"من فضلكم لا تخلطوا البلاستيك مع القمامة بعد الآن، نحتاج لأن يتم فرزها"، هذه العبارة التي كتبت على لافتة نصبها عمال النظافة أمام منزل ساكار ميكائيل، كانت كافية لكي تبدأ العائلة بعزل نفايات المنزل البلاستيكية عن الغذائية.
منذ ذلك اليوم، تجد أمام منزل ساكار الواقع بمدينة السليمانية، إلى جانب سلة مخصصة للنفايات الغذائية، كيساً شفافاً يحتوي فقط على النفايات البلاستيكية. عمال النظافة أو أشخاص آخرون يجمعون هذه النفايات وينقلونها إلى مصانع إعادة التدوير مقابل مبلغ مالي.
وقالت ساكار إن "عمال النظافة سعداء جدًا لأنني لا أخلط النفايات، على الرغم من أنها توفر مصدر دخل بسيط جداً جدًا بالنسبة لهم، لكن ما يهم هو أنهم يستطيعون بذلك الحفاظ على نظافة البيئة والمناخ".
البيئة أصبحت هَم الجميع
جمع النفايات البلاستيكية والسعي لإعادة تدويرها عمل ثنائي الأطراف. بعض المواطنين، مثل ساكار، لا يخلطون النفايات ويفصلون البلاستيك بأنفسهم، بينما ينقل آخرون النفايات البلاستيكية إلى معامل إعادة التدوير.
ساز سيروان، (32 سنة)، طبيبة أسنان تقول إنها شاهدت قبل أربع سنوات مقطع فيديو على منصة "فيسبوك" حول أضرار البلاستيك للبيئة، لذا قررت بعدها التقليل من استخدام البلاستيك، "الأغراض البلاستيكية التي أستخدمها لا أرميها ولا أخلطها مع نفايات الأطعمة بل أجمعها، لكي تصل الى معامل إعادة التدوير".
"أجمع عبوات الشامبو والمياه والمشروبات الغازية، وكذلك دلاء اللبن، سواء في المنزل أو خارجه، ثم أقوم بكبسها وتصغير حجمها لكي لا تشغل مساحة كبيرة، متى ما جمعت كمية كافية، أتصل بأصحاب بعض المركبات أو الستوتات اللذين لدي أرقامهم لكي يقوموا بنقلها"، تقول ساز إن هدفها هو الحفاظ على البيئة.
لنجه أحمد، معلمة، من بين أولئك الذين يجمعون النفايات البلاستيكية والمعدنية ولا يخلطونها مع النفايات الغذائية، قالت، "بعد تكدس النفايات ، أتواصل مع فريق البيئة والحياة لكي ينقلوا النفايات البلاستيكية والمعدنية لمعامل إعادة التدوير".
فريق "البيئة والحياة" ينشط على منصة الفيسبوك وينشر الوعي البيئي، كما خصص الفريق أرقام هواتف حتى يتمكن المواطنون من الاتصال بهم كلما تكدست عندهم نفايات بلاستيكية.
يجمعون البلاستيك ويخزنونه لي، بدوري أعطيهم في المقابل أطباق وأكواب ومقتنيات زجاجية
جوتيار حويز، الذي يدير الفريق قال، إن "حملات التوعية البيئية التي أطلقناها لعبت دوراً في تشجيع العديد من المواطنين على عدم خلط النفايات، يتصلون بنا كلما تكدست كمية من النفايات البلاستيكية في منازلهم وبدورنا نستلمها منهم".
بشكل عام، الوعي البيئي بشأن فرز النفايات يزداد يوماً بعد آخر، و تقول لنجه بأنها لا تستخدم سفرة الطعام السفرية بتاتاً، ولا ترمي البطاريات المستعملة، "كما أعطي الأسلاك الكهربائية المستهلكة، الورق المقوى والنفايات الورقية الأخرى على حدى لصاحب ستوتة يتجول في منطقتنا".
وفقًا لإحصائية بلدية السليمانية، يتم جمع أكثر من 1000 طن من النفايات يوميًا في السليمانية، تشكل النفايات البلاستيكية نسبة غير محددة منها.
ويقول عضو هيئة حماية الطبيعة والممتلكات في السليمانية، سان سارافان، إن 10٪ من إنتاج العالم من النفط يستخدم لصناعة البلاستيك، "تتكدس في اقليم كوردستان يومياً أكثر من 8000 طن من النفايات، تشكل النفايات البلاستيكية نسبة منها وتؤدي إلى تلوث البيئة".
تنظيف البيئة وفرص العمل
في الوقت الذي يعد فيه جمع النفايات البلاستيكية جزءًا من الحفاظ على نظافة البيئة، أصبح يشكل مصدرًا للدخل وفرص عمل للبعض، سواء من خلال جمعها أو إعادة تدويرها.
يقول حسن علي الذي يجمع النفايات بسيارته في السليمانية وقضاء جمجمال ويتصل به المواطنون في اغلب الأوقات، "إنهم يجمعون البلاستيك ويخزنونه لي، بدوري أعطيهم في المقابل أطباق وأكواب ومقتنيات زجاجية".
حسن ينقل النفايات البلاستيكية إلى مصانع إعادة التدوير، "حسب علمي، تتولى المصانع طحنها ومن ثم صنع أشياء أخرى منها، أو يتم إرسالها إلى خارج البلد".
يجمع حسن يومياً ما بين 50 إلى 60 كيلوغراماً، وأحياناً تصل الكمية إلى 100 كيلوغرام، ويبيعها لمصانع إعادة التدوير مقابل 150 ديناراً للكيلوغرام الواحد.
أما محمد هاوكار، الذي يسكن في حي خبات بمدينة السليمانية، فيجمع بدراجته النارية، ما بين 60 إلى 70 كيلوغراماً من البلاستيك يومياً، ويقول بأن هذا العمل أصبح مصدر دخل له.
"أقوم بهذا العمل منذ سبع سنوات. يتصل بي اسبوعياً حوالي 20 إلى 30 شخصاً، معظمهم نساء، يطلبون مني جمع النفايت البلاستيكية التي جمعوها".
فريق "البيئة والحياة"، الذي انطلق بدءاً من صفحة على منصة فيسبوك، يتولى الآن جمع النفايات بنفسه وبعد ذلك يقوم الفريق بطحنها وإعدادها لعملية إعادة التدوير.
البلدية المسؤولة عن رفع النفايات، يقوم العديد من الأشخاص بنفس العمل، ولكن جهودهم تتركز على جمع البلاستيك، المواد المعدنية والورق المقوى
جوتيار حويز، مدير الفريق، قال "يجمع عدد من الأشخاص البلاستيك لنا، وظفنا عدداً من العمال ليقوموا بطحن البلاستيك الذي نبيعه فيما بعد لمصانع اعادة التدوير".
بحسب سارافان، يعد البلاستيك واحداً من بين تسعة مصادر خطيرة لتلوث البيئة في العالم، وأضاف "هناك سبعة انواع من البلاستيك 99 بالمائة منها مصنوع من النفط والغاز و 1 بالمائة فقط من النباتات والنشا".
وقال إن "من المتوقع ان يستهلك في هذا القرن 50 بالمائة من انتاج النفط لصناعة البلاستيك، ما يشكل خطرا كبيرا".
ويتم طحن قسم من البلاستيك في بعض المصانع الصغيرة ثم بيعه إلى مصانع تستتثمر في البلاستيك.
وقال حويز "نعطي البلاستيك المطحون لمصنع بيرمكرون او لمصانع اخرى في اربيل حيث ينتجون منه محلياً الانابيب او الصناديق، كما يصدرون بعضها الى الخارج".
"هدفنا هو حماية التربة والبيئة قبل الربح المادي، لأننا لا نريد تدمير تربتنا خلال السنوات القليلة المقبلة"، بحسب جوتيار حويز، الذي أقام حتى الآن في إطار حملات التوعية البيئية ندوات توعية للطلاب في 33 مدرسة بالسليمانية.
لا توجد أرقام دقيقة حول كمية البلاستيك التي يتم جمعها شهريا من المنازل، لكن فقط في معمل "جوارتا" لإعادة التدوير في تانجرو، يتم جمع 25 طنا من البلاستيك شهرياً.
جبار محمود، مدير معمل جوارتا الخاص بطحن البلاستيك قال، "يصل للمعمل النفايات البلاستيكية التي تجمع في علوة السليمانية أو من المنازل، كعبوات المياه والصناديق البلاستيكية،حيث نشتريها منهم حالياً بسعر 150 دينار للكيلوغرام الواحد".
وأضاف جبار بأن قسماً من البلاستيك، يتم تحويله في معمل بيرمكرون إلى صناديق أو أنابيب يستخدمها الفلاحون.
كامل رستم، صاحب مصنع لإعادة تدوير البلاستيك في جمجمال، وصف عمله بأنه أشبه بحملة تعاونية، وقال "فضلاً عن البلدية المسؤولة عن رفع النفايات، يقوم العديد من الأشخاص بنفس العمل، ولكن جهودهم تتركز على جمع البلاستيك، المواد المعدنية والورق المقوى".
"مقارنة بالعامين الماضيين، بات العثور على البلاستيك والورق المقوى في ألأزقة والشوارع أمراً نادراً، فقد أصبح مصدر دخل للعديد من المواطنين".
مواجهة التلوث بطرق بسيطة
تعتبر إعادة استخدام وتدوير النفايات الصلبة والغذائية إحدى طرق مكافحة التلوث البيئي. وفقًا لإحصائيات وتحذيرات الأمم المتحدة، يأتي العراق في المرتبة الخامسة بين أكثر البلدان تأثراً بتداعيات التغير المناخي، لكن يُنظر إلى هذه المبادرة التي أطلقها أهالي السليمانية على أنها طريقة بسيطة لمواجهة تحدٍ كبير.
ويقول سان سارافان إن من الأفضل للمواطنين أن يقللوا من استخدام البلاستيك وفهم أضراره، "المشكلة هي أن النفايات البلاستيكية التي يتم إعادة تدويرها تُحول مرة أخرى الى مواد بلاستيكية ليست صديقة للبيئة".
"في إقليم كوردستان لم تصبح إعادة التدوير ركيزة أساسية للحفاظ على البيئة، كل ما هنالك عبارة عن انتاج البلاستيك من البلاستيك"، وأضاف سارافان، "يجب أولاُ تقليل البلاستيك، كما أن إعادة التدوير يجب أن تكون بحيث لا تعود المواد البلاستيكية مرة أخرى إلى التربة".
وترى الخبيرة في مجال البيئة، زينو خالد، بأن "استخدام البلاستيك بصورة غير مسؤولة ونقص الوعي في المجتمع، و عدم توفر امكانيات متطورة في مجال إعادة التدوير، هي من الأسباب الرئيسية لتلوث البيئة".
من جانبه قال سان سارافان، إن "البلاستيك يؤثر على أعضاء الجسم بشكل مباشر من خلال الهواء والتربة، وينتقل عن طريق النباتات إلى الحيوانات ومن ثم إلى البشر عند أكل لحومها".
وتقول وزارة الصحة في حكومة إقليم كوردستان إن التلوث البيئي أحد اسباب الإصابة بأمراض السرطان، حيث سجلت تسعة آلاف و911 حالة إصابة بالسرطان خلال 2023.
وتقول روناك رشيد (52 عامًا)، وهي من بين السيدات اللائي يجمعن البلاستيك ويجهزنه للمصانع، "أحيانًا نتعرض للسخرية بسبب عملنا".
ويقول مدير مصنع "جوارتا" إن خفض سعر الكيلوغرام الواحد من البلاستيك بمقدار 100 دينار، بسبب عدم السماح بتصدير البلاستيك الذي يتم جمعه إلى الخارج، كان له تأثير كبير على الأشخاص الذين يجمعون البلاستيك وعلى معملهم كذلك، وأضاف "نحن على وشك الإغلاق، لأننا لن نحصل على أية أرباح في هذه الحالة.