قائممقامية جمجمال إلى أن جمجمال وناحيتي شورش تكيه تحتاجان إلى 60 ألف متر مكعب من مياه الشرب يوميًا، غير أن الحكومة قادرة على توفير أقل من 30 ألف متر مكعب.
لذا حين يحتاج الناس إلى كميات أكبر من المياه لتلبية الاحتياجات المنزلية اليومية وأغراض الري، خصوصاً في الصيف، تعاني هذه المناطق من أزمة مياه الشرب.
هيوا يوسف، (37 عاماً)، أب لأربعة أطفال، يقول، "حتى في فصل الشتاء علينا الانتظار لأسبوع حتى تصلنا المياه، لكن هذه الأزمة لا توجد في كل المناطق".
وتقول رئيسة قسم الإدارة البيئية في كلية الزراعة بجامعة السليمانية، روزان فريدون، إن إعادة استخدام مياه الصرف الصحي هي إحدى العمليات المهمة، "فالكثير من الدول تعتمد الآن على هذا العملية لتأمين احتياجاتها وخاصة تلك التي تعاني من ندرة المياه أو تواجه تغير المناخ والجفاف".
وأضافت، "من الممكن استخدام هذه المياه للأغراض الصناعية ، الزراعية وتربية الماشية، وحتى للشرب، لكن بعد أن يتم فحصها ".
الاستفادة من فضلات المواشي والطاقة الشمسية
لا تقتصر المبادرة على إعادة تدوير مياه الصرف الصحي فقط، بل تستفيد المؤسسة أيضًا من الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء الى جانب إنتاج الغاز من النفايات الحيوانية.
ولفت بيستون حاتم الى أن المؤسسة تضم مشروعاً لإنتاج الغاز دون استخدام أي معدات كهربائية أو ميكانيكية، "يتم انتاج الغاز باستخدام مخلفات الماشية والحيوانات النافقة فقط".
وأضاف بأن "الغاز المنتج هو نفس الغاز المستخدم لأغراض الطبخ والتدفئة، لكننا نستخدمه في الغالب لتدفئة حظائر الحيوانات".
يوجد داخل المشروع عدد من البيوت الطينية التي يتم فيها تربية المواشي والطيور، وتستخدم هذه لطيور والحيوانات كطريقة علاج للأشخاص الذين يحتاجون العلاج النفسي.
البيوت الطينية عموماً وتستهلك طاقة أقل للتدفئة والتبريد، وبالتالي تعتبر صديقة للبيئة.
ويأتي استخدام الغاز المنتج من النفايات الحيوانية كبديل للوقود في وقت تشير فيه إحصائيات منظمة الأمم المتحدة إلى أن الوقود مثل الفحم والنفط والغاز مسؤول عن 75 بالمائة من الانبعاثات الغازية التي يشكل ثاني أوكسيد الكربون 90 بالمائة منها.
وتصف روزان فريدون مبادرات مؤسسة زيان بالمهمة بالأخص فيما يتعلق بالاستفادة من مياه الصرف الصحي، "في معظم مناطق إقليم كردستان، وخاصة في سهل شهرزور، تم حفر عدد كبير من الآبار التي أثرت على المياه الجوفية".
وتقول روزان إن " الجانب الإيجابي الآخر للمشروع هو أن إعادة استخدام مياه الصرف الصحي بيئياً بعد المعالجة أمر مهم للحفاظ على المياه الجوفية ومصادر المياه الأخرى".
الحكومة تتحرك
بالرغم من أن الحكومة لا تقلل من أهمية هذه المبادرات، إلا انها تتخذ اجراءات خاصة لتوفير مياه الشرب والري على سبيل المثال في جمجمال، من خلال مد شبكة انابيب مياه من الزاب الصغير ومشروع مياه كوبتبه.
المشروع الحكومي دخل طور التنفيذ منذ حزيران الماضي ومن المقرر ان يكتمل خلال 730 يوماً، بعد تخصيصها 78 مليون دولار لإنجاز المشروع.
وزير البلديات في حكومة اقليم كردستان، ساسان عوني، قال خلال مراسيم الاعلان المشروعإان "مشروع مياه كوبتبه يضخ المياه بحدود 3400 متر مكعب في الساعة وسيستفيد من المشروع حوالي 480 الف شخص".
مبادرة مؤسسة زيان غير قادرة على معالجة المياه بحيث تصبح صالحة للشرب وهذا يعتبر احد المعوقات.
وقال بيستون حاتم إن "تصفية المياه لتصبح صالحة للشرب تحتاج الى معدات أكثر وهذا يفوق امكانياتنا ومع ذلك يمكن استخدامها بشكل آمن لأغراض الري".
وأضاف، "إذا تم تحويل هذا المشروع إلى برنامج شامل فسيكون له فائدة أكبر، لأنه لن يتم هدر مياه الصرف الصحي بعد الآن، كما يساعد هذا المشروع على منع اختلاط مياه الصرف الصحي بمصادر المياه العذبة".
أكثر من نصف مياه الصرف الصحي في العالم تصب في الأنهار وموارد المياه الأخرى، لكن 11% فقط منها تتم معالجتها وإعادة استخدامها، وفقًا للأمم المتحدة.
واختتمت روزان فريدون حديثها بالقول، " الدول غير المتطورة هي جزء من تلوث الموارد المائية، على سبيل المثال إذا نظرنا إلى بحيرات دوكان ودربنديخان نلاحظ أن معظم مياه الصرف الصحي للمناطق المحيطة بها تصب في كلتا البحيرتين".